‏إظهار الرسائل ذات التسميات قضايا معاصرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قضايا معاصرة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 30 أكتوبر 2008

الفلبين


الموقع الجغرافي :
تقع (الفلبين) في الجنوب الشرقي لـ(الصين) وسط مجموعة من (الجزر الاستوائية) المنتشرة بين (المحيط الهندي) و (المحيط الهادي)،وتسمى هذه الجزر (جزر الهند الشرقية) وتأخذ شكل الهلال الضخم .
وتبلغ مساحة (الفلبين) الإجمالية: 300.000 كم، و تعداد سكانها: 81,159,644 نسمة، منهم ستة ملايين مسلم.
الاسم الأصلي لعاصمة (الفلبين) هو "أمان الله" ثم حذفت الألف من البداية، و حرفت الكلمة فصارت (مانيلا). و يوجد في العاصمة (مانيلا) 4 مدن رئيسية و 13 بلدية مستقلة، من هذه المدن مدينة (كويزون) وكانت عاصمة للفلبين من عام 1948 م إلى عام 1976 م، وتتميز هذه المدينة بجمالها ومبانيها وشوارعها الجميلة كما تتميز بجامعتها الشهيرة (جامعة الفلبين). سميت المدينة بهذا الاسم نسبة إلى (مانويل كويزون) (1878 - 1944 م) السياسي الفلبيني الذي دفن فيها.
أرض شعب مورو :
وتقع أرض (شعب مورو) [وهو الاسم الذي أطلقه الأسبان على مسلمي هذه المنطقة وما حولها] في أقصى الجنوب الفليبيني، وتتكون من (جزيرة مينداناو) ثاني أكبر (جزر أرخبيل الفليبين) (أكثر من 7000 جزيرة) و(أرخبيل جزر صولو) ، و(جزيرة بالاوان) و(جزيرة بازيلان)، وبذلك تكون مساحة مناطق (مورو) (116.895 كم2). أي أكثر من ثلث مساحة (الفلبين) الكلية. ويبلغ مجموع سكان (جزر مورو) المذكورة حوالي 20 - 21 مليون نسمة، لكن عدد المسلمين منهم محل جدل بعد أن قامت الحكومة وما تزال بتطبيق خطة توطين النصارى في مناطق المسلمين، فالإحصاءات الرسمية وطبيعة الصراع الموجود من أجل الاستقلال تقلل من عددهم وتصل به إلى 7 ملايين فقط، بينما تصل تقديرات غير حكومية إلى 15 - 18 مليون مسلم، والبقية من سكان الغابات اللادينيين والنصارى المهجرين من (جزر لوزون) و(جزر فيسياس الشمالية).
ومع أن الإسلام قد وصل إلى المنطقة منذ وقت مبكر، فإن انتشاره كان في سنوات ما بعد 1200 ميلادية، وذلك قبل بدء وصول ماجلان ونصرانيته في عام 1521م، وكان دخول الإسلام إلى شرق آسيا عن طريق الدعاة والتجار وبدون حروب. ومن السلطنات الإسلامية المشهورة في (جزر جنوب الفليبين): (سلطنة صولو) التي ضمت (جزر صولو)، و(طاوي) - (طاوي)، و(بالاوان)، والجزر المجاورة، و(سلطنة ماغوانداناو) التي يعيش معظم المسلمين في أراضيها اليوم.
الموارد الاقتصادية والاستراتيجية والبشرية :
تعتمد (الفليبين) على الزراعة في حياتها الاقتصادية، حيث تشكل الزراعة ما يقرب من 70% من دخل البلاد، وهي مهنة غالبية السكان، وتنتشر الملكية الصغيرة وإن كانت الملكية الكبيرة معروفة في سهل (لوزون) حيث يعمل في الأرض مزارعون بالأجرة.
وأهم المحاصيل الزراعية: الأرز الذي يعد غذاء السكان الرئيسي، وتنتج البلاد أكثر من ثلاثة ملايين طن منه سنويا، ولا تكفي هذه الكمية حاجة السكان؛ فيستوردون ما يحتاجون من (تايلاند). وقد أدخلت أنواع جديدة من الأرز تعطي مردوداً إنتاجيا كبيراً ويعرف باسم الأرز العالمي .
ويعد صيد السمك حرفة أساسية لعدد كبير من السكان؛ نظراً لطبيعة البلاد وطول السواحل، وتستخدم فيه السفن الآلية الكبيرة، ويأتي السمك في المرتبة الثانية كمورد رئيسي بعد الزراعة.
ويدر استثمار الغابات ربحاً كثيراً، وينظر إلى صناعة العجينة الورقية والورق كهدف من الأهداف المنتظرة في المستقبل القريب.
وتوجد في البلاد ثروة معدنية كبيرة؛ ولذلك كان التعدين من أهم الصناعات، إذ يتوافر النحاس والذهب والحديد والمنجنيز والكروم والفضة والزئبق، ويتوقع الباحثون وجود ثروة معدنية كبيرة في (جزيرة ميندناو).
كما تقوم صناعة: البلاستيك، والكرتون، والزجاج، والأدوات المعدنية، والأفلام وتجميع الأجهزة.
والذي يملأ النفس حزنًا وكمدًا أن مناطق المسلمين أراضٍ أودع الله تعالى فيها خيرات كثيرة، لكنها تُسْتَغل لصالح رفاهية غيرهم، ويُتْرَكوا يعانون من الفقر والجهل وعدم الاستقرار في حياتهم، فقد قطعت الفلبين شوطًا لا بأس به من الناحية التنموية في محافظات الشمال، لكن مناطق المسلمين الجنوبية ظلت في آخر جدول أعمال الحكومات إلا من إنفاق 40 مليون بيسو [العملة الفلبينية] يوميًّا لتمويل الصراع مع المسلمين! ومع أن هناك مشاريع صناعية وتعدينية قد يراها الزائر للجنوب، فإنها ليست إلا لاستخراج خيراتها ودعم ميزانية الحكومة المركزية بها من تصدير- لصالح ميزان المدفوعات الفلبيني - للذُّرَة والذهب والأخشاب والبُن وجوز الهند والأسماك والمطاط والموز واللحوم والأرز والفحم.
ومن الأمثلة على ذلك مدينة بريرة التي يفتقد أهلها لمعظم مرافق الحياة الخدمية، مع أن المليارات تُدِرُّ على التجار من (مانيلا) من بيع الأخشاب التي حولها، كما أن 25% من إنتاج البلاد من الأرز و70% من الذرة يخرج من مينداناو.
التركيبة السكانية الأصلية :
تعد الفلبين من البلاد التي توصف بالكثافة السكانية، كما أن معظم السكان يتمركزون في مناطق محدودة بها، فعلى الرغم من كبر مساحة جزيرة مثل [ميندناو] إلا إنها قليلة السكان.
ويتألف السكان من عناصر مختلفة، ولكن العنصر الغالب هو العنصر 'الماليزي' الذي جاء مهاجراً منذ آلاف السنين من (ماليزيا) و(إندونيسيا)، وفي العصور الحديثة جاء إلى البلاد الصينيون والأسبان والأمريكان، وتزاوج عدد منهم مع الفلبينيين فنشأ عنصر مزيج من الدماء الماليزية والأسبانية بشكل خاص، وتوجد كذلك مجموعة صغيرة من السكان من ذوي البشرة السمراء، ولكنهم يعيشون في المناطق النائية في الجبال والغابات.
ويشكل المسلمون ما يقرب من 11% من السكان في المناطق الجنوبية في (جزيرة ميندناو) و(أرخبيل صولو)، و(جزيرة بالاوان)، ويقلون في الجزر الوسطى والشمالية، ويصل عددهم الآن إلى ما يقرب من ستة ملايين مسلم.
يوجد عدد من البوذيين، ومجموعة من الوثنيين الذين يؤمنون بالأرواح، وتشكل كل مجموعة من هاتين المجموعتين ما يقارب 2% من مجموع السكان.
ويتكلم السكان أكثر من 78 لغة محلية، أهمها : (لغة التاغالوغ) التي تنتشر بين سكان (مانيلا) والمحافظات المجاورة لها، وتعد بمثابة اللغة الوطنية، كما نجد الإسبانية التي انتشرت أيام الاستعمار الإسباني، والإنجليزية التي سادت وقت الاستعمار الأمريكي؛ وتعد الإنجليزية هي اللغة الرسمية للحكومة.
ويتكلم المسلمون لغتين من اللغات السائدة في البلاد، وهي: لغة (الثاوصو) القـريبة من الإندونيسية، ولغـة (المراتاو) وهي الغـالبة في (جزيرة ميندناو)، وتضم ألفاظاً عربية كثيرة، وتكتب بالحرف العربي.
تمارس المرأة الحياة السياسية بالصورة نفسها التي يمارسها الرجل، وتعد العلاقات العائلية في الفلبين علاقات قوية، ويميل السكان إلى تيسير الزواج والزواج المبكر، وتنجب المرأة عدداً كبيراً من الأبناء.
المسلمون في الفلبين :
تعتبر (الفلبين) من أقدم الدول الآسيوية التي دخلها الإسلام على أيدي المسلمين العرب من التجار والدعاة (1310م)، وقام حكم إسلامي في العديد من الجزر الجنوبية وبخاصة (جزيرة مِندناو) منذ أوائل القرن الرابع عشر الميلادي وحتى القرن السادس عشر.
منذ احتلت إسبانيا الفلبين في القرن السادس عشر الميلادي وحتى (1899م)، بدأ الحكم الإسلامي في الانحسار، وازداد الأمر تعقيداً بمجيء الاستعمار الأمريكي الذي ضم الجنوب المسلم إلى الشمال قبل أن يمنح (الفلبين) استقلالها عام (1946م)، وقد تسبب ذلك في حالة من الشعور بالغبن سادت بين المسلمين في (مملكة سولو) و(سلطنة ماجندناو) اللتين عملتا على استعادة استقلالهما الذي نعمتا به لقرون.
ونتيجة لاتهام المسلمين الحكومة الفلبينية بدعم جماعات مسيحية مسلحة، تفجر الوضع العسكري بين الجانبين عام (1970م)، وتأسست إثر ذلك الجبهة الوطنية لتحرير مورو عام (1972م) لتقود مواجهات مسلحة ضد النظام الفلبيني، غير أن هذه المواجهات لم تسفر عن انتصارات حاسمة لأي منهما. فبدأ منذ عام (1976م) إجراء سلسلة من مفاوضات السلام بين الحكومة وقادة الجبهة الوطنية بوساطة ليبية أسفرت في النهاية عن توقيع (اتفاقية طرابلس) التي تنص على منح المسلمين حكماً ذاتياً، إلا أن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ نظراً لمماطلة الحكومة الفلبينية كما تتهمها بذلك الأقلية المسلمة، وسرعان ما عادت الأمور إلى التوتر وعادت معها العمليات المسلحة بين الجانبين.
وفي عام (1993م) توسطت (إندونيسيا) في الصراع بين الجبهة والحكومة، وبعد ثلاث سنوات أفلحت الوساطة في توقيع اتفاق سلام جديد في يونيو (1996م) تنص بنوده على إنشاء مجلس للسلام والتنمية في جنوب الفلبين يستمر لمدة ثلاث سنوات، يُجرى بعدها استفتاء شعبي في مقاطعات الجنوب تُخَّير فيه كل مقاطعة على حدة في الانضمام للحكم الذاتي الإسلامي، ودمج المليشيات العسكرية التابعة للجبهة الوطنية في جيش (الفلبين) المركزي.
غير أن المسلمين كانوا يخشون ألا يسفر هذا الاستفتاء -في حال إجرائه- إلا عن موافقة خمس مقاطعات فقط -من أصل أربع عشرة مقاطعة- على الانضمام للحكم الذاتي الإسلامي، وذلك بسبب التغييرات الديموغرافية التي تمت في تلك المقاطعات وجعلت الأغلبية العددية للمسيحيين (وفق مصادر مسلمي الفلبين).
الجبهة الوطنية لتحرير مورو :
تأسست عام (1972م) بعد أن أعلن الرئيس الفلبيني (ماركوس) الأحكام العرفية في الجنوب، وبدأ الصراع العسكري بين الحكومة والجبهة التي أعلنت أنها تسعى لانفصال الجنوب المسلم عن الشمال.
ولم تستطع الجبهة الوطنية المحافظة على وحدتها بسبب تباعد الرؤى والتصورات حول أسلوب حل قضية المسلمين في جنوب (الفلبين)، فـ(سلامات هاشم) يرى أن الحل العسكري الأمثل عن طريق الجهاد؛ تمهيدا لإقامة دولة إسلامية في الجنوب، في حين يرى (نور مسواري) أن طريق المفاوضات في هذا الوقت ربما يكون أكثر فاعلية، من خلال الحصول على بعض المكاسب من الحكومة الفلبينية.
وزادت حدة الاختلاف عام (1976م) عقب توقيع (نور مسواري) -إثر وساطة قام بها الزعيم الليبي (معمر القذافي)- على اتفاق مع الحكومة الفلبينية في العاصمة الليبية (طرابلس) -عرف باسم اتفاقية (طرابلس)- ينص على منح المسلمين في الجنوب حكمًا ذاتيًا محدودًا، فانقسمت الجبهة في العام التالي (1977م)، وظلت تعمل على الساحة بجناحيها المختلفين تحت نفس الاسم حتى عام (1984م)، وحينئذ أطلق سلامات هاشم على جناحه اسم (الجبهة الإسلامية لتحرير مورو).
ومما يؤسف له أن أجهزة الإعلام من إذاعات وصحف في بعض البلدان الإسلامية تتجاهل المجازر التي تقوم بها الحكومة الفلبينية بل أنها كانت تشيد بهذه الحكومة وتتحدث عن إصلاحات (ماركوس) وانجازاته. رغم ما تقوم به الدوريات السعودية من مجلات شهرية وأسبوعية وجرائد يومية بمعالجة هذه القضية وأبعادها كقضية إسلامية. وما تقوم به رابطة العالم الإسلامي من دور كبير في تنبيهها لهذه القضية ودعمها.
وقد قدمت (الفلبين) بين عامي (1392 – 1404هـ = 1972 – 1984م) :
- 30 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
- استرقاق ستة آلاف مسلمة على أيدي الجنود الفلبينين.
- تشريد أكثر من مليوني مسلم.
- فرار حوالي 300 ألف نسمة واضطرارهم إلى الهجرة إلى البلاد المجاورة " ولاية صباح " التابعة لماليزيا.
- إحراق 300 ألف منزل من بيوت المسلمين.
- تدمير مئة قرية ومدينة إسلامية.
- اغتصاب معظم أراضي المسلمين الخصبة.
- تدمير أكثر من 500 مسجد للمسلمين.
وقد أدت تلك العمليات الإرهابية والمحاولات المستمرة للقضاء على المسلمين بشن الحملات العسكرية إلى انتشار الفقر والجهل والأمراض بين المسلمين، مما جعلهم فريسة لحملات التبشير والشيوعية – وللمؤثرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
ورغم ذلك بقيت شعلة الإيمان متوهجة؛ فالمجاهدون يسيطرون على جميع المناطق الإسلامية ما عدا بعض المدن. وسارعت بعض الدول العربية بتقديم المساعدات التعليمية للمسلمين في (الفلبين) فهناك حوالي 30 مدرساً من (الأزهر) ، وعدد كبير من المدرسين من (المملكة العربية السعودية) ، وتساهم (رابطة العالم الإسلامي) في ذلك.
وبقيت في المناطق الإسلامية مئات المدارس الابتدائية والمتوسطة وعشر مدارس ثانوية، وجامعة إسلامية تضم ست كليات تدار بالجهود الذاتية، وتحاول الحكومة جاهدة أن تضم هذه المؤسسات التعليمية إليها. ومن المؤسسات التعليمية: (معهد مندناو العربي الإسلامي) وتتبعه 316 مدرسة، و(معهد ماداواي الإسلامي) وتتبعه 52 مدرسة، و(كلية فكاسم) في مدينة مداراوي ويتبعها عدد من المعاهد وتقدم تعليما باللغة العربية، ويضاف إليها (جامعة الفلبين الإسلامية) وكانت تسمى معهد كامل الإسلامي، ولها فروع في عدة مدن.
وبالفلبين (مركز الملك فيصل للدراسات العربية الإسلامية)، ويوجد ضمن (جامعة مندناو)، وهناك (المدرسة التجريبية لتعليم اللغة العربية) التي تتبع (مركز الملك فيصل).
وعندما زار الدكتور (عبد الله نصيف) الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي جنوب (الفلبين) وزار (معهد أمين الشريف) استقبله عدد من المسئولين بينهم (السلطان إسماعيل لاود) مؤسس المعهد الذي يضم 70 طالباً وطالبة من المسلمين واستقبله المسلمون استقبالا حافلاً، وزار (معهد مندناو العربي) وحضر مجلس القرآن الكريم والحديث النبوي بقاعة المحاضرات بالجامعة ، وأعاد افتتاح (مسجد باب الرحمن) الذي بني في (الفلبين) قبل أربعمائة سنة ، ووجد في مدينة (دراكا) - 30 ألف مسلم - أربعة عشر مدرسة إسلامية و 25 مسجداً. ويقدر عدد مساجد الفلبين بحوالي 2500 مسجد.
هذا وقد سقط (ماركوس) وغادر البلاد إلى (أمريكا) بتاريخ (25 فبراير 1986م)، ووصلت (كورازون أكينو) إلى الحكم، ولم يتغير وضع المسلمين رغم الوعود التي أطلقتها لهم، بل استمرت في أسلوب (ماركوس) المراوغ، وسياسة فرق تسد بإيجاد الصدع بين (جبهة تحرير مورو الإسلامية) بزعامة (سلامات هاشم)، و(جبهة تحرير مورو الوطنية) بزعامة (ميسواري).
ولا تزال (منظمة المؤتمر الإسلامي) و(رابطة العالم الإسلامي) تبذلان جهدهما للإبقاء على وحدة الصف والتنسيق بينهما؛ حيث بدأت بوادر الشرخ بين الجبهتين تظهر بحدة. وتمت المباحثات بإشراف أمين عام (رابطة العالم الإسلامي) بين وفد (جبهة تحرير مورو الإسلامية) ووفد حكومة (الفلبين) في (20 سبتمبر 1986م) في مقر الرابطة بجدة.
واتفق على بدء الحوار مع (أكينو) في (الفلبين) تحت إشراف الرابطة ، وفشلت المباحثات؛ إذ يوجه حكومة (أكينو) مجلس الكنائس الفلبيني، الذي يعمل كبار قساوسته مستشارين لها، وهم من ألد أعداء الإسلام والمسلمين. وتخفي تلك الحكومة المواجهات المسلحة مع المسلمين، بينما تبرز الحركة الشيوعية وتنشر لها نشرات أكبر من حجمها، وتنسب إليها في بعض الأحيان العمليات الفدائية الجهادية، وذلك للفت نظر الدول الغربية والإسلامية، كما تلقى عدد من العلماء والأساتذة والدعاة في مورو الإسلامية رسائل بتوقيعات مستعارة بالتهديد بالقتل أو الاغتيال أو الخطف. ونفذت بعض التهديدات بالفعل، وثبت أن ذلك من عملاء شبكة المخابرات الفلبينية. وقد نشرت جريدة (المسلمون) صورًا حيّة للمذابح التي تديرها الجماعات المسلحة المعادية للإسلام في الفلبين؛ إذ أنهم يقتحمون البيوت المسلمة، ويطلقون رشاشاتهم على النساء والأطفال والشيوخ، ويفقأون عيون الرجال، ويبقرون بطون الأطفال، ويذبحونهم بالخناجر، ويفصلون الرؤوس عن الأجساد.
ولا يزال الجهاد الإسلامي يواجه الدوائر الثلاث: الجيش الصليبي الفلبيني الحكومي، والعناصر المتعصبة من المستوطنين الذين يدعمهم الجيش الفلبيني، والشيوعيين الذين يتظاهرون بالعطف مع المسلمين لينقضوا عليهم إذا سنحت الفرصة، فضلاً عن مراوغة الحكومة.
المشكلات التي تواجه المسلمين :
1- التخلف الشديد الذي يتجلى في النقص الحاد في الخدمات التعليمية والصحية والذي يعود سببه -من وجهة النظر الإسلامية- إلى سيطرة الحكومة في مانيلا على الثروات الطبيعية للمناطق الإسلامية.
2- الخلخلة السكانية؛ حيث يتهم المسلمون الحكومة المركزية بتهجير آلاف المسيحيين إلى الجنوب لإحداث تفوق عددي على المسلمين هناك.
3- الصدامات العسكرية بين ثوار الجبهة الإسلامية لتحرير مورو الداعية للاستقلال وبين الجيش الحكومي، وكان من نتيجة هذه الصدامات حتى الآن تهجير قرابة مليوني مسلم فلبيني إلى ولاية صباح الماليزية المجاورة.
4- التهميش السياسي إذ ليس لدى المسلمين أي ممثل في الحكومة أو القضاء.
5- انشقاق الحركة الوطنية بسبب الخلافات القائمة بين الجبهتين الوطنية والإسلامية حول أسلوب العمل الوطني بين الاستقلال التام أو الحصول على بعض المكاسب المؤقتة.
6- ضعف الاهتمام الدولي وخاصة الإسلامي بقضيتهم.
7- تماطل الحكومة الفلبينية في منح المسلمين حقهم في حكم أنفسهم.. وتدعم الجماعات المسيحية ضدهم
8- كما يعاني المسلمون في الفلبين من مشكلات كثيرة، يأتي في مقدمتها: ضعف الاهتمام الدولي خاصة الإسلامي بقضيتهم، والعدوان العسكري المتواصل من الجيش الحكومي على ثوار الجبهة الإسلامية لتحرير مورو الداعية للاستقلال، وقد كان من نتيجة ذلك تهجير قرابة مليوني مسلم إلى ولاية صباح الماليزية المجاورة.. ومشكلات أخرى كثيرة تحتاج إلى مؤازرة مسلمي العالم والمجتمع الدولي من أجل حلها الذي يتمثل في منحهم الحق في الاستقلال، وإقامة دولتهم المستقلة.

مقالة للدكتور راغب السرجاني

القلة المؤمنة

يتمنَّى الصالحون من أبناء هذه الأمة دائمًا أن يشاهدوا أمتهم في مقدمة الأمم، وأن يسعدوا - وتسعد الدنيا معهم - بعزِّتها وقوّتها ومجدها...ولكن مع أنَّ الأمنية واحدة ، إلا أن الكثير يختلف في طريق الوصول إليها...
إن التغيير والإصلاح والنهوض كلُّها غايات كبرى تحتاج إلى وسائل محدّدة، ومعايير ثابتة، ولقد رأينا في صفحات القرآن الكريم والسنة المطهرة ما يضع أيدينا - بوضوح - على مفاتيح التغيير وآليّات الإصلاح، ورأينا كذلك في صفحات التاريخ وقصة أمتنا ما يوضح لنا بدايات الطريق وعلاماته وطبيعته...
إن التغيير دومًا يأتي من القِلَّة المؤمنة!
إن الحديث عن الكثرة في القرآن الكريم غالبًا ما يأتي ليصف الحالة السيئة والمتردية التي تكون عليها الكثرة، مثل قوله تعالى: { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [الأنعام: 116]، ومثل قوله: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } [غافر: 61]، ومثل قوله: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [يوسف: 40]، وهكذا.
بينما الحديث عن المؤمنين والمصلحين يأتي دومًا بصيغة التقليل، مثل قوله تعالى: { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [هود: 40]، ومثل قوله: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ: 13]، ومثل قوله: { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } [ص: 24].
إنّ معظم الناس لا يقبلون بالتضحية والبذل وفقدان كل شيء عزيز في سبيل إعلاء كلمة دينهم وأمتهم، قد يكونون صالحين يريدون أن يحيوا حياة آمنة دون مصاعب ولا مشاكل، ولكنهم غير مستعدين لأَنْ يفقدوا مالهم أو ديارهم أو أولادهم أو حياتهم من أجل خطوات للأمام. إن هذه التضحيات الكبرى تحتاج إلى رجال ونساء من طراز خاص، وهو طراز قليل عزيز، ولكنه مع قِلَّتِه مُؤَثِّرٌ للغاية، ولو وُجِد هذا القليل في شعب فإنَّ التغيير يحدث، والإصلاح يتم، حتى ولو كان معظم الشعب غير عابئٍ بحمل قضايا الأمة وهمومها !! .
وصفات هذه القِلَّة المؤمنة واضحة ومعروفة في كتاب الله عز وجل، وفي سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي تاريخ الإصلاح في أمتنا الحبيبة.
إنهم مُخْلصون تمام الإخلاص في عقيدتهم، يُحبُّون الله ويُحبّهم الله، يتوجَّهون إليه سبحانه وتعالى بكل أعمالهم وأقوالهم. إنهم مرتبطون ارتباطًا وثيقًا بشرع ربهم، لا يقبلون بتبديل أو تحريف، ولا يتنازلون عن كبيرة ولا صغيرة، وهم مُعَظِّمُون للقرآن والسُّنة تمام التعظيم، ولا يحتكمون في حياتهم إلا إليها.
إنهم مُستعدون للبذل والتضحية من أجل عقيدتهم ومبادئهم، دينهم عندهم أغلى من كل شيء، وهم يعلمون تمام العلم أن الطريق شاق، وأن المصاعب كثيرة، وأن التضحيات هائلة، ومع ذلك فهم يستهينون بكل هذه التحدِّيات؛ لأنَّ عيونهم على الأجر العظيم الذي يعطيه الله عز وجل لهذه القِلَّة المؤمنة.
ومن هذه القِلَّة المؤمنة يخرج المُجَدِّد المُخْلِص الذي يقود حركة التغيير والإصلاح، ولا يستقيم أن يخرج هذا المُجَدِّد المُخْلِص من لا شيء، ولكن لا بد من وجود نواة من القِلَّة المؤمنة، ثم يصطفي الله عزَّ وجلَّ منها واحدًا أو مجموعة ليكونوا مُجَدِّدِي زمانهم، ومُصْلِحِي أمتهم، ويُسْتثنى من هذه القاعدة الأنبياء؛ ذلك أنهم يبعثون في زمن لا توجد فيه قلة مؤمنة، بل لا يوجد من يعبدُ اللهَ عزَّ وجلَّ حَقَّ العبادة؛ ولذلك يُرسلهم ربهم سبحانه وتعالى ليبدَءُوا حركة إصلاحية شاملة في العقيدة والأخلاق والقيم، كل ذلك من لا شيء. أما في غير وجود الأنبياء، فإنَّ التغيير يأتي من قلَّة مؤمنة محافظة على منهجها دون تحريف، ثم يخرج منها مُجَدِّدٌ مُخْلِصٌ يبدأ الخطوات الفعليَّة في نهضة الأمّة وإصلاحها.
إنَّ هذه المفاهيم في غاية الأهمية..
إن الذين يعتقدون أن الذي يبدأ الإصلاح هو المُجَدِّدُ الفردُ، كثيرًا ما ينتظرون وينتظرون دون عمل، على أمل أن يرسل الله تعالى لهم صلاح الدين أو قُطُز أو عمر بن عبد العزيز أو غيرهم من هنا أو هناك، ولا يعلمون أنَّ هؤلاء وغيرهم من المُجَدِّدِين خرجوا من قِلَّة مُؤمنة، ونهضةٍ إسلاميّة خالصة في مجموعة من المسلمين المخلصين، ثم اصطفى الله عزَّ وجلَّ شخصًا مُعَيّنًا أو عِدَّة أشخاص ليحدث التغيير في زمانهم.
إنني أرى أن الجهد الأكبر، والمشقّة العظمى تكون في حياة القِلَّة المؤمنة، ولعله جهد ومشقة أعظم من التي نراها في حياة المُجَدِّدِ نفسِه.
إنهم الأتقياء الأخفياء الذين يُصْلِحُون دون أن يعرفهم الناس، ويَثْبُتُون رغم عدم وجود ثمار تُقطف، وقد يموتون دون أن يَرَوْا نَصْرًا ولا تمكينًا.
إنك لكي تفهم قصة المُجَدِّد صلاح الدين الأيوبي لا بُدّ أن تُراجع سيرة القِلَّة المؤمنة التي وُجدت من أيام عماد الدين زَنْكِي وأبيه آق سُنْقُر، والعلماء العظماء الذين صاحبوا هذه الفترة، فأخرجوا لنا نور الدين محمود، الذي أخرج لنا بدوره صلاح الدين الأيوبي.
إنّ المُتَعَجِّلِين ينظرون دومًا إلى نهايات الأمور، ولا يهتمون بالسُّنَّة الثابتة في التغيير؛ ولذلك يَتَرَقَّبُون رجلاً ينزل من السماء، أو يخرج من تحت الأرض، أو يأتي من كوكب آخر ليصلح أحوال الأمة.
وفي نفس الوقت فإن اليائسين والمحبطين يقولون: لا بُدَّ لكي يحدث تغيير أن يتغير الشعب بكامله أولاً، وهذا محال، وليس في سُنَّة الله عز وجل؛ فالكثرة - كما ذكرنا مرارًا - لا تكون على المنهج القويم، ولن يصلح حال الشعب والكثرة إلا بظهور القِلَّة المؤمنة التي تُفرِز بدورها مُجَدِّدًا مُصْلِحًا يرفع راية الإسلام.
والسؤال الذي لا بُدَّ له من إجابة سريعة:
هل أنت من القِلَّة المؤمنة، أم أنك ترقب الأحداث انتظارًا لما تأتي به الأيام؟!
أَجِبْ بسرعة، فقد تكون اللحظات المتبقية في هذه الدنيا قليلة ! .
ونسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.
هذه المقالة للدكتور راغب السرجاني

ممن نأخذ ديننا

لا شك أننا الآن نعيش في عصر لا يعرف فيه الناس دينهم لما يجدونه من تصادمات بين الفتاوى بعضها ببعض فيجدون مثلا من يقول إن سماع الأغاني حراما ثم في مكان آخر يجدون من يقول إن سماع الأغاني حلال والإسلام دين يسر وليس بعسر وهو دين الوسطية فلا يعقل أن تكون الأغاني حراما !! .

ولسنا نعاني من مثل هذه التصادمات فحسب بل بدأنا نواجه نوعا من الهجوم على ثوابت الدين فخرج إلينا من يدعي بأن النقاب ليس من الدين في شيء بل وخرج علينا بعض من يدعون أنهم علماء ليعلنوا أنهم يشمئزون من النقاب الذي كان لباس أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، ثم خرج علينا بعد ذلك من يدعي إن الحجاب ليس من الدين في شيء وأن الحجاب المطلوب من المرأة هو الحشمة فيجب أن تخرج المرأة محتشمة ولكن لا داعي لأن تغطي رأسها أو باقي جسدها فهذا سيحرمها من الشمس الجميلة .

وآخر البدع المستحدثة الآن هو من يخرج ليقول بجواز القُبل بين الشاب والفتاة وذلك لأنهم لا يجدون طريقة للزواج وعليه فما المانع أن نيسر عليهم بالسماح لهم بالقبلات والأحضان ؟!! .

إذن نحن الآن كمسلمين وكشباب مسلم خاصة نواجه تحديات وهجمات تريد هدم ديننا وتقضي على هويتنا فنكون مسخا للغرب أو الشرق ولا نكون أبدا شبابا مسلما كما يحب الله ويرضى .

دعوني الآن أضع بين أيديكم مجموعة من القواعد تكن لكم نبراسا يضيء لكم الطريق وتكن لكم طوق نجاة ينجيكم من هذا البحر الهائج الذي سيغرقنا جميعا إن لم نستيقظ في الوقت المناسب .

أولا :- التمسك بكتاب الله عز وجل .

وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَبْشِرُوا ، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفَهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفَهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا. رواه الطبراني ، فالتمسك بكتاب الله عز وجل يعني نجاتنا في هذا البحر المتلاطم الذي نعيش فيه .

ثانيا :- النبي صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بمراد الله عز وجل إذ يقول ربنا تبارك وتعالى { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (44) سورة النحل. فالنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يبين للناس ما نُزل إليهم فهو أعلمنا بمراد الله عز وجل .

وعن جابر رضي الله عنه قال حينما كان يتحدث عن كيفية حج النبي صلى الله عليه وسلم قال " وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ " . رواه مسلم .

ثالثا :- شرائع الله عز وجل ملزمة للإنس والجن والعبد والحر والذكر والأنثى إلا أن يأتي دليل يفرق بين الذكر والأنثى مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ ) . رواه أبو داود .

رابعا :- شرائع الله محكمة وما نُسخ منها فقد نسخ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بموته فقد استقرت هذه الشريعة واكتمل الدين وانقطع الوحي فليس لأحد أن يزيد فيه شيء بغير استدلال منه فمثلا يقيس على مسألة من المسائل بما ورد في دين الله عز وجل أو أن يقول ذلك مستحبا ومستدلا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا وليس لأحد أن ينقص من دين الله شيء أو يبدل شيء مكان شيء أو يأتي بشريعة جديدة فلقد قال تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } (3) سورة المائدة.

خامسا : هناك أوامر في شرع الله جعلها الله دائرة على علل والعلة هي ما يستلزم وجودها الوجوب وعدمها العدم أي أنها تدور مع المعلول وجوبا وعدما ، فالأحكام التي جعلها الله مبنية على وجود علة قد جعلها الله عز وجل منصوصة في الشرع وهذه العلة تختلف عن العلة التي يستنبطها أهل العلم ليقيسوا عليها ومن أمثلة هذه العلل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ) رواه مسلم وغيره ، فإذا وُجد الإسكار وُجد التحريم فلو أنك تأكل شيكولاتة مثلا وتعلم أنها تُسكر لو أكلت منها كثيرا فهي خمر وهي حرام فإن انعدم الاسكار انعدم التحريم .

سادسا :- يجب على كل مسلم أن يتدبر قول الله عز وجل { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا } (115) سورة النساء . ولن يستطيع المرء أن يتبع سبيل جميع المؤمنين إلا لو كانوا متفقين على أمر واحد وهذا دليل على أنه لا يجب أبدا مخالفة الإجماع .

ويجب علينا أيضا أن ننظر لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء المهديين من بعده فنتبعهم على ما اتبعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) . رواه أبو داود وغيره .

فإياكم ومستجدات الأمور في دين الله فما لم يكن دينا في الماضي فلن يكون دينا الآن وما كان حراما في الماضي فلن يكون حلالا الآن وما كان حلالا في الماضي فلن يكون حراما الآن .

ولقد زكى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة فقَالَ ( خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) قَالَ عِمْرَانُ فَمَا أَدْرِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَوْلِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ( ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ ) .رواه البخاري ومسلم ، والسمن هو الانشغال بالدنيا .

ونحن الآن نعيش في زمن يبدو فيه من يلتزم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم شخصا غريبا بل لعل الناس تسخر منه إن رأته ملتحيا ويلبس القميص ويقصر من ثيابه حتى لا يكون مسبلا وربما وصفوه أنه أتي إليهم من العصر الحجري أو ما شابه وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) .رواه مسلم .

فهل سيعود الإسلام غريبا بين عشية وضحاها ؟ . بالطبع لا فإن العلم سيرفع وإن الجهل سيظهر وينتشر بين الناس حتى إذا جاء أحد الناس ليقول إن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وجدت الناس متعجبين من هذه السنة وإن قال أحد الناس أن هذا الأمر من البدع في الدين فتجد الناس تتعجب أيضا ويعتبروه يخرف فما تفسير ذلك ؟ .

تفسير ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَفْشُوَ الزِّنَا وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ وَتَبْقَى النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ ) . رواه مسلم .

فيظهر الجهل شيئا فشئيا وليس مرة واحدة وأيضا يدل على ذلك قوله صلوات ربي وسلامه عليه إذ يقول ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) . متفق عليه .

فغربة الإسلام ستكون بنقض جزئيات الإسلام الواحدة بعد الأخرى وفي ذلك يقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ ) .رواه أحمد وغيره .

فتغيب جزئية أو تُحدث بدعة فتصير سنة فإذا أنكر أهل الحق هذه البدعة قال الناس هؤلاء مبتدعة وهذه هي الغربة والعلماء هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

فمثلا يطلع علينا أحد الذين يقال عنهم بأنهم مفكرين إسلاميين أو شيوخ مستنيرين فيقول إن التصوير بكل أشكاله حلال وإنه كان حرام في عهد النبي وذلك خشية أن يعبدوا التماثيل التي ينحتونها ونحن الآن في العصر الواحد والعشرين فيجوز لنا التصوير بكل أشكاله أو يقول أحدهم إن الختان كان عادة قبلية ولا يصح في عصرنا هذا أن نختن الفتيات أو يقول قائل إن الحجاب ليس المقصود به تغطية المرأة سائر جسدها ولكن المقصود منه هو الحشمة وفقط وهذا عبث يؤدي إلى ضياع الشرائع .

عليك أن تجلس حين تجلس لتسمع من أحد المشايخ أن تنظر فيما يقول فلو وجدته يستدل بقول الله وقول رسوله الكريم ثم أقوال أهل العلم فلتعلم أنك إن شاء الله لست من الذين توعدتهم هذه الآية { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا } (115) سورة النساء .

أما إن وجدته يتحدث بأنه ليس من المنطق وليس من الحضارة أن نفعل كذا وكذا مع علمك أن هناك أحاديث بغير ما يدعي فاعلم أنه يسلك غير سبيل المهتدين ولتبتعد عنه .

سابعا : لا يُعْرَف الحق بالرجال ولكن يُعرف الرجال بالحق .

هذه قاعدة من الأهمية بمكان وهي تعني أننا نعرف أهل الحق باتباعهم للحق وليس لأنهم مشهورين أو دعاة أو علماء فمثلا لو رأينا أحد الدعاة المشهورين قام يصافح أحد النساء الأجنبيات فهل نقول إن مصافحة النساء الأجنبيات حلال لأن ذلك الداعي إلى الله قد قام بذلك ؟ ولو قال أحد الدعاة أنه لا يسمح لبناته بارتداء النقاب فهل معنى هذا أن النقاب ليس من الدين لأن ذلك الداعي المشهور لا يسمح لنساءه بارتداءه ؟ .

إن المقصود من هذه القاعدة هو أننا نحن المسلمين لا نعتبر أيا من الدعاة أو العلماء ممن نكن لهم كل الإحترام والتقدير لا نعتبره أبدا حقٌ في ذاته وأفعاله والوحيد الذي هو حق في ذاته وأفعاله هو النبي صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) رواه مسلم ، والمعنى أن من اتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نوافقه عليه ومن خالف هديه صلى الله عليه وسلم ففعله هذا مردود عليه ولا يقبل منه .

فأي قول يقوله داعي أو عالم نعرضه على دين الله عز وجل فإن وافق هذا القول دين الله عز وجل قبلناه وإن خالفه رفضناه مهما كان ذلك الداعي أو العالم .

ثامنا :- لكل عالم زلة وأحيانا زلات .

يجب أن نفهم تماما أن كل عالم في دين الله له أخطاءه وزلاته فإن أخطأ عالم فلا يجوز لك أن تقول أنه أخطأ ولكن دع ذلك للعلماء أمثاله يبينوا له خطأه فأنت كمسلم عادي قد تغيب عنك الكثير من الأمور فتكون لست أهلا للرد على العلماء أو إثبات مقدار عليهم وفهمهم لدين الله عز وجل فلا تدخل في هذا الجانب ولكن لا شك أن لكل عالم زلة أو زلات .

ولكن لو أن عالم قد أخطأ فهل يجب علينا ذبحه والتخلص منه وفصله من عمله ؟ أو أن نصفه بأنه جاهل ونصفه بأوصاف لا تليق بعالم ؟ .

إن من يفعل ذلك لا يحترم العلماء ولا حتى يحترم نفسه وذلك لأن أهل العلم هم ورثة الأنبياء وهم المصابيح التي تضيء لنا الطريق بعد الله ورسوله ولولاهم لوقعنا في بحار الجهل المظلمة ولولاهم لما عرفنا الحق ولا فعلنا مراد الله منا ولا عرفناه فيجب على المسلم أن يعطي للعالم حقه من الإحترام والتقدير فهم من لهم فضل على كل المسلمين ويبقى أجرهم سار حتى بعد موتهم لما قدموه من نفع للمسلمين .

وأذكركم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ ) رواه أحمد وغيره .

ولنأخذ مثالا على مخالفة الكثير من المسلمين لهذا الحديث حيث أفتى الدكتور عطية وهو رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر بجواز إرضاع الموظفة لزميلها الموظف حتى تنتفي الخلوة بينهما أثناء العمل وهنا قامت الدنيا ولم تقعد فقال الناس إن هذه الفتوى إهانة للإسلام ومنهم من أخرج مقالات للسخرية من هذا العالم ومنهم ومنهم .

إن جمهور العلماء قالوا بأن إرضاع سهلة لسالم كان خاصا بهما فقط أي حالة خاصة إلا أن أمنا عائشة رضي الله عنها اعتبرتها شيء عام واستدلت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ ) متفق عليه ، ولقد خالفها سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولقد وافق بعض أهل العلم ما ذهبت به أمنا عائشة رضي الله عنها بجواز إرضاع الكبير وبه تثبت المحرمية مثل ابن حزم رحمه الله .

فماذا لو أفتى أحد أهل العلم برأي يخالف رأي الجمهور ؟ هل نفصله من عمله ؟ وهل نطلب من اعتذارا علنيا ؟ ونقدمه للتحقيق وكإنه ارتكب جريمة في دين الله عز وجل ؟ .

حتى لو كان قد أفتى ذلك العالم أو غيره من العلماء بفتوى دلت أنه قد أخطأ فيجب أن نوضح للعالم خطأه حتى يتراجع عن فتواه تلك ولكن بكل أدب واحترام وليس للمسلم العادي أن يفعل هذا ويقيم العلماء فهذا شأن العلماء بعضهم لبعض ، وإني لأعرف أحد العلماء وهو من المحدثين قد أفتى بتحريم لبس الذهب للنساء فما رأيكم الآن ؟ هل نصفه بالجهل وأنه أخطأ فيما لا يخطئ فيه طفل صغير ؟ .

ليس عجيبا أن يخطيء العالم فهو في النهاية بشر وكلنا نخطيء ولكن يجب علينا أن نحترم علمائنا ونقدرهم خير تقدير وإلا هلكنا وما فهمنا ديننا أبدا ووقعنا في إثم عظيم .

فبهذه القواعد يجب علينا أن نسير في هذه الدنيا حتى لا ننحرف عن الطريق المستقيم والله أسأل أن أكون قد نفعتكم بهذه المقالة .

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تكاثروا تكاثروا


لعله من اللافت للنظر أن الكثير من مراكز الحد من الإنجاب في البلاد الإسلامية تكون تحت الرعاية المادية والعلمية للدول الغربية، وفي مقدمتها أمريكا. وقد يتساءل بعض المسلمين: ما الدافع وراء هذه الشفقة الغربية على التضخم السكاني في بلاد المسلمين؟ ، وهل تتقطع قلوب الأمريكيين والأوربيين على المسلمين الذين يعانون من مشاكل في الصحة والتعليم والغذاء ، وغير ذلك نتيجة زيادة السكان ؟ وهل الأمريكان الذين يدفعون الأموال الطائلة لتقليل أعداد المسلمين ، غير الأمريكان الذين يحتلون العراق وأفغانستان ، ويساعدون اليهود في احتلال فلسطين؟! .
إنها أسئلة تدور في أذهان الناس ، وليس لها إلا إجابة واحدة وهي إن تقليل أعداد المسلمين يصبُّ في المصلحة العامة للغربيين بصفة عامَّة ، والأمريكان بصفة خاصَّة ! .
إنه ما من شك أن العدد قوة ، وأن البلد الأكثر سكانًا يُحسب له حسابٌ أكبر بكثير من البلد قليل السكان ، وقبل أن ينطلق المعترضون ويقولون أن الكيف أهم من الكم ، وأن الأعداد الكبيرة غير المؤهلة هي مجرد غثاء لا وزن له ؛ فقبل أن يقولوا هذا الكلام ، فإني أقول: إنني لا أعني أبدًا أن العدد الكثير مطلوب حتى بدون تأهيل ، ولكن ما أقصده هو التأهيل الجيد والمتميز للأعداد الكبيرة حتى تصبح هذه الأعداد إضافةً للبلد ، وليست إرهاقًا لها .
إن الحكومات المفسدة دأبت على تعليق مشاكلها وأخطائها وفسادها على شماعة التضخم السكاني ، ويخرج لنا وزير الصحة في أحد البلاد الإسلامية ويقول: إن تحديد طفلين لكل أسرة سوف يوفِّر للبلاد في غضون عشرين سنة مبلغ 35 مليار دولار في مجال الصحة والتعليم . وينسى المسئول الحكومي أن أضعاف هذا المبلغ تضيع على البلاد نتيجة الفساد الحكومي ، والاختلاسات والصفقات المشبوهة ، والعمولات الهائلة ، كما تضيع أضعاف هذا المبلغ في شراء ما لا ينبغي شراؤه ، بدءًا من الأمور الترفيهية والحفلات الساهرة ، وانتهاءً بصفقات السلاح الذي لا يعمل ، أو انتهت موضته ! ، ولا ننسى أن كميات هائلة من الأموال تضيع كذلك بسبب سوء الإدارة حتى إذا صلحت النوايا ، وبسبب سوء التخطيط حتى لو توفرت الأمانة ! .
الزيادة السكانية في العالم
إن مشكلتنا ليست في العدد أبدًا.. إن مشكلتنا في الفساد الذي حطم المنظومة التعليمية على سبيل المثال ، فما عادت تقوم بمعشار دورها. وانظروا إلى المدارس التي من المفترض أنها مكدسة بالتضخم السكاني ، فإذا بها خاوية على عروشها ، وقد هجرها مدرسوها وطلابها إلى مراكز الدروس الخصوصية ، وما ذكرناه في حق المنظومة التعليمية ينسحب على كل المؤسسات في بلاد العالم الإسلامي .
إننا نحتاج إلى العدد الكُفُؤ ليستصلح الأراضي البور الهائلة في بلاد المسلمين ، ونحتاج إلى العدد الكفؤ ليستخرج كنوز وخيرات الأرض هنا وهناك ، ونحتاج إلى العدد الكفؤ لتشغيل المصانع والشركات والمشروعات الإنتاجية ، ونحتاج إلى العدد الكفؤ الذي يعمل في البحار الهائلة التي يتمتع بها عالمنا الإسلامي ، ونحتاج إلى العدد الكفؤ الذي يتعلم ويبدع ويبتكر ويخترع ، ونحتاج إلى العدد الكفؤ الذي يدافع عن البلاد ، ويكوِّن جيشًا قويًّا قادرًا على ردِّ أطماع الغزاة .
إن العدد إذا كان مدربًا ومؤهلاً يصبح نعمةً كبيرة، يجب أن نحمد الله عليها ؛ لذلك يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: " تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ " رواه أبو داود والنسائي .
ولا شك أن رسولنا صلى الله عليه وسلم لم يكن يقصد الأعداد الكبيرة التي لا وزن لها ولا قيمة ، ولكنه كان يقصد أن يضاعف المسلمون أعدادهم ، وفي نفس الوقت أن يرتفعوا بمستواهم ، ويرتقوا بأدائهم .
لقد عدَّ الله عز وجل الكثرة نعمة عندما قال في كتابه: "وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ" (الأعراف: 86). فلا مجال أن يتفلسف أحد ، وينسى كل المتغيرات ، ويتذكر ثابتًا واحدًا ، هو أن الكثرة تحتاج إلى طعام أكثر ، ومدارس أكبر ، وهكذا.....
أيها المغرضون الذين يريدون إضعاف المسلمين ، راجعوا تعداد السكان في الدول المتقدمة عالميًّا : أمريكا ( 303.9 مليوناً ) ، الصين (1.331 مليار ) ، اليابان ( 127مليونًا ) ، ألمانيا ( 82.7 مليونًا ) ، فرنسا ( 60.9 مليونًا ) ، إنجلترا ( 60 مليونًا ) .
ونتساءل: هل أضعفت الأعداد الكبيرة هذه البلاد أم أن هذه الأعداد تحولت إلى قوة إنتاجية تدفع البلاد إلى الأمام ؟ .
ونتساءل أيضًا: لماذا تشجِّع الحكومات في فرنسا وألمانيا المواطنين على كثرة الإنجاب ؟ ونتساءل كذلك: لماذا يفتح الأمريكان باب الهجرة لأبناء العالم من كل مكان ليذهبوا إلى أمريكا ، بل ويحملوا الجنسية الأمريكية ؟ ولماذا يعطون الجنسية الأمريكية لمن وُلد على أرضهم ؟! .
أيها المسلمون، أنا لا أدعوكم إلى الكثرة المجردة ، ولكن أدعوكم إلى كثرة في العدد مصحوبة بحسن تربية ، ودقة تعليم ، وإتقان توجيه ، ونية صالحة تهدف إلى إعلاء كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها . وأختم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " متفق عليه .
وأسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.

هذه مقالة للدكتور راغب السرجاني

جبهة علماء الأزهر وقانون الطفل

مفكرة الإسلام: اتهمت "جبهة علماء الأزهر" مجلس الشعب والحكومة المصرية بالخروج عن نصوص الشريعة الإسلامية بعد إقرار تعديلات على قانون الطفل.
وأكدت أن تلك التعديلات تبيح الزنا وتقننه وتحلل الحرام, وذلك في ظل حظر الزواج على من هم دون الثامنة عشرة, في الوقت الذي لا يجرَّم فيه مرتكبو جريمة الزنا.
وهاجم بيان أصدرته الجبهة كذلك تعديلاً يبيح للأم نسبة طفلها إليها بشهادة الميلاد, متهمين واضعي القانون بفتح باب الزنا أمام الحرائر والعفيفات بعدما انتفت مساءلتهن عن إنجاب الولد وتقنينهم لتلك الجريمة بالتستر عليها وسهولة تسجيل المواليد الذين أتوا من خلالها.
واتهم البيان البرلمان بأنه بهذا القانون يحاد الله ورسوله، فالله يقول في قرآنه: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}، غير أن قانون المجلس يقول: بل ادعوهم إذا أردتم وأراد لكم الهوى إلى أمهاتهم. بحسب البيان.
ويقع هذا التعديل في إطار تعديلات قانون الطفل الجديد التي أعلنها المجلس القومي المصري للأمومة والطفولة وأثارت جدلاً واسعًا بين المثقفين والفقهاء المصريين.
ومن ضمن بنود هذه التعديلات التي أثارت لغطًا بين مختلف الفئات المصرية: ما يتعلق بتسجيل الطفل المولود خارج إطار الزوجية، وعدم جواز توثيق عقد زواج لأقل من ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة لكلا الجنسين، وتجريم ختان الإناث.
ورأت الجبهة أن السماح للمرأة بنسب مولودها إليها من شأنه أن ييسر شيوع أمر الفاحشة، ويؤكد سقوط حق المرأة في صيانة سمعتها، وعرضها الذي أهدرته باختيارها، فلم تعد شرعًا بهذا الولد محصنة ولا عفيفة، بعد ما وثقت زناها وفقًا للقانون وأعلنته بإرادتها على الملأ.
مواءمة مع المواثيق الدولية:
كما شن البيان هجومًا ضاريًا على وزارة الخارجية المصرية التي حاولت تبرير قانون الطفل على لسان نائلة جبر مساعدة وزير الخارجية للشئون الدولية متعددة الأطراف، بقولها: إنه تم إصداره استجابة للالتزامات التي قطعتها الحكومة المصرية على نفسها بعد توقيعها على المعاهدات الدولية الخاصة بهذا الشأن.
وتقع تلك الالتزامات بالمعاهدات الدولية في إطار المواءمة مع "وثيقة الطفل" سيئة السمعة المصدق عليها بالأمم المتحدة في العام 2002 والوثيقة التي هي محل نقاش الآن بالأمم المتحدة والمسماة "إزالة جميع أشكال التمييز ضد الطفلة الأنثى".
ومن ضمن بنود هاتين الاتفاقيتين ما جاء في "وثيقة الطفل" "المادة 37 الفقرة 3، والمادة 44، الفقرة 4" الإقرار الصريح بحق الفتيان والفتيات في ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج عن طريق إتاحة خدمات الصحة الإنجابية لهم, والمقصود بها وسائل منع الحمل, حتى لا يعكر عليهم صفو ممارستهم المحرمة، بالإضافة إلى "المادة 15" التي تدعو إلى الحق في الشذوذ الجنسي بدعوتها إلى الاعتراف بالأسر المتنوعة ـ والمقصود بها الأسر التي تقوم على العلاقات المثلية الشاذة والطبيعية.
أما الوثيقة الأخرى التي تصب اهتمامها على الأنثى فإنها ـ كما جاء في الفقرة 115 ـ تقضي "بحق" الطفلة [أقل من 18 سنة] في تحديد متى تصبح ناشطة جنسيًا، إضافة إلى الفقرات رقم 27, و82, و130 من الوثيقة والتي توصي بتوفير معلومات الصحة الجنسية للطفلة وتوفير احتياجات الصحة الإنجابية للمراهقين لتعليمهم ممارسة الجنس الآمن، أي تعليم ممارسة الجنس في المدارس خارج إطار الزواج شريطة توفير وسائل منع الحمل والوقاية من مرض الإيدز.
فيما تصف الوثيقة عذرية المرأة بأنها نوع من الكبت الجنسي وتعدها أحد أشكال التمييز ضد الأنثى, كما تكفل في الفقرة 96 حق الفتيات السحاقيات في ممارسة السحاق مع إثبات حقهن في اختيار جنس الشريك, كما تدعو إلى مراعاة حق الشاذات في التعبير عن آرائهن حول الشذوذ.
ويرى مراقبون أن إقرار هذا القانون هو خطوة أولى على طريق التبعية الغربية في تثبيت العادات الاجتماعية لتلك الدول في الدول العربية والإسلامية.
مناشدات:
وناشدت الجبهة أصحاب الرأي والصحافيين والقضاة والمحامين التحرك لمواجهة القانون قبل ضياع ما تبقى من القوة الإيمانية لدى الأمة المكلومة, وحذرت من أن ضياع وانتهاك الحرمات سيجلب على الأمة والبلاد الغزو الخارجي.
وطالبت في بيانها كذلك الأئمة والوعاظ والخطباء بإعلان الحرب على قانون الطفل الذي وصفوه بـ"اللعين" قبل أن يعمنا الله بنقمته وعذابه ويهلكنا بغضبه.
يمكنك مشاهدة البيان الذي أصدرته الجبهة على هذا الرابط :-

اعرفوهم واحذروهم

إليكم بيانا أصدره جماعة من أهل العلم في بلدنا السعودية الشقيقة وهذا نصه :-
اعرفوهم واحذروهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين ...
أما بعد ، فهذا بيان بحقيقة الشيعة [ الرافضة ] فإنها الطائفة التي نبتت في جسم الأمة الإسلامية منذ عهود متطاولة بفعل بعض اليهود ، وقد قام مذهبهم أولاً على أصلين :
1 ) الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذريته من فاطمة رضي الله عنهم .
2 ) بغض جميع الصحابة إلا قليلاً منهم وهم في هذا الغلو وفي هذا البغض متفاوتون ، فمنهم من يؤلّه علياً رضي الله عنه ، وسلف هؤلاء السبئية الذين حرّقهم علي رضي الله عنه بالنار ومنهم القائلون بعصمة علي رضي الله عنه ، والأئمة من بعده .
ثم منهم من يكفر جمهور الصحابة رضي الله عنهم ، ويزعم أنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يفسقهم ويقول إنهم ظلموا بمبايعة أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة لأنهم يزعمون أن علياً رضي الله عنه هو الوصي بولاية الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الصحابة رضي الله عنهم كتموا الوصية واغتصبوا علياً رضي الله عنه وأهل البيت حقهم في الأمر ، وهؤلاء كلهم يتدينون بسب الصحابة رضوان الله عليهم خصوصاً أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقد كانت بداية هؤلاء في عهد علي رضي الله عنه ، ولهذا صح عنه رضي الله عنه أنه قال : " لا أوتى بمن يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري ".
ومن أصولهم ما يُعرف عندهم بالتقيّة ؛ الذي حقيقته النفاق بإخفاء باطلهم ، فيظهرون خلاف ما يبطنون .
وشرُّ طوائفهم الباطنية كالإسماعيلية والنصيرية ، وكانوا يعرفون قديماً بالقرامطة ، وكان من زعمائهم أبو سعيد الجنّابي في بلد القطيف وهو الذي عاث هو وحزبه في الأرض فساداً ، وكانوا يقطعون الطريق على الحجاج بالقتل والنهب . وجاءوا إلى مكة سنة / 317هـ / فقتلوا الحجيج ورموهم في بئر زمزم ، وقلعوا باب الكعبة وقلعوا الحجر الأسود ، وحملوه إلى بلدهم القطيف وبقي عندهم ثنتين وعشرين سنة .
ومنهم دولة الفاطميين بمصر الذين قال فيهم بعض أهل العلم إنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض .
والشيعة الروافض هم الذين أحدثوا في الأمة شرك القبور فبنوا على قبور أئمتهم القباب والمعابد التي يسمونها المشاهد وعمروها بأنواع الشرك والبدع فهم يطوفون بتلك القبور ويصلون عندها ويحجون إليها ويستغيثون بأصحابها من قرب وبعد ، ولا سيما في الشدائد ، فكان شركهم أغلظ من شرك الذين قال الله فيهم [ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله ملخصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ] فالرافضة يشركون في الرخاء والشدة ، وقد سرى داء القبورية منهم إلى طوائف من الصوفية .
ومن خرافات الشيعة الرافضة اعتقادهم أن الإمام الثاني عشر عندهم وهو محمد بن الحسن العسكري الذي يزعمون أنه دخل سرداب سامراء وهو ابن خمس أو ست سنين ، وذلك سنة [ 256 هـ ] وأنه لم يزل حياً ، وهم ينتظرون خروجه ، ويدعون بذلك فإذا ذكروه قالوا عجل الله فرجه وهو المعروف عندهم بالإمام المنتظر ، والمهدي المنتظر .
فهذه أصول مذهب الرافضة مع ما دخل عليهم من أصول الخوارج والمعتزلة .
وبهذا يتبين أن طائفة الشيعة الرافضة شر طوائف الأمة وأشدهم عداوة وكيداً لأهل السنة والجماعة .
ولذلك يتدينون بلعن جميع أهل السنة الأولين والآخرين .
ولا يقرون بشرعية خلافة أحد من خلفاء وملوك المسلمين من عهد أبي بكر رضي الله عنه إلى اليوم عدا علياً رضي الله عنه فعندهم لم تكن للإسلام دولة بعد الرسول إلا ما كان من خلافة علي رضي الله عنه .
ولهذا لم يزل الإسلام والمسلمون منهم في محنة يكيدون لهم بأنواع المكايد مما به فساد دينهم ودنياهم ويناصرون أعداء المسلمين عليهم كلما سنحت لهم الفرصة وإذا كانت لهم دولة أذلوا وتسلطوا على من في ولايتهم من أهل السنة كما عليه الحال في إيران والعراق . وهم يثيرون الفتن وأنواع من الفساد والدمار بالمسلمين وزعزعة الأمن في بلاد المسلمين كما حصل في بعض مواسم الحج في مكة وفي اليمن من الحوثيين .
ومع هذا فكثير من المسلمين من المتعلمين والمثقفين فضلاً عن العامة قد انخدعوا وينخدعون بمزاعم الرافضة في نصرة الدين وعداوة اليهود والأمريكيين كما حصل من الانخداع بمزاعم من يسمى بحزب الله في لبنان . ولا ريب أن الذين يصدقونهم في مزاعمهم لم يدركوا حقيقة مذهبهم وما بني عليه من أصول كفرية كما تقدم بيانه.
ومن العجب أن مع هذا الانفتاح والتمكن من الاطلاع على مؤلفاتهم وتصريحاتهم لم يزل كثيرون غير متصورين لعداوة الرافضة لأهل السنة عموماً ولأهل السنة والجماعة خصوصاً ولهذا هم أعدى الأعداء لدعوات الإصلاح السلفية التي تقوم على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين فاعرفوهم واحذروهم أيها المسلمون .
نسأل الله أن يجعل لنا فرقاناً بين الحق والباطل وبين أوليائه وأعدائه وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن لا يجعله ملتبساً علينا فنضل إنه المان بذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الموقعون :-
1 الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
2 الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر البراك
3 د. الشيخ/ عبد الله بن حمود التويجري
4 د. الشيخ/ عبد الله بن حمد الجلالي
5 الشيخ/ عبد الله بن ناصر السليمان
6 د. الشيخ/ ناصر بن سليمان العمر
7 د. الشيخ/ عبد الله بن عمر الدميجي
8 د. الشيخ/ سليمان بن عبد الله السيف
9 د. الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله المبدل
10 د. الشيخ/ محمد بن عبد العزيز اللاحم
11 د. الشيخ/ إبراهيم بن محمد عباس
12 د. الشيخ/ عبد الله بن إبراهيم الريس
13 د. الشيخ/ محمد بن عبدالله الهبدان
14 د. الشيخ/ عبد العزيز بن محمد الراشد
15 الشيخ/ فهد بن سليمان القاضي
16 الشيخ/ عبد العزيز بن ناصر الجليل
17 الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن الوطبان
18 الشيخ/ سعد بن ناصر الغنام
19 الشيخ/ أحمد بن حسن بن محمد آل بن عبد الله
20 الشيخ/ العباس بن أحمد عبد الفتاح الحازمي
21 الشيخ/ عيسى بن درزي المبلع
22 الشيخ/ عبد العزيز بن سالم العمر

لبنان وحزب الله



ما أن انتهى "حسن نصر الله" من خطابه عصر اليوم الخميس حتى انطلق مسلحو "حزب الله" في شوارع بيروت بأسلحتهم ورشاشاتهم في حرب خاضها "حزب الله" من طرف واحد، ومن الواضح أنه أعد لهذه الحرب منذ زمن طويل.

وقد تنتهي المظاهر المسلحة، وقد تختفي الأسلحة، مؤقتًا، من شوارع بيروت، ولكن يبقى السؤال: ماذا يريد "حزب الله" من لبنان ؟.

وقبل أن نبدأ:
لعله بات من نافلة القول ومكرره أن نذكر بعدة مسلمات قبل الإجابة على هذا السؤال، ومن هذه المسلمات:

- حزب الله في حقيقة أمره هو جبهة متقدمة لإيران،وما يفعله حزب الله، أيًا كان حجمه، لا يستطيع أن يقدم عليه إلا بعد أن يأخذ الضوء الأخضر من طهران؛ هذا أمر نظنه بات مسلمًا به من الجميع خاصة وأن الأدلة والشواهد عليه تزداد يومًا بعد يوم، لذلك فلا يبعد ما فعله حزب الله في لبنان عن ما تفعله الميليشيات الشيعية في العراق، ولا يبعد كل هذا عن مشاريع إيران النووية، لذلك ليسمن المستغرب ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية من أن إيران تسعى إلى صفقة نووية لتهدئة الوضع اللبناني .
- القول بأن هناك مشروعين في المنطقة، أمر لا يختلف عليه أحد، ولكن أي مشروعين هما، يتفق الجميع على أن أحد هذين المشروعين هو المشروع الأمريكي الصهيوني، والمشروع الثاني هو المشروع الإيراني الشيعي، وهناك مشروع ثالث تضع في وجهه العراقيل هو مشروع المقاومة السنية، أما الزعم بأن حزب الله ينتمي لهذاالمشروع المقاوم فهو زعم خاطئ، فلا خلاف أن حزب الله تابع لإيران، ولا شك أيضًا أن إيران ساندت المشروع الأمريكي في العراق وأفغانستان، ولا غضاضة عند هذا المشروع الإيراني من الاعتراف بإسرائيل ومساعدتها إذا كان ذلك يصب في مصلحته، كما أكد ذلك كثير من الوقائع والشواهد .
ماذا يريد نصرالله ؟:
مثلما كان الحال في حرب تموز 2006، أعلن نصر الله مرة جديدة تغيير قواعد اللعبة ولكن هذه المرة ليس مع إسرائيل، هذه المرة تغيير قواعد اللعبة داخل بيروت، حيث أعلن نصر الله أن مرحلة جديدة ستعلن في لبنان وفي الحقيقة لن نستطيع أننعتبر هذا تغييرًا لقواعد اللعبة، ولكن ما يجري هو خطوة فيما يريده حزب الله من السيطرة على بيروت .
لقد تحدث نصر الله عن ( مرحلة جديدة بالكامل ) وكأن الأزمة بدأت قبل أيام بقرارات مجلس الوزراء وليس قبل أكثر من سنة بانسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة، وكرر القول : إن حزب الله لا يريد التنافس على سلطة ولا على حكومة، وكأنَّ مطلب (الثلث المعطل) لم يكن من الحواجز على طريق التسوية .

في أغسطس 2006، وفي الأسبوع الأخير لعدوان "إسرائيل" على لبنان، كشف "نصر الله" ما يريده من لبنان، حيث قال في حديث أدلى به لمطبوعة إيرانية اسمها "رسالة الحسين": "إن رغبة حزب الله هي إقامة جمهورية إسلامية يومًا ما، لأن حزب الله يعتقد أن إقامة حكومة إسلامية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار للمجتمع، وهي الطريق الوحيد لتسوية الخلافات الاجتماعية، حتى في مجتمع متكون من أقليات متعددة".
وبالتأكيد فإن هذه الحكومة الإسلامية هي حكومة على المذهب الجعفري تدين بالولاء لطهران كما يدين حزب الله ويقول حسن نصر الله: " إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه،كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا "(مجلةالمقاومة، العدد 27: 15-16) .
وحزب الله لا يخفي إيمانه بولاية الفقيه،ولا ينكر وجوب الطاعة لهذا الفقيه، وهو الفقيه الإيراني بلا شك، يقول "نعيم قاسم" نائب الأمين العام لحزب الله في كتاب "حزب الله المنهج .. التجربة .. المستقبل" والصادر عام 2002م: "وهو (الولي الفقيه) الذي يملك صلاحية قرار الحرب أو السلم"،غير أنه يفصل في آلية تنفيذ هذه الصلاحية فيقول: "ولا يمكن تنفيذ هذه المهام بمباشرته الشخصية للتفاصيل كافة، وهذا ما يستدعي تفويض الصلاحيات لأفراد أو جهات،وتعيين الأفراد ومهماتهم في الدوائر العامة الكبرى والأساسية، وإمضاء الاقتراحات أوالنشاطات أو الاختيارات التي تنسجم مع الإسلام وفقًا لتشخيصه" (الولي الفقيه).
وعن تبعية حزب الله لإيران في ذلك الأمر، يقول نعيم قاسم في ص 57: "وقد حقق وجود وتوجيه الولي الفقيه المتمثل بالإمام الخميني ومنبعده بالإمام خامنئي النموذج التطبيقي لإرادة الجهاد بطريقة واقعية وعملية وفاعلة " ، ويقول أيضًا في كتابه في ص 75: " فإذا واجهت قيادة الحزب قضايا كبرى تشكل منعطفًا في الأداء أو تؤثر على قاعدة من قواعد العمل ... عندها تبادر إلى السؤال أو أخذ الإذن لإضفاء الشرعية على الفعل أو عدمه " .
وفي سبيل تحقيق "حزب الله" لأهدافه تلك ، كان مطلبه بالثلث المعطل، وهو التطبيق العملي لمبدأ " المثالثة " الذي طرحته إيران بدل المناصفة لحكم لبنان وفق صيغة جديدة بديلة عن اتفاق الطائف أو الدستور الجديد للبنان الذي أقرّ عام .1989
فإيران ومن ورائها حزب الله يرون أن اتفاق الطائف قد انتهى ويجب العمل على وفق أسس جديدة ، يقول المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله في مقابلة مع مجلة الحوادث 1/8/2003: "مشكلة اتفاق الطائف أنه لم ينطلق من العمق، لكنه انطلق من السطح، كان مجرد فرصة اضطرارية لوقف الحرب، فهو وسيلة للهدنة، ولم يكن وسيلة للسلام".
والخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف تكون بانتخاب رئيس توافقي منزوع القوى والسلطات مثلما كان حال الجيش اللبناني في الأزمة الأخيرة مهمته فقط الانتشار في الطرقات ويتحاشى الصدام مع حزب الله لأنه أقوى منه ثم تكون الخطوة الثانية أن يتولى الحكومة رئيس وزراء سني إما ضعيف الشخصية، أو أنه مؤيد لحزب الله، وإذا كان مجلس النواب في يد رئيس شيعي، فماذا يبقى من لبنان إذن سوى بعض المناصب الشكلية توزع على السنة والموارنة، وإذا لم يرضوا بهذا الحال يكون الجزاء احتلال بيروت مثلما فعل حزب الله في الأيام الماضية .
ليست فتنة مذهبية ؟ :
حاول "حسن نصر الله" ومن معه من قيادات الشيعة النفي بأن تكون حربه الأخيرة موجهة ضد السنة،وذلك على الرغم من أن "حزب الله" لم يهاجم سوى مكاتب تيار المستقبل "السني"، ولم يحتل سوى "بيروت الغربية" السنية.
بل الوقائع على الأرض يعيد للأذهان ما يفعله جيش المهدي في العراق، ويقول شهود العيان إن أعضاء شيعة في لجان الأمن الأهلية قامت بإيقاف السيارات وطلبت ممن فيها إبراز هوياتهم الشخصية ليتثبتوا من الطائفة التيينتمي إليها السائق ويقول "محمد زين الدين" إنه كان عائدًا من ضاحية مسيحية عندما تم إيقافه في منطقة مختلطة على يد موالين لحركة أمل في ملابس مدنية ومسدسات مثبتة في ستراتهم، وطلب الرجال بطاقة هويته، وقال: لقد وجدوا أنني شيعي، وقالوا ليإن باستطاعتي متابعة السير" ، وهكذا يحذو حزب الله حذو تلميذه النجيب "جيش المهدي" في العراق.
كيف نستمع لنصر الله ؟:
تبقى نقطة أخيرة، تخص الطيبين من أهل السنة في أنحاء العالم الإسلامي ، والذين خدعهم "نصر الله" بلسانه، وخدعهم "حزب الله" بحروبه، كيف نستمع له وهو يتكلم ويفصل ويعيد ويزيد ؟.
لا نستطيع أن ننكر أن حسن نصر الله قد أوتي قدرة خطابية تسلب أحيانًا من يستمع وإن لم يكن منتبهًا لصدق ما يقوله من كلام، فكيف نسمع ونفهم كلام حسن نصر الله ؟.
يقول البعض إن حسن نصر الله يلجأ إلى التقية في خطابه، وقد يكون ذلك حقًا، ولكن الأمر ليس كذلك فحسب، الأمر أعمق من ذلك، الأمر يكمن في عبارة قالها نصر الله في خطابه الأخير حيث قال: "لن نقتل بعد اليوم في الطرقات"، هذه العبارة تجعلنا نتساءل متى قتل شيعة لبنان في الطرقات ؟ ، التاريخ المعاصر لا يذكر أنهم في يوم كانوا ضحايا في الداخل اللبناني، بل على العكس من ذلك في الحرب الأهلية السابقة كانوا هم الجناة وكانوا هم من اقترفوا مذابح صابرا وشاتيلا ؟.
متى قتل الشيعة في الطرقات إذن؟ ، إن هذه العبارة تكشف الرؤية الإدراكية والذاكرة الجماعية التي ينشأ عليها الشيعي، فالشيعي منذ صغره وهو يرى نفسه مظلومًا محرومًا، منذ صغره وهو يربى على أن إمامه الأول أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه سرقت منه الخلافة، وإمامه الثالث الحسين بن علي قتل مظلومًا،وهكذا تستمر قصة المظلومية والمحرومية .
فلذلك ترى الطائفة الشيعية نفسها في أي مكان، مهما أوتيت من قوة ونفوذ، هي الطائفة المظلومة والمحرومة، وفي الأحداث الأخيرة كررت هذه المعاني كثيرًا، ولقد قالها "عبد الأمير قبلان" رئيس المجلس الشيعي الأعلى الذي اعتبر أن إقالة مدير أمن المطار هو استمرار للظلم الذي تتعرض له الطائفة الشيعية، وكرر حسن نصر الله هذا المعنى كثيرًا في خطابه .
بهذه الرؤية الإدراكية يرى الشيعة من حولهم، وبهذه الرؤية الإدراكية تنشأ الطائفية، فيصبح الشيعة مهما حصدوا من مناصب يشعرون أنهم مظلومون محرومون، ولا ينتهي ظلمهم، في زعمهم، سوى بالاستيلاء على السلطة، مثلما جرى في العراق .
فإذا أردت أن تسمع لحسن نصر الله وإذا أردت أن تفهم تصرفات حزب الله، فضع في حسابك تلك الرؤية الإدراكية التي يعيش بها الشيعة، رؤية الطائفة المظلومة، وتلك الرؤية لاتختلف كثيرًا عن الرؤية التي يعيش وينشأ عليها الأقباط في مصر، ويستطيع من يقارن أن يجد تشابهًا في الكلمات والعبارات بين الفريقين، وهكذا كل فرقة تظن نفسها مظلومة وإن كانت في الحقيقة هي الظالمة .
بهذه الرؤية الإدراكية وبتلك الأساطير أنشأت الصهيونية "إسرائيل" حيث أشاعت الأكاذيب عن ضحايا الهولوكست وضحايا التشريد والاضطهاد، وعلى نهج هذه الأساطير يسير "حزب الله" والمشروع الشيعي الصفوي، فهل ينتبه المسلمون .
مفكرة الإسلام

عاصفة الغلاء



لم يبقَ مواطن في معظم أقطار العالم الإسلامي تقريبًا إلا ويعاني من مشكلة الغلاء، فهو لم يضرب بلدًا بعينه إنما ضرب معظم البلدان، وتأثر به الجميع تقريبًا، وانطلق المفكرون والمحللون، وكذلك المسئولون الحكوميون يتكلمون عن الأسباب المنطقية لهذا الغلاء، ووسائل العلاج المقترحة .
ويُكثر المسئولون الحكوميون من مقولة: إن الغلاء مشكلة عالمية وليست محلية، وإن التغيرات الهائلة في اقتصاديات كثير من الدول الكبرى أدَّت إلى هذه الكارثة. وهذا - لا شك - يمثِّل أحد العوامل في المشكلة، وخاصةً أن بعض الدول الرأسمالية كأمريكا وغرب أوربا تستفيد كثيرًا من رفع الأسعار، بل إنها أحيانًا تسعى إلى إلقاء بعض محاصيلها في البحر لكي تحافظ على السعر المرتفع للمنتج ! .
نقول: نعم إن هذا هو أحد الأسباب، لكننا نقول في نفس الوقت: إنه أقل الأسباب أهمية؛ حيث إن الدولة صاحبة الاقتصاد القوي، والإنتاج الغزير، والتنمية الحقيقية ستصمد حتمًا أمام هذه التغيرات هنا وهناك، بدليل أننا لا نجد معاناة في الدول الغربية برغم ارتفاع الأسعار؛ وذلك لقوة الاقتصاد، وتوفُّر الحد الأدنى من المعيشة الكريمة لمعظم المواطنين وعلى ذلك فعلى المسئولين الحكوميين أن يبحثوا عن أسباب أخرى لمثل هذه المشكلة الكارثية .
ولعلَّ من أبرز الأسباب التي نراها وراء هذا الغلاء البشع هو أن مقدرات العالم الإسلامي - في معظمه - منهوبة ومسروقة، والذي نهبها وسرقها ليس الاحتلال الغربي أو الرأسمالية العالمية، إنما هم في الأساس المسئولون المكلَّفون بحمايتها من النهب والسرقة! أي كما يقول المثل المصري الشهير "حاميها حراميها". وأحيانًا يكون النهب والسرقة بالقانون ودون مخالفات تستوجب الملاحقة! ومن أبرز أمثلة ذلك الأجور المبالغ فيها لكثير من المسئولين .
فالمفترض في كل مؤسسات العالم "المحترم" أن راتب أعلى سلطة في المؤسسة لا يجب أن يزيد على خمسة عشر ضعفًا لراتب أصغر موظف في الشركة، وأن وجود فوارق أكبر من هذا أمرٌ يرسخ الطبقية الشديدة في المجتمع، والتي قد تؤدِّي بالتبعية إلى عدم استقراره؛ فإذا نظرنا إلى العالم الإسلامي فإننا نجد أن راتب أعلى سلطة في معظم المؤسسات قد يزيد على راتب أصغر موظف بأكثر من ألف ضعف!! وهذه النسبة ليست مبالغة مني، بل هي واقع مرير تعيشه الأمة الإسلامية؛ فالكثير من المسئولين في العالم الإسلامي يتقاضون راتبًا شهريًّا يتجاوز الخمسين ألف دولار (دون مبالغة)، وهو راتب أعلى من رواتب معظم المسئولين في أكبر دول العالم ! .
هذا غير المخصصات لكل مسئول من سيارات وسفريات وعلاج على حساب الدولة وأراضٍ وحفلات وترفيه وهدايا وجوائز وغير ذلك، وأمثلة النهب بالقانون كثيرة ولا يتسع المجال لذكرها ، ثم هناك النهب والسرقة من وراء القانون .
ترى ما الفارق بين النهب والسرقة ؟! .
النهب هو الاستيلاء على أموال الغير وأملاكهم في وضح النهار ودون خفاء (عيني عينك!)، وذلك مثل الإتاوات التي تُفرَض على سائقي الميكروباص والنقل والتاكسي، ومثل إتاوات استخراج تراخيص البناء والكهرباء والتعلية للأدوار، ومثل إتاوات القبول في بعض الكليات العسكرية، ومثل إتاوات التعيين في بعض المناصب المرموقة، أو الترشيح في الانتخابات، وغير ذلك من صور .
وهذا النهب هو ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحذر كل مسئول من هذا السلوك المشين حين قال: " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِن ". رواه البخاري .
أي ينهب شيئًا أمام الناس، وهم يرفعون أبصارهم يشاهدونه، ولكنهم لا يقدرون على منعه لتسلُّطه وتجبره .
وأمَّا السرقة فهي السيطرة على مقدرات الشعب والأموال العامة من وراء الستار، مثل عمليات الاختلاس والرشوة والتلاعب بميزانيات المشروعات الكبرى، ولن تجد صحيفة يومية في بلاد الإسلام إلا وترى فيها خبرًا عن هروب مسئول بأموال الشعب، وذلك كل يوم ! ، وهذا الفساد الرهيب في معظم بلاد العالم الإسلامي يبتلع أي زيادة في الإنتاج، ويضيِّع كل فرصة للخروج من الأزمة .
لكن لا بد من الوقفة والتساؤل ؟! ، لماذا ابتليت الأمة الإسلامية بهذا الفساد المنظم؟ حتى قال بعضهم: إننا يجب أن نكفَّ الحديث عن فساد الإدارة، ولنبدأ في الكلام عن إدارة الفساد!! بمعنى أن الفساد أصبح أمرًا واقعًا لا مفرَّ منه، فلنبحث عن طريقة لإدارته وتقنينه ! .
إنه من الواضح أن الأمة الإسلامية وقعت في خطأ فادح قاد إلى حدوث هذا الفساد المنظم، ولا بد أن هذا الخطأ متكرر وثابت بشكل جعل الفساد متكررًا، وثابتًا أيضًا وفي رؤيتي أن هذا الخطأ الفادح هو البعد عن الدين ! .
وبدايةً وقبل التحليل فإنني أقول للقراء: إنني لست درويشًا يطلب من الناس أن يكتفوا بحلقة ذكر، أو قيام ركعتين ثم تنفرج الأزمة بإذن الله ! لأنني أعلم أن هذا مخالف لسنة الله في التغيير، فمع أهمية الذكر والصلاة وعظمتهما إلا أنه لا بد أن يصاحبهما عمل كثير.
إن الدين الإسلامي دين شامل متكامل لا يصلح أن تأخذ منه وتترك، بل علينا أن نقبله كاملاً، وعندها يُخرِجنا من كل أزماتنا.
إن الدين الإسلامي يأمرنا أن نتقن أعمالنا، وأن نتفوق في كل مجال، فإذا بنا نطالع الإحصائيات التي تقول إن المسلمين لا يعملون أكثر من نصف ساعة يوميًّا في المتوسط إذا حسبنا الإجازات والاستثناءات، وتضييع الأوقات، والعمالة الزائدة، والبطالة المقنعة وغير المقنعة، وتمثيلية الحضور والانصراف.
والدين الإسلامي يأمرنا بأداء الزكاة، فإذا بنا نشاهد أنها لا تُجمَع ولا يُكتَرَث بها، وهذا يؤدي إلى كوارث لا حدَّ لها، ليس فقط على المستوى الاقتصادي بل على المستوى الاجتماعي والأمني كذلك؛ بسبب ترسخ الكراهية بين الأغنياء والفقراء. وما أروع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حين علَّل مشكلة الغلاء قائلاً: "إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم قدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إلا إذا جاعوا وعروا مما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله محاسبهم يوم القيامة حسابًا شديدًا، ومعذبهم عذابًا نُكرًا". رواه الطبراني وضعفه الألباني .
والدين الإسلامي يأمرنا بتجنُّب الربا؛ لأنه يزيد الغنيَّ غنىً، ويزيد الفقير فقرًا، وفيه ظلم فادح للمحتاجين، وقد بلغ تحريم الربا في الإسلام درجة عظيمة حتى عدَّه ربُّنا محاربة له ولرسوله صلى الله عليه وسلَّم ، فلقد قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " (البقرة: 278، 279).
والدين الإسلامي يأمرنا بالمساواة أمام القضاء بين جميع الناس، فلا غني ولا فقير، ولا حاكم ولا محكوم، ولا مسلم ولا غير مسلم، إنما الحق هو الذي يجب أن يُتَّبَع، وإن لم يحدث هذا فلا بد أن نتوقع الهَلَكَة فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " متفق عليه .
ونحن نشاهد التباين العجيب في قرارات القضاء في بلاد العالم الإسلامي، وما أغرب المفارقة حين صدر حكم بالسجن عدَّة أعوام على من يطالب بالإصلاح في نفس اليوم الذي صدر فيه حكم بالبراءة على من يتعامل في الدم الفاسد !! .
إن أمثلة البعد عن الدين لا تُحصَى في مقال واحد، ولن يُصلِح الله عز وجل حال أمة تثور فقط من أجل لقمة العيش ، ولا تحرِّك ساكنًا عند تغييب شرع الله .
إن الله عز وجل يربط بشكل واضح البركة في الرزق وانخفاض الأسعار بطاعته واتباع أوامره سبحانه، فيقول في سورة الأعراف: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (الأعراف: 96).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسُ خِصَالٍ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ - وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ -: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " . رواه ابن ماجة وحسنه الألباني .
إنه في هذه الحالة الإيمانية المتردية لا نستغرب أن يحدث الغلاء، وأن ترتفع الأسعار، وسوف تتعدد أسباب ذلك أمام أعيننا، فيكون تارةً تسلُّط حاكم ظالم، وتارة أخرى شيوع الفساد في المسئولين، وتارة ثالثة في احتلال أجنبي، ورابعة في رأسمالية جشعة، وخامسة في زلزال أو جراد، وسادسة في غير ذلك من صور الإهلاك.
إن الأسباب قد تتعدَّد أمام أعيننا، لكن يبقى السبب الرئيسي للأزمة هو بُعدنا عن خالقنا ورازقنا، ومن ثَمَّ يبقى الحل الأول للخروج من الأزمة هو العودة غير المشروطة إليه، وعندها لن تنصلح دنيانا فقط، بل آخرتنا كذلك .
ونسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين .
هذه المقالة للدكتور راغب السرجاني