بدأت محاولات تصدير وزرع وتنمية العلمانية وعلمنة العالم العربي منذ مائة عام تقريبًا، أي منذ قرابة قرن من الزمان، وتحديدًا في أواخر أيام الدولة العثمانية، وأثناء ضعفها، حيث ضغط القوميون العرب من ناحية، وضغطت دول الاستعمار الأوروبية من ناحية أخرى، لإزاحة المرجعية الإسلامية، التي تحكم التصور والفكر والقانون، وبالتالي السلوك والممارسة، في أنحاء العالم العربي، ليحل محلها التصور العلماني الذي يزيح الدين عن الحياة بمختلف مجالاتها.
فلفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ العلم على الإطلاق .
والترجمة الصحيح للكلمة هي (اللادينية) أو (الدنيوية)، أو هو ما لا صلة له بالدين.
والترجمة الصحيح للكلمة هي (اللادينية) أو (الدنيوية)، أو هو ما لا صلة له بالدين.
وهكذا فإن مصطلح العلمانية يشتق من العالم لا من العلم، وهو من الناحية الفلسفية يعني أن الحقيقة مصدرها العالم وليس الغيب، أي ما وراء العالم. وبالتالي فإن العلمانية لا تنفي الدين بالضرورة، ولكنها لا ترى أن الدين هو مصدر معرفة العالم وكذلك ليس هو مصدر التشريع والسلطة في عالم البشر.
يمكننا التأريخ لمصطلح العلمانية بعصر النهضة الأوروبية الذي ولد على فصل الدين عن الدولة وانتزاع السلطات التي كانت تملكها الكنيسة بحجة كونها ظل الله على الأرض، فتتجاوز حدودها الدينية لتمارس سلطات سياسية واجتماعية وطبقية وتضفي على هذه السلطات شرعية الحق الإلهي، بدعوى أن رجال الكنيسة يملكون تفويضًا إلهيًا، ليس في شرح حقائق الدين فحسب، بل في إضفاء الشرعية على السلطة أو نزعها منها. لذلك كانت العلمانية بمضمونها الفلسفي تعني، من جهة أن الحقيقة مصدرها العالم وليس الغيب، وتعني من جهة ثانية فصل الدين عن الدولة نتيجة لمسار التطور في أوروبا، الذي انتهى إلى إنجاز حضاري كبير كما هو مشاهد ومعروف.
بداية زراعة الشجرة الخبيثة:
وقد بدأت العلمانية في غزو البلاد العربية في مطلع القرن التاسع عشر، عندما بدأ الضعف يدبُّ في جسد الدولة العثمانية القائمة بالخلافة الإسلامية في ذلك الوقت، ولا ينفكُّ هذا التاريخ عن المواجهة السياسية والعسكرية بين الغرب والعالم الإسلامي التي توالت أحداثها طوال القرنين الأخيرين المنصرمين، وهو الأمر الذي جعل المفكرين والقادة السياسيين العرب والمسلمين يبحثون عن مكامنِ القوَّة في الغرب ويعملون على نقلها، ليتعرفوا على مكامن الضعف في أنفسهم ليتبيَّنوا سبيل العمل على تلافيها، وجرى ذلك في كل المجالات.
ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأ الفكر الغربي يُروَّج بنظرياته السياسية والاجتماعية والفلسفية، وبدأ زرع الفكر الوافد في تربيتنا العربية الإسلامية حتى أثمر بعد عدة عقود أفكارًا تناقض هويةَ الأمةِ وتراثَهَا وحضارتَهَا، وشهدت مصر عقب الاحتلال البريطاني إنشاءَ قاعدةٍ مستقرةٍ لضخِّ الفكر الغربي عن طريق التعليم الرسمي الذي وضع أسسه "دانلوب" المستشار الإنجليزي لوزارة المعارف العمومية، هذا بجانب مدارس الإرساليات التبشيرية أو المدارس العلمانية الفرنسية والإنجليزية، وكذلك صحيفة المقطم العميلة للاحتلال البريطاني ومجلة الهلال التي أسسها جورجي زيدان ومجلة المقتطف.
وفي لبنان أُنْشِئَت الجامعة الأمريكية، وفي الوقت نفسه كانت جمعية تركيا الفتاة تقوم بدورها في ضرب دولة الخلافة، وكذلك جمعية الاتحاد والترقي.
ولم يرحل المستعمر إلا بعد أن وضع البذرة العلمانية في مجتمعنا المسلم، ووفر لها الأجواء للنمو، ومكّن حامليها من مقدرات الأمور في بلادنا، وخصهم بحمايته.
الفروق في النشأة بين الحالتين:
هناك اختلاف واضح في نشأة العلمانية في أوروبا وفي عالمنا العربي، في أوروبا نشأت المرجعية الوضعية الجديدة خارج إطار الدولة عندما قامت حركة الصراع ضد الحكم الاستبدادي الملكي والإقطاعي وحكم الكنيسة وأنشأت لها داخل الأطر الاجتماعية وجودًا منفصلاً عن الدولة ونشأت الدولة داخل هذا الوجود. وهكذا نشأت الدولة العلمانية في أوروبا امتثالاً لحركة رأي عام قوية مثلت أسسًا ومرجعيات وضعية وفرضتها على الدولة من خلال مؤسسات أهلية واجتماعية مختلفة سواء كانت أحزابًا أو نقابات أو تنظيمات مختلفة أو حتى برلمانات.
أما العلمانية في بلادنا فنشأت بشكل آخر مختلف وفي سياق تاريخي آخر. فالعلمانية في بلادنا أزاحت الإسلام كمرجعية سياسية وكمرجعية فكرية للمجتمع.. وتم هذا بواسطة الدول عندنا في القرن التاسع عشر وتم عن طريق الاحتلال وبناء أجهزة الدولة وفق ما يبتغي المحتلون الأجانب فأصبحت الشرعية العلمانية لدينا شرعية إجرائية وليست شرعية ناتجة عن خارج الدولة كما هو واضح في الحالة الأوروبية والعلمانية عندنا جعلت الدولة تستمد شرعيتها من داخلها وليس من إطار مرجعي أو فلسفات خارج هذا الإطار. وهكذا أصبحت المرجعية الشرعية في بلادنا عن طريق مرجعية إجرائية.. يعني في النظام الديمقراطي الذي عرفناه بسلطاته الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.. فإن السلطة التشريعية تضع القوانين ويكفي أن يكون القانون صادرًا من السلطة التشريعية لكي يكون مرجعية تشريعية كاملة بصرف النظر عن الأسس قام عليها هذا القانون والتي تحميها مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. وعلى سبيل المثال فإن القانون في مصر في فترة الخمسينات والستينات كان كافيًا أن يصدر عن رئيس الجمهورية وهذا يضفي عليه شرعية كاملة. والقانون قبل عام 1952 كان يصدر من البرلمان وهذا يضفي عليه شرعية كاملة بصرف النظر عن المرجعيات والفلسفات التي يستند إليها والتي تسندها وتدافع عنها مؤسسات موجودة. وحتى شرعية البرلمان في ذلك الوقت كانت تأتي من هدوئه مع المحتل الأجنبي وعدم منازعته ومناكفته.
ثمار مرة للغرس الخبيث:
وقد كان لسيطرة العلمانية على الحياة الثقافية والفكرية والإعلامية في العالم العربي الكثير من الأضرار التي ما زلنا ندفع ثمنها حتى الآن. في مجال تكوين الشخصية الفردية، أدت العلمانية إلى انفصام في الشخصية، ذلك أنه ليس من الأيديولوجيات التي ابتدعها العلمانيون ما هو أكثر تأثيرًا وثباتًا واستمرارًا من الدين، أو مما قد يعتبر أنه أيديولوجيا دينية. ففي الدين ضوابط أخلاقية ومجتمعية تفتقر إليها أية أيديولوجيا علمانية. لذا قام بعض العلماء المسلمين بوصف ما أدى إليه فقدان المرجعية والقواعد الضابطة من آفات أصابت الإنسان والمجتمع في حكم العلمانية. وأكثر الآفات ظهورًا العبث والاستسلام للأهواء، من جراء فقدان الحس بأي معنى للحياة.
فمن العلماء المسلمين من أبرز الأضرار التي أصابت الغرب بفعل العلمانية، ومنها أزمة الحضارة المتمثلة بالفوضى الفكرية والانقسام الأيديولوجي واهتزاز القيم الإنسانية وطغيان المادية على العلاقات، مما أدى إلى غلبة أعراض الشيخوخة والفناء على حياته. ومنهم من شخّص عوارض الأزمة، فذكر منها فقدان توازن الشخصية، وتفكك الأسرة، وتفتت المجتمع، وقلب سلم القيم، وظهور القوميات. وذكر منها، في مجال الأخلاق، الإدمان على المسكرات، وتعاطي المخدرات، والاتجار بعري أجساد النساء، والتجربة الجنسية قبل الزواج، والإجهاض للأجنة، ومنهم من ذكر منها القلق النفسي والتوتر العصبي، والاضطراب الذهني، والفراغ الروحي، والشعور الدائم بالتفاهة والاكتئاب والضياع.
ومنهم من ذكر أثر المستعمر الغربي العلماني في المجتمعات الإسلامية. فمن آثار العلمانية في حياة المسلم وفي حياة مجتمع المسلمين المادية والنفعية والانتهازية والفردية والأنانية. ومن أضرار العلمانية في المجتمعات الإسلامية تبعية المسلمين الفكرية والسياسية والتشريعية والإدارية والتعليمية والتوجيهية والفنية للغرب. ومن أضرار العلمانية في المجتمعات الإسلامية انقسام النظام التعليمي إلى تعليم ديني وتعليم مدني أو علماني، وانقسام آخر بين القوانين الشرعية وبين القوانين المدنية. وظهور القومية العنصرية، والوطنية الإقليمية. وإقرار النظام التربوي الرأسمالي. وقوانين وضعية تحكم بها محاكم مدنية. وبمختصر الكلام، يأخذ العلماء المسلمون على العلمانية قيامها على أساس فلسفة مادية وموقف إلحادي.
المناخ الذي تسللت فيه العلمانية لبلادنا:
يمكننا القول، إذًا: إن أطروحات العلمانية انتشرت في بعض البلاد العربية في ظل السيطرة الثقافية الأوروبية على المنطقة العربية، التي وقعت في قبضتها العسكرية، بواسطة إرساليات تبشيرية أو حماية لأقليات دينية، وفي ظل المواجهة الغربية العلمانية مع الدولة العثمانية والسعي للسيطرة على المنطقة بعدما فشلت الحملات الصليبية حينما كان رجال الدين في أوروبا هم الحكام، وفي ظل محاولة الاحتواء الثقافي الغربي للعرب، من خلال التشجيع على التغريب الثقافي والدعوة للابتعاد عن الدين باسم العلمانية، وفى ظل تأسيس الأحزاب الشيوعية العربية ذات الطبيعة اللادينية.
فقد ظهرت حركات علمانية عربية في النصف الأول من القرن العشرين إمَّا من خلفية ثقافية غربية تخدم أطروحات الغرب في المنطقة العربية وتسعى لإبعاد العرب عن حضارتهم الإسلامية وعن عروبتهم معًا (كمحاولة الفرنسة للجزائر على سبيل المثال).. أو من خلفية ثقافية شيوعية معادية للدين والقومية عمومًا.
كما تم طرح العلمانية في المنطقة العربية من خلال بعض الأقليات الدينية التي كانت تخاف على مصيرها في بلدان ذات أغلبية دينية مختلفة.
هل العلمانية هي الحل لمشكلاتنا؟
إن المجتمع العربي بحاجة إلى إصلاحات فكرية وثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية.. وهذه الإصلاحات لا تتناقض مع القيم الدينية ولا تتعارض مع المفاهيم الإنسانية المعاصرة، فالعلمانية ليست هي العصا السحرية التي بنت أوروبا في العصر الحديث.
ربما كانت العلمانية هي الحل بالنسبة لأوروبا التي عاشت عصور الظلام تئن من تدخل الكنيسة التي أذاقت الناس، وخاصة العلماء، صنوف العذاب.
لكن بالنسبة للعرب والمسلمين، فقد كان القرآن هو مصدر العلم والمعرفة والحضارة والثقافة، فلم يعدم العلماء على الخازوق أو يحرقهم، وإنما رفع مكانتهم وأعزهم.
وكان القرآن والإسلام هو العامل الأساس لحضارة العرب ومدنيتهم ومصدر ثقافتهم، الذي حل مشكلاتهم الثقافية والسياسية.
والغرب يدرك هذه الحقائق تمامًا، ولذلك فهو يشن حملته الشعواء ضد القرآن والشريعة، لأنه يعلم أنه بهما يعز المسلمين، وبدونهما يذلوا وتسهل السيطرة عليهم، وبالتالي إضعافهم ونهب ثرواتهم.
ولم تكفِ العلمانية والديمقراطية وحدهما، في كل بلد أوروبي، لتحقيق التقدم والبناء الاقتصادي والاجتماعي لذلك كانت الحاجة إلى الاتحاد والتكامل مع الآخرين الأوروبيين (الاتحاد الأوروبي). كذلك الأمر في النموذج الأمريكي، حيث تعجز أيّة ولاية أمريكية عن بناء تقدمها الاقتصادي والاجتماعي، بمعزل عن الولايات الأخرى.
ولقد شهدت بعض البلاد العربية والإسلامية تجارب لأنظمة حكم علمانية لكن بمعزل عن الديمقراطية السياسية في الحكم والعدالة في المجتمع، فلم تفلح هذه التجارب في حل مشكلات دولها كنظام بورقيبة في تونس، والنظام العلماني لشاه إيران.
وتجربة الحكم الشيوعي في عدن الذي انتهى بصراعات قبائلية على الحكم، ونظام جبهة التحرير العلمانية في الجزائر الذي أدى إلى تصاعد التيار الإسلامي، كما لم تمنع علمانية تركيا من بروز التيار الإسلامي المتنامي ووصوله للحكم.
إضافة للتجارب الفاشلة لأنظمة حزب البعث منذ مطلع الستينات، وهذه التجارب لم تحلّ مشكلة غياب الديمقراطية، ولم تحل مشكلة الأقليات.. ولم تحل المشاكل الاقتصادية.. ولم تحل مشكلة الحكم بالوراثة أو بالقوة العسكرية.. ولم تحقق التقدم والعدالة الاجتماعية لشعوبها.
العلمانية والتعصب .. تناقض وازدواجية:
مشكلة العلمانية في أوروبا وكذلك بالنسبة لبعض العلمانيين العرب أنها أصبحت مقتصرة على مفهوم "معاداة الأديان" والاستهزاء بقيم الأديان.
إن العلمانية تعلي من شأن العقل ولكنها أيضًا تهتم بحرية المعتقد واحترام الثقافات، وتحويل العلمانية إلى عقيدة متعصبة في أوروبا بات يشكل أزمة حقيقية لأن على الأوروبيين أن يتعلموا احترام الاختلاف وعدم التعامل بعنصرية وفوقية مع الثقافات الأخرى. صحيح أن بعض الأبعاد في ردة الفعل الإسلامية كانت خاطئة وغير مقبولة مثل حرق الأعلام الدنمركية والنرويجية وهدر دم رعايا الدول التي نشرت بعض صحفها الرسومات، لكن هذا التعصب ليس قائمًا لدينا فقط بل أيضًا ساهم التعصب العلماني في أوروبا في زيادة حجم المشكلة.
ويكفي ما تفعله فرنسا العلمانية والعديد من الدول الأوروبية الأخرى ضد الحجاب والمحجبات والنقاب والمنتقبات، والحساسية الشديدة، على كل المستويات من هذه الرموز الإسلامية.
كما أن الممارسات السياسية والإعلامية والثقافية على أرض الواقع تؤكد أن العلمانية الأوروبية متعصبة ومنحازة ضد الإسلام والمسلمين، ولم تكن أبدًا محايدة.
فالحملات الصحفية والإعلامية معتادة ومتكررة في سب الإسلام ورموزه والحط من شأنهم، ويكفي أن نشير إلى الرسوم المسيئة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم والتي بدأت في الدانمارك وانتشرت في كل أوروبا بحجة حرية التعبير، ولم تكن كذلك في حقيقة الأمر، وإنما الحقيقة هي الكراهية المطلقة للإسلام ورسول الإسلام والقرآن والشريعة وكل الرموز الإسلامية.
علمية الإسلام وعلمانية الغرب:
معلوم للكافة أن الإسلام جعل للعلم والعلماء مكانة عظيمة وفضل العلماء بعلمهم وحث الناس على التعلم وتحصيل العلم فقال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}. والرسول الكريم يقول: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقًا إلى الجنة).. ويقول أيضًا: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع).
والقرآن الكريم يهتم بالحجة العلمية والبرهان فهو يطالب الكفار بالبرهان على اتخاذهم آلهة من دون الله وهذه المطالبة كما يقول العلماء مطالبة تعجيز.
كما أن القرآن الكريم يعتمد على العلم اليقيني لا على الظن والوهم.. فيقول: {بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم}. وينفي القرآن الكريم من التقليد بغير علم ولا عقل ولا هداية فيقول: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون}. ويقول أيضا: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون}.
وهكذا يعيب الله على الذين لا يستخدمون عقولهم ولا يستخدمون العلم والعقل ويصفهم بأنهم كالدواب. كما أننا نجد أصول المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة واستخدام النظر مع العقل فيقول تعالى: { قل سيروا في الأرض فانظرا كيف بدأ الخلق }. ويبين الله تعالى أن ما يكسبه الإنسان من علم ومعارف بعد مولده إنما يحصله عن طريق السمع والبصر والعقل.
فيقول تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}.
على هذه الأسس العلمية والمنهجية تم بناء العلم الإسلامي والحضارة الإسلامية والعقلية الإسلامية منذ ألف وخمسمائة عام.
أما أوروبا فقد عاشت عصورًا تسمى عصور الظلام وكان السبب وراء هذا الظلام الكنيسة ورجال الدين والآراء والمعتقدات التي أراد رجال الدين أن يجبروا العقلية الأوروبية على اعتقاد صحتها، ومن يتمرد عليها أو يرفضها كان جزاؤه الحرمان من رحمة الكنيسة والطرد من رحمة الله والحرمان من صكوك الغفران. وفي مرحلة تاريخية معينة حدث نوع من التحالف بين السلطة السياسية والسلطة الدينية في أوروبا فلا يرقى الإمبراطور إلى كرسي العرش إلا بقرار من الكنيسة.. ولكي يرد الإمبراطور الجميل للكنيسة فمن يتمرد على رأى الكنيسة فجزاؤه إما القتل أو الحرمان من رحمة الله بقرار سياسي.
وسيطر هذا الفكر المظلم على أوروبا فترة طويلة من الزمن إلى أن ظهر النور الإسلامي من خلال منافذ الحضارة الإسلامية إلى أوروبا. وبدأ علماء أوروبا يتعرفون على الوافد الجديد.
هل فعلاً تقدمت أوروبا بعد أن دفنت الدين ؟
هذه المقولة تحمل ألوانًا من التضليل لا نظير لها لأن أوروبا التي أقنعتنا بأنها نفضت يدها من الدين هي في نفس الوقت شديدة الحرص على ديانتها. والذي يطلع على تاريخ التبشير في العالم العربي والإسلامي وعلى الميزانيات المرصودة لذلك من الدول الأوروبية يدرك مدى كذب هذه الفرية. إن كل دول أوروبا بلا استثناء ينص دستورها على أن الثقافة الإنجيلية هي الثقافة الرسمية للدولة.
إن التقدم والتأخر مرتبط بالأخذ بالسنن الكونية ومنها سنة العلم فللتقدم أسبابه وللتأخر أسبابه وهذه الأسباب لا علاقة لها بالدين ولكنها سنة من سنن الله في الكون من أخذ بها تقدم ولو كان كافرًا ومن أهملها تأخر ولو كان من أتقى عباد الله.
إن التقدم والتأخر مرتبط بالأخذ بالسنن الكونية ومنها سنة العلم فللتقدم أسبابه وللتأخر أسبابه وهذه الأسباب لا علاقة لها بالدين ولكنها سنة من سنن الله في الكون من أخذ بها تقدم ولو كان كافرًا ومن أهملها تأخر ولو كان من أتقى عباد الله.
وهكذا فقد تقدمت أوروبا لأنها لم تنفض يدها من الدين ولكن لأنها اعتصمت بمنطق العلم وجعلته سلما لرقيها المدني ولتقدمها التكنولوجي في حين أهمل المسلمون الأخذ بسنة العلم فتخلفوا.
مقالة د. علي عبد الباقي مصدرها مفكرة الإسلام
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
إتحفني برأيك