الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

قصة أبطال من المسلمين ( 2 )

وصلنا إلى أن هولاكو أرسل رسالة شديدة اللهجة إلى قطز وكان يريد منه أن يستلم ويسلمه مصر ومن فيها .


ولكن قطز لم يهتم بكلمة واحدة من هذه الرسالة وفي هذا الوقت اضطر هولاكو أن يترك بلاد الشام ويتجه إلى بلاده بمفرده وذلك لموت أخيه مانكو الذي كان يرأس دولة التتار في ذلك الوقت وترك هولاكو قائد جيشه كتبغا على زعامة جيش التتار وخرج قطز رحمه الله من مصر وقد تجاوز جيشه مئة ألف مقاتل وسار على ساحل البحر الأبيض المتوسط مرورا بالعريش حتى وصل إلى مشارف فلسطين وخرج من القاهرة في الخامس من شعبان سنة 658هـ وكان هذا موافقا لشهر أغسطس سنة 1260م أي حر شديد والمرور في سيناء صعب ولكنها زيادة في الابتلاء لتنقية الصف المسلم .


جعل قطز على مقدمة جيشه الظاهر بيبرس بعد أن جاءه من بلاد الشام فقد كان الظاهر بيبرس هاربا إلى الشام وأرسل له قطز وقربه إليه وجعله على مقدمة الجيش لبراعته في القتال وعلى عكس ما كان معروفا في هذا الزمن جعل قطز مقدمة الجيش كبيرة جدا وكان له هدف في هذا الأمر فقد أراد قطز أن يفهم التتار أن مقدمة الجيش هي كل جيش المسلمين وأنه ليس من ورائها جيش آخر والتقت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس بحامية التتار في غزة وقاتلتها بشدة وانتصر عليها ونسأل الله عز وجل أن يحرر غزة وفلسطين من اليهود ....آمين .


فرَّ ما بقي من الحامية التترية إلى الشمال يحملون الأخبار إلى كتبغا أن جيش المسلمين بمصر قد جاء إلى فلسطين واعتقد التتار أن جيش المسلمين ما هو إلا مقدمة الظاهر بيبرس رحمه الله وحرص قطز رحمه الله على هذا المعنى فكان يتخفى في سيره حتى لا يظهر جيشه بينما يظهر عن عمد جيش الظاهر بيبرس حتى تعلم العيون المراقبة أن هذا هو الجيش فقط ثم مر قطز في طريقه على عكا وكانت في ذلك الوقت إمارة تحت حكم الصليبيين فقرر قطز رحمه الله أن يقيم معهم معاهدة حتى يمر من حول الحصون دون أن يتعرض لحرب صليبية لكن في ذات الوقت هددهم تهديدا شديدا أنهم لو خالفوا ترك التتار وعاد لحربهم أما إن كانوا على العهد لن يمسهم بسوء .


فالرؤيا واضحة جدا عند قطز فهو يعلم أن العدو الرئيسي هو التتار ولا يريد الخوض في معارك جانبية ويعلم أن عكا مدينة عظيمة جدا ولو فرغ وقته وجهده لفتحها ما استطاع أن يحارب التتار ولما أشار عليه أحد أمراءه أن يباغت عكا بعد العهد لأن بها ضعفا عن كل وقت سابق قال له قطز إنه لا يخون العهود فهذه قيادة إسلامية على منهاج النبوة .


والظاهر بيبرس يراوغ التتار حتى يخفي مكان جيش قطز ويقفز من مكان إلى مكان ومن مدينة إلى مدينة ثم وصل المسلمون إلى مكان اختاروه لتكون فيه المعركة وسجل المسلمون نقطة كبيرة لصالحهم بالسبق إلى مكان القتال وامتلاك عنصر المفاجأة وقد اختار قطز سهلا واسعا بين تلال كثيرة وهذا السهل هو سهل عين جالوت على بعد 65 كيلو متر فقط من موقع حطين وكأن الله عز وجل أراد أن يعظم أكثر وأكثر من قدر فلسطين حتى تدور فوق أراضيها المعارك الخالدة في تاريخ المسلمين مثل معركة أجنادين واليرموك وحطين ثم عين جالوت نسأل الله عز وجل أن يمن علينا بانتصار مجيد على أرضها ضد اليهود ...آمين .


وضع قطز مقدمة جيشه الذي على رأسها الظاهر بيبرس في وسط السهل ثم أخفى كل جيشه خلف التلال المحيطة بهذا السهل وانتظر قدوم التتار .


جاء التتار بغرور تسبقهم سمعتهم المرعبة ولكن الله عز وجل ثبت قلب قطز ومن معه من أبطال المسلمين ووصل كتبغا إلى سهل عين جالوت في 25 رمضان سنة 658هـ الموافق 6 سبتمبر سنة 1260م فهذا تاريخ من أعظم التواريخ في حياة المسلمين .


وقرر كتبغا أن يدخل المعركة مباشرة وكان من سعادة المسلمين أن يقاتلوا في هذا الشهر الكريم ليستعيدوا ذكريات بدر وفتح مكة وفتح الأندلس ودخل كتبغا وهو يعتقد أن قوة المسلمين هي الظاهر بيبرس ومن معه فقط فلم يأخذ حذره بل اندفع بكل جيشه ولم يأخذ حذره وهذا تدبير رب العالمين الذي أعمى عيون كتبغا عن رؤية جيش قطز .


تلقى الظاهر بيبرس رحمه الله هو ومن معه الضربة الأولى من جيش التتار بشجاعة بالغة وصبر هو ومن معه أمام جحافل التتار وتناثرت أشلاء المسلمين على أرض عين جالوت وسالت الدماء وسقط الشهداء من المسلمين ولكن ما فر رجل واحد منهم ثم تظاهر الظاهر بيبرس رحمه الله بالانسحاب إلى داخل السهل حتى يستدرج كتبغا ومن معه من التتار وقد حدث له ما أراد ودخل التتار في الفخ الإسلامي .


أشار قطز رحمه الله بإشارة النزول لقواته المختبئة خلف التلال فأحاطت بقوات التتار الهائلة إحاطة السوار بالمعصم ودارت موقعة من أشرس المواقع في تاريخ المسلمين بل من أشرس المواقع في العالم وثبت المسلمون ثباتا هائلا ولكن التتار ما لبسوا أن تداركوا أنفسهم وبدأوا يحاربون في منتهى العنف وأظهروا مهارتهم وبراعتهم في القتال وحدث تردد في جيش المسلمين وبدأت جيوش المسلمين تعود إلى الوراء .


لاحظ كل هذا البطل المظفر قطز رحمه الله فقام في شجاعة نادرة وألقى بخوذته في الأرض تعبيرا عن الاشتياق للشهادة وطلبا للموت وأطلق صيحته الخالدة واإسلاماااااااه واإسلامااااااااه يلخص بها أسباب النصر فلن ينصر هذا الدين إلا من أدرك أن دينه أغلى من أهله وماله وكل حياته .


انطلق قطز بنفسه يقاتل ويصارع ويطعن هذا ويضرب هذا وهو الأمير على كل هؤلاء المسلمين وقام الأمير جمال الدين آقوش الشمسي بحملة صادقة على جيش التتر فوجد أمامه كتبغا زعيم التتار فحمل عليه حمله صادقة وضربه بسيفه ضربة فسقط كتبغا صريعا في دمائه وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وأسر ابن كتبغا ودب الرعب في قلوب التتار ودارت الدائرة على أهل الشرك وانسحب التتار بسرعة إلى مكان بعيد عن مكان الموقعة ثم عادوا من جديد يرتبون قواتهم قرب أحد المدن القريبة من هذا السهل وانطلق ورائهم قطز بجيشه وكانت موقعة جديدة أشد من الأولى فهي بالنسبة للتتار الحياة أو الموت ولكنها بالنسبة للمسلمين النصر أو الشهادة .


وزلزل المسلمون زلزالا شديدا وقاتل التتار قتالا مريرا ولكن قطز عاد من جديد يصيح الصيحة الخالدة واإسلاماااااااه واإسلامااااااااه واإسلامااااااااه قالها ثلاث مرات ثم قال يا الله انصر عبدك قطز على التتار وتنزلت الرحمات على الجيش المؤمن واللاعنات على الجيش الكافر وقاتل قطز قتالا عنيفا حتى قتل فرسه فقاتل وهو يمشي على الأرض حتى أعطاه أحد جنوده فرسا فركبه واستمر في القتال وانكسر جيش التتار كسرة لا قيام بعدها في أرض الشام وانطلق المسلمون نحو التتار فريقا يقتلون ويأسرون فريقا وأورث الله عز وجل سلاح التتار وأموالهم وفني جيش التتار بأكمله في موقعة عين جالوت ولم يفلت منهم إلا الشريد .

وانطلق الظاهر بيبرس رحمه الله يتابع الفارين إلى الشمال ونزل البطل المغوار التقي الورع قطز من على فرسه ومرغ وجهه في الأرض وقبلها وسجد لله شكرا فقائد كهذا لابد أن يُنصر وجيش كهذا لابد أن ينصر فهذه قواعد ليس فيها لبس ولا غموض .


وصلت أخبار النصر العظيم إلى أطراف الشام وانقلب المسلمون على الحاميات التترية وقد زالت الرهبة من قلوبهم وانتصر المسلمون على أنفسهم قبل أن ينتصروا على التتار وواصل القائد المظفر قطز تقدمه لتطهير أرض الشام من نجس التتار ثم دخل دمشق في يوم 30 من رمضان في سنة 658هـ بعد خمسة أيام فقط من موقعة عين جالوت وقضى يوم العيد هناك وكان العيد عيدين عيد الفطر وعيد النصر والعزة والتمكين والإعلاء لدين الله عز وجل والنصر لجند الله عز وجل وفي غضون أسابيع قليلة طهر المسلمون كل بلاد الشام من التتار وواصل الظاهر بيبرس حملاته في الشمال حتى طهر حلب منهم واستتب الأمن في بلاد الشام وأعلن السلطان المظفر قطز رحمه الله توحيد الشام ومصر تحت راية واحدة .


موقعة عين جالوت من أهم المواقع في تاريخ الأرض وليس فقط في تاريخ المسلمين وكان للموقعة آثار لا تحصى ولا تعد فقد أدرك جميع المسلمين أن النصر من عند الله عز وجل وأن موالاة الكافرين لا يجر على المسلمين إلا الويلات وقتل المسلمون الهزيمة النفسية وسقط حاجز الخوف من التتار وغيرهم ( يا رب يسقط الحاجز معنا أيضا ) وفنيت القوة العسكرية التترية تماما في بلاد الشام وغيرها وقامت دولة المماليك قياما قويا وحملت على عاتقها صد الهجمات التترية بعد ذلك كما قامت بتحرير الشام من الممالك الصليبية ثم واجهت الاستعمار الصليبي البرتغالي بعد ذلك وظلت تحمي بلاد المسلمين مائتي وسبعين سنة كاملة وعادت الهيبة لبلاد المسلمين ولأمة الإسلام بعد غياب سنوات طوال ولكن الأعجب من ذلك كله أن التتار بدأوا يدخلون في دين الله عز وجل وهي من المرات القليلة أو الوحيدة التي يدخل فيها الغزاة في دين من يغزون فسبحان الله .


وقفة مع أسباب النصر في موقعة عين جالوت

1- الإيمان أن النصر من عند الله عز وجل وليس من عند غيره .


2- التربية الإسلامية للشعب على حب الجهاد في سبيل الله .


3- الوحدة بين جيوش المسلمين والقتال تحت راية واحدة.


4- القدوة مثل القائد الذي ينزل في خندق الجنود فكان فعله أبلغ من ألف خطبة ومقال .


5- الإعداد الجيد للجيش والخطة واختيار المكان وإعداد السلاح وبذل المال وغير ذلك من أمور إعداد القوة .


6- عدم الاستعانة بالصليبيين أو غيرهم .


7- الشورى الحقيقية الواضحة في منهج قطز رحمه الله حين جمع الناس واستشارهم في أمر الجهاد وغير ذلك .


8- رفع الروح المعنوية للجيش والاهتمام بالجانب النفسي لهم .


9- نظافة اليد والبذل من المال وتولية الصالحين والإعراض عن المفسدين والمنافقين .


10- الشكر لله عز وجل والتواضع له وسنة الله عز وجل لئن شكرتم لأزيدنكم .


فتلك العشرة لو جمعها جيش لن يهزم قط إن شاء الله .


وتبقى في القصة مفاجأة هامة وهي أن قطز لم يبقى في كرسي الحكم إلا أحد عشر شهرا وسبعة عشر يوما فقط ولم يتم سنة ومات قطز بعد انتصار عين جالوت بخمسين يوما فقط ولكن قيمة الرجال لا تقاس بطول العمر ولا بكثرة المال ولا بأبهة السلطان إنما تقاس بالأعمال الخالدة التي تغير من وجه التاريخ وهي في ذات الوقت تدخل في ميزان الله عز وجل .


ويظن كثير من الناس أن زمن المعجزات قد انتهى ولكن أخطئوا فالله عز وجل ترك بين أيدينا معجزة لا تنتهي ولا تندثر تلك هي معجزة القرآن الكريم ومن أعظم معجزات القرآن صناعة الرجال فالقرآن هو الذي بث هذه الروح في الرجال من أمثال قطز وصلاح الدين ويوسف ابن تشفين وخالد بن الوليد وغيرهم من قادة المسلمين والقرآن مازال في أيدينا وسيبقى إلى يوم القيامة وسيخلق الله لهذه الأمة رجالا في كل زمن يجددون لها الدين ويبعثون في نفوس أبنائها الأمل ويقودونها إلى عز الدنيا ونعيم الآخرة ويحققون وعد الله عز وجل الذي سطره في كتابه حيث قال { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (55) سورة النــور .

انتهت قصة التتار وانتهت قصة عين جالوت ومات جنكيز خان وهولاكو لعنهم الله وكذلك قطز والظاهر بيبرس رحمهم الله ومات الجند الظالمون ومات الجند المؤمنون ومرت الأعوام والأعوام والقرون والقرون ولكن الذي بقي ولم ينتهي هو الدرس والعبرة فالذي بقي هو السنة الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (160) سورة آل عمران .

أيها الشاب الذي يريد أن يكون بطلا من أبطال المسلمين هل ترى أنك ستكون هكذا بغير صلاة ولا تقوى ولا هدى من الله؟ .

أيتها الفتاة التي تريدين أن تكوني أُما لبطل من أبطال الإسلام هل ترين أنك ستكونين أما له وأنت متبرجة ولا تسيرين على خطا أزواج النبي وبناته وخطا الصالحين من المسلمين؟ .

هذه المقالة تكاد تكون مأخوذة بالنص من أحد دروس الشيخ الدكتور راغب السرجاني


والله أسأل أن يجعل لنا في التاريخ عبرة وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد وجزاكم الله خير أن تابعتم هذه الرسالة .


أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحفني برأيك