ماذا تبقى في الجعبة العُروبية للقضية الفلسطينية ؟ .
عبر ستين عاماً مضت من عمر الجامعة العربية، التي تأسست على خلفية معالجة الأزمات العربية الكبرى؛ وفي مقدمتها قضية فلسطين؛ كان أداء تلك الجامعة مبنياً على رابطة بديلة، وهي رابطة العروبة؛ فبعد أن كانت رابطة الإسلام هي الرابطة الوحيدة الجامعة بين المسلمين: عربهم وعجمهم؛ ابتكر نفر من نصارى العرب ومنافقيهم، أمثال: جورج أنطونيوس وميشيل عفلق وقسطنطين زريق؛ وأمين الريحاني وساطع الحصري، رابطة (القومية العربية)، وطوَّروها لتكون هي الرابطة الجامعة بين الناطقين بالعربية في بلدان العرب، بغضِّ النظر عن مِلَلهم أو نِحَلهم.
وأصل فكرة (الجامعة العربية) بوصفها منظمة جاءت من غير العرب، بل من غير المسلمين، مثلها مثل فكرة (القومية العربية) ذاتها ابتكرها نصارى الغرب. فعقب الحرب العالمية الأولى وما تلاها من سقوط الخلافة العثمانية، وبعد هزيمة تركيا في تلك الحرب؛ بذرت بريطانيا - راعية الفتن في العالم الإسلامي - أُولى بذور تأسيس تلك الجامعة ذات الرابطة البديلة لرابطة الإسلام؛ لتقطع الطريق على كل محاولة لإعادة ( الجامعة الإسلامية ) أو الخلافة. وكانت البداية خطاباً ألقاه ( أنتوني إيدن ) وزير خارجية بريطانيا في 29 مايو 1941م، حثَّ فيه المتكلمين بالعربية بعد أن أطلق عليهم وصف ( العالم العربي ) على التجمع تحت لواء العروبة، بدلاً من التجمع تحت لواء الشريعة، وقال في خطابه: « إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي جرت عقب الحرب العالمية الماضية. إن كثيراً من مفكِّري العرب يرجون للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن، وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية، وكذلك السياسية بين البلاد العربية. وحكومة (صاحب الجلالة) سوف تبذل تأييدها التام لأيِّ خطة في ذلك الصدد »!!.
وبعد عامين من المساعي الداعية إلى إيجاد كيان تنظيمي يجمع العرب دون بقية المسلمين برعاية من بريطانيا الحقودة؛ أدلى رئيس وزرائها ( إيدن ) بتصريح أشبه بـ ( تصريح بلفور ) عن الوطن القومي لليهود، حيث قال في 24 فبراير 1943م: « إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى جمعهم في وحدة اقتصادية وثقافية وسياسية ».
وتلقَّف تلك الدعوة ذات الصفة العَلْمانية المستبعِدة للدِّين؛ دعاة الفكر الليبرالي ورعاته في مصر، حيث دعا الرمز الليبرالي ( مصطفى النحاس ) رئيس الوزراء المصري في العهد الملكي، عدداً من المسؤولين العرب؛ للتباحث حول فكرة (إيدن) ، فاستجاب له - ويبدو على تنسيق سابق - مسؤولان ( عربيان ) قوميان، هما: ( جميل مردم ) رئيس الوزراء السوري الأسبق، و( بشارة الخوري ) رئيس الكتلة الوطنية اللبنانية، وبحث ثلاثتهم في القاهرة فكرة عنوانها: «إنشاء جامعة عربية لتوثيق الصلات بين البلاد العربية المنضمَّة إليها».
بعد شهر تقريباً أعلنت الحكومة المصرية استعدادها لأخذ آراء الحكومات العربية في فكرة الجامعة العربية، وعقد مؤتمر لمناقشة الفكرة. وفي النهاية تجسدت تلك الفكرة، ووُلدت ( الجامعة العربية ) في السابع من أكتوبر عام 1944م، بعـد صـدور ( بـروتـوكـول ) خـاص بها، عُرف بـ (بروتوكول الإسكندرية).
لست معنيّاً الآن بتفاصيل ذلك البروتوكول الذي لم يُشَرْ فيه إلى الإسلام من قريب أو بعيد بوصفه العروة الأوثق بين الجمهور الأعظم من العرب قبل كل العُرى والروابط والجامعات، ولكن اللافت فيه أنه أدرج منذ وقت مبكر قضية فلسطين، عادّاً إياها مسؤولية العرب جميعاً، وهو ما أعطى لتلك القضية مكاناً بارزاً في كل نشاطات الجامعة العربية وقراراتها، فهل حقّاً كانت الجامعة العربية وفيَّة لفلسطين؟ أو بتعبير آخر: هل كانت القومية العربية قادرة على حمل قضية كبرى كقضية فلسطين؟ وهل تقدمت الجامعة القومية بتلك القضية، أم أخَّرتها وتأخرت بها ؟ .
ماذا قدَّمت القومية العربية لفلسطين ؟
الجامعة كانت على مدى أكثر من ستين عاماً هي الجهاز الرسمي المسؤول عن كل السياسات والتوجهات والفعاليات المعبرة عن فكر القومية العربية، وبالرغم من أن «الفكر القومي» لم يكن دستوراً نصيّاً لتلك الجامعة، ولا مذهباً فكريّاً لكل الأنظمة المنضوية تحتها؛ إلا أن (العروبة) كانت هي الراية الوحيدة المرفوعة والشعار الوحيد المعلن تحت سقف تلك الجامعة.
العجيب أن ركب المسيرة الثقيلة والهزيلة للقومية العربية خلال ما مضى من عقودها الطويلة؛ لا زال يكابر رغم شدة هزاله وكثرة هزائمه، فيحاول تجديد فكرة البائد ومتاعه الساقط، ويحاول أن يشدَّ تجاعيد وجهه الكئيب المشوب بألوان فاقعة وأصوات مفرقعة تحاول ترديد المزيد من نشيد: (أمجاد يا عرب أمجاد)، على لحن من القول، وعِوَج من العمل. فمؤخراً عُقد في سورية مهد الفكر القومي مؤتمر تحت عنوان: (تجديد الفكر القومي) تحت رعاية الرئيس السوري (بشار الأسد)، في الفترة من 15 – 19 أبريل 2008م، ومن الغريب أيضاً أن هذا المؤتمر قد جاء بعد آخر مؤتمر قمة عقد في دمشق، أطلق فيه الزعيم القومي العربي الوحدوي «سابقاً» معمر القذافي؛ ما يشبه المرثية البكائية على ظلال الأطلال العربية، حيث نعى للعالم القومية العربية في مؤتمر القمة العربي الذي عقد تحت شعار (التضامن العربي) !! ، أما مؤتمر (تجديد الفكر القومي) فقد حاول (بعث) قيادة شجاعة جديدة من جبَّانة القومية العربية المتهالكة، حيث جاء في توصيات مؤتمر (التجديد) هذا، الدعوة إلى الإشادة والمساندة للقيادة السورية الساعية لتحقيق «التضامن العربي» بروح عالية، حيث تُوجِب مسؤولية القوميين العرب ذلك؛ لأنه «بغير ذلك سيكون مصيرنا إلى المزيد من التشتت والتمزق»! ونسي المؤتمرون أو تناسوا أن العصفور الجديد يجيد التغريد ولكن خارج السرب العربي !!.
فلسطين.. والقمم القومية:
احتفى الفكر القومي بفلسطين كثيراً، فلا تكاد ترى رمزاً فكريّاً من رموز القومية، ولا زعيماً سياسيّاً من زعمائها، إلا وللقضية الفلسطينية في خطابه أعلى صوت وأكبر حضور، مع أن لهؤلاء الزعماء الفكريين والسياسيين الفضل المشؤوم في عزل قضية فلسطين عن بُعْدِها الإسلامي الأصيل؛ بالبُعْد العروبي البديل.
لن أتحدث هنا عن تنظيرات فكرية، ولا سفسطات شعوبية، سوَّد بها هؤلاء طباق الأرض ورقاً، ولكن سأكتفي بالخلاصات «العملية» التي قدَّمتها الزعامات العربية لقضية فلسطين تحت راية وشعار ( القومية العربية ).
ولما كانت مؤتمرات القمة التي تعقدها الجامعة العربية بصفة دورية ( عادية أو طارئة ) هي أصدق تمثيل وتسجيل للمواقف الفعلية للعرب من قضية فلسطين؛ فسوف أستعرض تسلسل هذه المواقف وتتابعها فيما يتعلق بقضية فلسطين، لكني أرجو قبل متابعتها أن يلاحظ القارئ اتجاه الخط البياني النازل فيما يتعلق بالمواقف من النوازل التي تزداد قوتها وشدتها على أرض فلسطين، وأريده أن يراقب أين بدأ العرب في قضية فلسطين؟ ، وكيف ساروا؟ وإلى أيِّ شيء انتـهوا فـي مسـيرهم؟ وهـل لا يـزال لسيرهم هـدف أو غاية معقولة أو مقبولة، أو حتى مفهومة؟ وهل حقّاً صارت فلسطين عبئاً على العرب أو بعض العرب إلى درجة أن أحدهم اقترح تغيير حتى اسمها فجدد في آخر قمة عربية رسمية مقترحه بتغيير اسم فلسطين إلى ( إسراطين )، لتكون وطناً مشتركاً و ( ديمقراطيّاً ) بين الصهيونيين الغاصبين الصائلين، والفلسطينيين المجني عليهم والمظلومين؟!.
أريد أيضاً من القارئ أن يلاحظ معي كيـف أن تجـريد القضـية الفلسطيـنية من طبيعتها الإسلامية شيئاً فشيئاً قد جرَّدها أيضاً شيئاً فشيئاً من ثوابتها وحرماتها وحـدودها، حـتى صـارت قضـية بلا معـالـم وبلا ثـوابـت وبلا حرمات وبلا خطوط حمراء أو سوداء !! ، لقد بدأت القضية كبيرة، بل كانت (الكبرى) بين قضايا العرب، لكنهم ظلوا تحت رايات الفكر القومي العَلْماني يصغِّرونها ويجزِّئونها، حتى أصبحت معالمها لا تظهر إلا في تصورات من لم يزالوا محتفظين بصورة فلسطين التاريخية؛ مسرى الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ وفتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتحرير صلاح الدين رحمه الله.
وهذه أبرز اللقطات من فعاليات مؤتمرات القمة العربية، فيما يتعلق بقضية بيت المقدس ومسجده الأقصى وأرضه المباركة، التي اختصروها واختزلوها الآن في كلمة ( أزمة فلسطين )، علماً بأن مجلس الجامعة العربية قد عقد على مستوى القادة العرب منذ إنشاء الجامعة وحتى مؤتمر دمشق الأخير ثلاثين مؤتمراً؛ منها (19) مؤتمراً عاديّاً و (11) مؤتمراً غير عادي.
في مؤتمر القمة الأولى في أنشاص عام 1946م عقد ذلك المؤتمر بدعوة من ملك مصر السابق ( فاروق ) في قصر أنشاص، وحضرته سبع دول عربية، هي التي أسست الجامعة العربـية. وبالرغـم مـن أن حـرب النكـبة لـم تكن قد وقعت، ولا دولة اليهود قد قامت؛ إلا أن المؤتمر أدرج قضية فلسطين في أول قراراته التي نلاحظ فيها ذلك الفرق الشاسع بين شعارات الأمس وتنازلات اليوم:
فقد كان واضحاً أن قضية فلسطين كانت هي لُبُّ قرارات المؤتمر، حتى إنها استحوذت على ستة قرارات من ضمن تسعة قرارات خرج بها المؤتمر، وهي قرارات تعتبر «قضية فلسطين قلب القضايا العربية بوصفها قطراً لا ينفصل عن باقي الأقطار العربية» وتطالب بـ «ضرورة الوقوف أمام الصهيونية»، و «الدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية»، و «منع تسرُّب الأراضي العربية إلى أيدي الصهاينة»، و «العمل على استقلال فلسطين»، و «عدّ أي سياسة عدائية ضد فلسطين تأخذ بها حكومتا أمريكا وبريطانيا (سياسةً عدوانية) تجاه دول الجامعة العربية كافة»، وقرر المؤتمر «الدفاع عن كيان فلسطين في حالة الاعتداء عليه» و «مساعدة عرب فلسطين بالمال وبكل الوسائل الممكنة».
أما المؤتـمـر الـثانـي المـنعقد في بيروت عام 1956م - أي بعد حدوث نكبة فلسطين بثمانية أعوام - فقد جاء بعد أن توسع العدوان اليهودي ليشمل مصر في ذلك العام الذي وقع فيه اعتداء على الجيش المصري، شاركت فيه إنجلترا وفرنسا، لكن المؤتمر لم يُشِرْ في أيٍّ من قراراته إلى واجب العرب تجاه ما حدث في فلسطين.
وجاء المؤتمر الثالث للقمة العربية الذي عقد في القاهرة في 13 يناير 1964م في مقر الجامعة العربية في القــاهـرة؛ بـدعــوة مـن الرئيـس المصـري الأسبـق جـمـال عبد الناصر؛ لمواجهة مشكلة تحويل مجرى نهر الأردن، و«تصفية الخلافات العربية حتى يمكن دفع العدوان الصهيوني عن العرب»، وجاء في قرارات المؤتمر: «قيام الدولة الصهيونية خطر أساسي يجب دفعه: سياسيّاً واقتصاديّاً وإعلاميّاً»، وقرَّر المؤتمر: «إنشاء قيادة عربية ( موحدة ) لجيوش الدول العربية -... اللَّـه أكبر...!! - يبدأ تشكيلها في كنف الجامعة العربية في القاهرة»!! .
وقرَّر المؤتمرون: «إقامة قواعد سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني؛ لتمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره»، وكان هذا الإجراء بداية لتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية.
في العام نفسه عقد مؤتمر قمة آخر في 5 سبتمبر 1964م في مصر أيضاً، ولكن في مدينة الإسكندرية، وقد حضره أربعة عشر زعيماً عربيّاً، صدرت عنهم قرارات كبيرة - كالعادة في ذلك الوقت - بشأن فلسطين، منها: «إقرار خـطـة العمـل العـربـي (الجـمـاعي) لتـحرير فلسطين عاجلاً أو آجلاً»، و «دعم قرار منظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء (جيش التحرير) الفلسطيني»، و «مواجهة القوى المناوئة للعرب، وفي مقدمتها بريطانيا».
ولم ينسَ أعضاء المؤتمر الإشادة بالروابط الأخرى «البديلة» التي تجمع العرب بغيرهم من البشر؛ فأكَّد المؤتمر على «الإيمان بالتضامن الإفريقي الآسيوي، والاستبشار بنموِّ الوحدة الإفريقية»، وفي لهجة حاسمة تتناسب مع ذلك الزمان الثوري قرر المؤتمر: «تصفية القواعد الاستعمارية التي تهدد أمن المنطقة العربية» !!.
وفي 13 سبتمبر 1965م عقد في الدار البيضاء في المغرب المؤتمر الخامس من مؤتمرات القمة العربية، وقد شاركت فيه لأول مرة (منظمة التحرير الفلسطينية)، إضافة إلى 12 دولة عربية، لكن تونس قاطعت ذلك المؤتمر؛ للخلافات التي نشبت بين بورقيبة وعبد الناصر. وفيما يتعلق بفلسطين قرر ذلك المؤتمر: «دعم منظمة التحرير وجيشها، وإقرار الخطة العربية الموحدة للدفاع عن قضية فلسطين في المحافل الدولية»، وقد كان بين قرارات ذلك المؤتمر قرار لافت للنظر ينص على «التخلِّي عن سياسة القوة وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية».. ولا أدري من هو ذلك «الزعيم» الذي فرض على بقية الزعماء إيراد ذلك القرار الغريب، بعد سبعة عشر عاماً من احتلال غالبية فلسطين، وقبل عامين من حرب 67 التي أظهرت أن عدو العرب لم يتخلَّ لحظة عن «سياسة القوة» ولم يلجأ يوماً إلى حل المشكلات بـ «الطرق السلمية» ؟ .
أما عام 1967م الذي اشتهر بحرب الفضيحة العربية، التي خفَّف الثوريون وقعها بوصف «النكسة»، وكأن الهزيمة فيها كانت مثل نوبة برد سياسية، أو نزلة معوية دبلوماسية؛ فقد تنادى العرب لعقد تلك القمة في عاصمة السودان الخرطوم في 29 أغسطس 1967م، بعد الهزيمة بشهرين، وحضرت الدول العربية كلها ذلك المؤتمر، باستثناء سورية التي طالبت بالتخلِّي عن حروب الجيوش؛ لأن الجيوش العربية هزمت في تلك الحروب، واحتُلت القدس وسيناء والجولان وغزة، ونادت سورية بدلاً من ذلك بـ «شنِّ حرب تحرير شعبية ضد الدولة الصهيونية»!!.
أما القمة نفسها فقد صدرت عنها اللاءات الثلاثة الشهـيرة المتعـلقة بالتـعامل مـع العـدو الصـهيونـي، وهي: ( لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح) !!! ، وقد أكد المؤتمر لأجل تنفيذ هذه اللاءات على: «تأكيد التضامن العربي» و «الالتزام بميثاق التضامن العربي» ، ( أين هو..؟ ) ، من أجل «إزالة آثار العدوان على الأراضي الفلسطينية، والعمل على انسحاب القوات الصهيونية من الأراضي العربية»!! ، لكن المؤتمر ومن باب «تلطيف الجو» قرر: «استئناف ضخ البترول إلى الولايات المتحدة الأمريكية» التي أقامت جسراً جويّاً لدعم اليهود لاحتلال القدس وسيناء والجولان والضفة وغزة !! .
وجـاء المؤتـمـر السـابع الـذي عـقـد في الـرباط في 21 ديسمبر 1969م، والذي شاركت فيه 14 دولة عربية؛ بهدف: «وضع إستراتيجية عربية لمواجهة الدولة الصهيونية»، ولكن يبدو أن الهدف المعلَن كان أكبر من طاقة المؤتمر، لذلك انفضَّ سامروه قبل أن يصدر عنه أي قرار أو بيان ختامي!! .
وفي عام 1970م عقد في القاهرة مؤتمر (غير عادي) ليس لمواجهة اعتداءات جديدة على الدول العربية، ولا بسبب اغتصاب المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولكن بسبب مصيبة ما عرف في التاريخ العربي المعاصر بأحداث (أيلول " سبتمبر " الأسود) التي نشبت فيها معارك طاحنة بين الأردنيين والفلسطينيين على مرمى حجر من دولة الكيان اليهودي، وقد جاء ذلك المؤتمر بغرض اتخاذ الإجراءات اللازمة للإنهاء الفوري لجميع العمليات العسكرية بين القوات المسلَّحة الأردنية، وقوات المقاومة الفلسطينية، وقد طالب المؤتمر بإنهاء ذلك القتال فوراً، وسحب القوات الفلسطينية خارج عمان، وإطلاق الأسرى من الجانبين.
وفي عام 1973م وفي شهر نوفمبر منه عقد مؤتمر عربي بمناسبة نجاح عربية، وهي نصر أكتوبر، إلا أن دولتين عربيتين قاطعتا ذلك المؤتمر، هما العراق وليبيا، وهما الدولتان المؤسستان بعد ذلك لما سُمِّي بـ (جبهة الصمود والتصدي). لكن اللافت أن ذلك المؤتمر الذي جاء بعد ظهور إمكانية هزيمة الكيان الصهيوني إذا ما أخذ العرب بأسباب ذلك؛ كان أول مؤتمر عربي يتحدث فيه العرب عن ( السلام مع اليهود )، وهذا ما أصبح نغمة سائدة في كل المؤتمرات التالية، لكن مع فارق التدرُّج في الاقتراب من الصيغة الصهيونية لذلك السلام. وقد اشترط العرب في ذلك المؤتمر بشكل مبدئي على دولة الكيان الصهيوني أن تنسحب من «جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس»، ولم تذكر ذلك الاستثناء الذي اشتهر بعد ذلك وهو: «المحتلة عام 1967م»! وقد قرر المؤتمر: «تقديم جميع أنواع الدعم المالي والعسكري للجبهتين السورية والمصرية من أجل (استمرار) نضالهما ضد (العدو) الصهيوني»! وقد قرر المؤتمر أيضاً «استمرار استخدام سلاح النفط العربي»، وإرسال تقدير إلى جميع الدول الإفريقية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة الصهيونية»!!.
بعد الحرب بعام وفي 26 أكتوبر 1974م عقد مؤتمر القمة العاشر، وفيه بدأت عبارة ( الأراضي العربية المحتلة عام 1967م ) تأخذ طريقها إلى القمم العربية، فقد قرر ذلك المؤتمر: «التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة في عدوان يونيو - حزيران 1967م، وتحرير مدينة القدس، وعدم التنازل عن ذلك»! وهنا بدأ «نسيان» الأراضي التي احتلت (قبل) 1967م وهي الأرض المحتلة عام 1948م! وبدأ الاقتراب من تحويل القضية الفلسطينية من قضية (قومية) تخص العرب جميعاً إلى قضية (وطنية) تخص الفلسطينيين وحدهم، لذلك نصَّ أحد قرارات المؤتمر على «اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني» .
وقد كان هذا القرار تأسيساً سيِّئاً لمبدأ: «ما يقبله الفلسطينيون سيقبله العرب جميعاً»، والمقصود بالفلسطينيين هنا: منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية التي عرف الجميع بعد ذلك ماذا فعلت بالقضية الفلسطينية .
وقـد عقد المؤتمر الحادي عشر في الريـاض في 16 أكتوبر 1976م لغرض جديد لا علاقة له بتحرير الأراضي الفلسطينية قبل 67 أو بعدها، ولكن لفضِّ تنازع مسلح جديد بين الفلسطينيين واللبنانيين، وكان من قرارات المؤتمر: «تعهُّد عربي بتأكيد منظمة التحرير على احترام سيادة لبنان ووحدته» .
وفي عام 1976م نفسه وفي شهر أكتوبر أيضاً عقد مؤتمر في القاهرة لاستكمال بحث الأزمة بين الفلسطينيين واللبنانيين، وأعاد المؤتمرون ما طالبوا به في المؤتمر السابق من فض النزاع المسلح بين الطرفين، لكن المؤتمر أصدر مع ذلك قراراً - ويا للمفارقة - يطالب العالم بإدانة العدوان الصهيوني على العرب.
وفي عام 1978م كان النظام الرسمي في مصر قد خرج بالفعل من إطار المواجهة العسكرية للكيان الصهيوني بشكل نهائي ومُلزم، وذلك بتوقيع اتفاقية (كامب ديفيد) للسلام بين مصر والدولة الصهيونية ، وقد جاء عقد المؤتمر تلبية لدعوة من العراق بعد توقيع تلك الاتفاقية، وشاركت فيه عشر دول عربية، قررت فيه: «عدم موافقة المؤتمر على اتفاقيتي كامب ديفيد» وأكدت «خطر عقد صلح منفرد» ودعت إلى «دعم الجبهة الشمالية والشرقية ومنظمة التحرير الفلسطينية ماديّاً ومعنوياً» واتخذت قراراً جماعياً بـ: «نقل مقر الجامعة العربية من مصر، وتعليق عضوية مصر فيها» .
بعد (كامب ديفيد) بعام وتحديداً في عام 1979م دعا الرئيس التونسي السابق (الحبيب بورقيبة) الذي كان أول من دعا إلى (سلام مع اليهود) إلى عقد قمة لبلورة موقف عربي موحد لمواجهة «مؤامرة» كامب ديفيد، وقد قرر المؤتمرون لمواجهة تلك المؤامرة ما يلي: «الصراع مع الدولة الصهيونية طويل الأمد، وهو عسكري وسياسي واقتصادي وحضاري»، «تجديد الإدانة العربية لاتفاقية كامب ديفيد»، «التصدي لمؤامرة الحكم الذاتي وتوسيع نطاق التضامن العربي مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل إفشال مخططات العدو الصهيوني وهزيمته»! وقرر المؤتمر أيضاً: «التصدي لنقل العاصمة الصهيونية إلى القدس»، وقرر أيضاً: «إدانة قرار النظام المصري بتزويد الدولة الصهيونية من مياه النيل»، ودعا إلى «إحكام المقاطعة للنظام المصري».
في 25 نوفمبر 1980م عقد المؤتمر الخامس عشر من مؤتمرات القمة العربية، وحضرته 15 دولة عربية، وقرر الحاضرون بالإجماع: «عزم القادة العرب على إسقاط اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع الدولة الصهيونية»، و «التأكيد على أن قرار مجلـس الأمـن رقـم (242) لا يتفـق مع الحقوق العربية، ولا يشـكل أساساً صحـيـحاً لحلِّ أزمـة القضــية الفلسـطيـنية»، و «إدانة استـمرار حـكومة واشـنطن في تأييد الدولة الصهيونية وإلصاق صفة الإرهاب بمنظمة التحرير الفلسطينية»، و «الموافقة على استمرار مقاطعة مصر» .
لكن يلاحظ في تلك القرارات أنها لم تعد تصف الدولة الصهيونية بـ (العدو)، وأنها لم تعد تسمي الأزمة معها (أزمة الشرق الأوسط)، بل ( أزمة القضية الفلسطينية )، ويلاحظ أيضاً أن العرب كانوا لا يزالون يملكون القدرة على «إدانة» أمريكا، وشجب وصفها للمقاومة بـ «الإرهاب» !!.
في 25 نوفمبر 1981م عقد مؤتمر للقمة، بغياب مصر وعزلها بذنب (كامب ديفيد)، وقد عرضت في هذا المؤتمر مبادرة جديدة عربية للسلام، لكن سورية عارضتها بشدة، وتسبَّب ذلك في إرجاء البتِّ في المبادرة، ومن ثم إرجاء أعمال المؤتمر إلى وقت آخر، حيث أوقفت أعمال هذا المؤتمر بعد خمس ساعات من انعقاده .
عــاد المـؤتـمـر للانعـــقاد فـي فـاس فـي المغـرب فـي 6 سبتمبر 1982م بمشاركة أغلب الدول العربية، وبعدم حضور مصر أيضاً، لينسخ هذا المؤتمر السادس عشر في هدوء كل قرارات وشعارات المؤتمرات السابقة، وذلك باعترافه الضمني بوجود الدولة الصهيونية، حيث صدر عن ذلك المؤتمر بيان ختامي تضمن مجموعة من القرارات، أهمها: (قرار مشروع «السلام العربي» مع الدولة الصهيونية) الذي يتضمن: «انسحاب الدولة الصهيونية من جميع الأراضي العربية التي احتلَّتها عام 1967م» و «إزالة المستعمرات الصهيونية في الأراضي المحتلة بعد عام 1967م»، و «قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس».
بعد ثلاثة أعوام من مبادرة فاس، وفي ظل عدم استجابة الكيان الصهيوني لجنوح العرب للسّلم، وتواصل الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين؛ عقد مؤتمر القمة الثامن عشر في الدار البيضاء في المغرب، وكان من قراراته «التنديد» بالإرهاب الصهيوني داخل فلسطين.
وفـي المؤتـمر الثامن عشر الذي عقد في عمان في 8 نوفمبر 1987م كان حظُّ قضية فلسطين من ذلك المؤتمر أن رُفع قسط آخر من الحظر على من اعترفوا بالعدو المحتل لها، فقد صدر عن ذلك المؤتمر قرار نصه: «العلاقات الدبلوماسية بين أي دولة عضو في الجامعة العربية وبين مصر من أعمال السيادة، تقررها كل دولة بموجب دستورها وقانونها» ، ولما كانت دساتير العرب كلها لا تجرِّم ولا تحرِّم الصلح مع عدو يحتل أرضاً للمسلمين، فقد تسلسل العرب في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر، مغيِّرين سياساتهم السابقة من النقيض إلى النقيض، دون أن يتغير حرف واحد في (كامب ديفيد) .
بعد إعادة العلاقات مع مصر رغم بقاء (كامب ديفيد)، وبعد أن أُسقط في أيدي الفلسطينيين عَلْمانيين وإسلاميين؛ بدأ الشعب الفلسطيني يتحرك براية جديدة، وغيـر معهـودة خلال عقود الصراع الماضية، إذ بدأ ظهور رفـع الراية الدينية بظهور حركة المقاومة الإسلامية ( حماس )، واندلعت الانتفاضة الشعبية الأولى، وكانت هناك بقية من « الحمية العربية » لدى بعض الأنظمة العربية، فصدر عن مؤتمر القمة المنعقد في الجزائر في 7 يونيو / حزيران 1988م قرار يدعو إلى «دعم الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، وتعزيز فعاليتها وضمان استمراريتها»، لكن المؤتمر المتردِّد بين أجواء الحرب وأوهام السلام قرر أيضاً: «المطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تحت إشراف الأمم المتحدة» .
وفي 23 مايو 1989م عقد في الدار البيضاء المؤتمر العشرون للقمة العربية، وقد زفَّ الحضور للعالم العربي عودة مصر إلى الصف العربي، أو عودة الصف العربي إلى مصر، دون أن يسأل أحد: لماذا أُخرجت من الجامعة، ولماذا أُعيدت، ما دامت المواقف العربية «متجانسة» إلى ذلك الحد؟! ومع هذا فقد قرر المؤتمر: «تقديم الدعم والمساعدة المعنوية والمادية للانتفاضة الفلسطينية»، ودعا المؤتمر كذلك الفلسطينيين إلى عدم الدخول في انتخابات بشأن قضيتهم إلا بعد انسحاب الدولة الصهيونية من الأراضي الفلسطينية في إطار «عملية سلام شاملة» .
في عام 1990م وفي الثامن والعشرين من شهر مايو في ذلك العام دعا العراق إلى عقد قمة عربية قبيل غزو الكويت لبحث الأخطار التي تهدد الأمن القومي العربي، وفي ذلك المؤتمر أيَّدت الأنظمة العربية استمرار دعم الانتفاضة الفلسطينية، وأدانت قرار الكونجرس الأمريكي اعتبار القدس عاصمة للدولة الصهيونية، وقرر المؤتمر: «معارضة المحاولات الأمريكية إلغاء قرار اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال (الصهيونية)»، وفي ذلك المؤتمر أيضاً صدر قرار بانتظام انعقاد القمم العربية، على أن تكون البداية من مصر.
في 15 أغسطس 1990م انعقد في القاهرة مؤتمر للقمة، كان هو مؤتمر تشييع جنازة التضامن العربي، حيث عقد ذلك المؤتمر للنظر في أمر اعتداء دولة عربية عضو في (الجامعة) على دولة عربية عضو فيها، واجتياح أراضيها، واحتلال عاصمتها، بغرض ضمها، وقد كان غزو العراق للكويت بداية تفكُّك عُرى النظام العربي، ولم يصدر عن المؤتمر الذي لم يحضره قادة دول الخليج ولا تونس أيُّ شيء، إلا ما يتعلق بإدانة غزو الكويت والدعوة إلى إرسال قوة عربية مشتركة إلى الخليج للمشاركة في تحرير الكويت. وطوال ست سنوات بعد الحرب الأمريكية على العـراق بدعـوى تحـرير الكويـت؛ كان الموقف العربي مشدوداً ومشدوهاً بمشهد سقوط صنم القومية العربية، بعد حدوث ذلك الصدع الخطير في معنى الفكر القومي ومبناه، ولعل هذا كان أحد أسباب عزوف القيادات العربية عن عقد أية مؤتمرات طوال تلك المدة، إلى أن انطلقت دعوة من الرئيس المصري (حسني مبارك) إلى جميع الدول العربية - باستثناء العراق - لعقد مؤتمر قمة في 21 يونيو 1996م لبحث عدد من المشروعات «الكبرى»، ومنها: «إنشاء محكمة العدل العربية» ( أين هي...؟ ) وعمل «ميثاق الشرف للأمن والتعاون العربي» (أين هو؟) و «إنشاء آلية لجامعة الدول العربية لفضِّ النزاعات» ( أين هي؟ ) و «الإسراع في إنشاء منظمة التجارة العربية» ( أين هي؟ )، إلا أن المؤتمر جدَّد التأكيد على مطلب السلام «الشامل» مع العدو الصهيوني - الذي لم يعد عدواً - بشرط أن يترك للعرب ما احتلَّه من أراضٍ في حرب عام 67، وما اغتصب من المستوطنات على يد الحكومات المتعاقبة طوال الأعوام بعد تلك الحرب.
تجمَّدت مؤتمرات القمة مرة أخرى لمدة أربع سنوات، حتى عقد في القاهرة في 21 أكتوبر 2000م مؤتمر للقمة العربية عند اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي تفجرت بعد زيارة مجرم الحروب (شارون) الاستفزازية لساحات المسجد الأقصى؛ تأكيداً على «يهوديتها» بعد فشل مؤتمر (كامب ديفيد) الذي عقد خصيصاً لانتزاع التنازل عنها، وقد صدرت عن ذلك المؤتمر قرارات «كبيرة» تطرح علامات استفهام كبيرة أيضاً عما يدور اليوم (عربيّاً) مع الفلسطينيين على أبواب الانتفاضة الثالثة، ومن تلك القرارات: إنشاء صندوق باسم (انتفاضة القدس) برأس مال 200 مليون دولار لدعم أُسر الشهداء وتأهيل الجرحى والمصابين - وليس طبعاً لدعم المجاهدين أو تأهيلهم -، وكذلك صدر قرار بإنشاء صندوق باسم (صندوق الأقصى) برأس مال 100 مليون دولار؛ لدعم اقتصاد الشعب الفلسطيني، وقرار ثالث يسمح بإنعاش الاقتصاد الفلسطيني عن طريق «استيراد السلع الفلسطينية بدون كمية ولا نوعية». وقد تميز ذلك المؤتمر بإضافة مادة إلى ميثاق الجامعة العربية، تنص على أن يكون انعقاد القمة سنويّاً وبشكل دوري.
في 22 أكتوبر 2001م عادت القمة العربية العادية إلى الانعقاد، بعد أن كانت تعقد بصورة طارئة أحياناً، وبصور متقطعة أحياناً أخرى، وقد عقدت تلك القمة بعمان في الأردن، وتُعدّ هذه القمة هي الدورية الأولى، وكان من نصيب القضية الفلسطينية فيها: «إدانة العدوان الصهيوني (المتواصل) على الشعب الفلسطيني»، وإدانة «الاعتداءات المستمرة على المرافق الحيوية والمؤسسات الوطنية الفلسطينية».
وانعقد في 28 مارس 2002م مؤتمر للقمة العربية في بيروت، وفيه أُطلقت مبادرة السلام العربية، وبينما رفضت الدولة الصهيونية هذه المبادرة وقت صدورها؛ فقد فسرتها الولايات المتحدة الأمريكية على أنها استعداد عربي شامل للتطبيع .
وفي الأول من شهر مارس عام 2003م عُقد المؤتمر الدوري العادي الثالث في منتجع شرم الشيخ في مصر، وذلك قبل شهر من غزو الولايات المتحدة للعراق، حيث رفضت القمة العربية ( بالإجماع ) ذلك الغزو الأمريكي «المحتمل».
وعقد في 22 مارس 2005م في الجزائر المؤتمر الدوري الرابع، وقد شدد على ضرورة تفعيل المبادرة العربية للسلام، ودعا إلى التمسك بـ «الشرعية الدولية» فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
في 28 مارس 2006م عقد مؤتمر قمة تالٍ في الخرطوم، وقد ركَّز على (مركزية القضية الفلسطينية) بين القضايا العربية، إلا أنه شدَّد على أن السلام هو الخيار «الاستراتيجي» للعرب !! .
وفي 28 مارس 2007م عقدت القمة العربية الدورية في الرياض، وقد أكدت على تمسك جميع الدول العربية بمبادرة السلام العربية، ودعت الدولة الصهيونية إلى قبولها. وقد تطرقت القمة للخلافات التي طرأت على الساحة الفلسطينية الداخلية، بين التوجهين: الإسلامي والعَلْماني، مؤكدة على الدعم الكامل ( لاتفاق مكة ) لحلِّ الخلافات بين الطرفين.
أما القـمة الأخيـرة التي انعقدت فـي دمشق بسورية في 30 مارس 2008م، فرغم أنها كانت تظاهرة قومية جديدة بالرغم من مقاطعة الكثير من الدول العربية لها (بشكل غير رسمي)، إلا أنها كانت تظاهرة أيضاً ضد تلك القومية العربية، من واحد من أبرز رموزها «التاريخيين»، وهو العقيد الليبي (معمر القذافي)، فقد تذكَّر العقيد فجأة فلسطين التاريخية، وهاجم الزعيم القومي السابق كل الدول العربية؛ لأنها أصبحت تعد فلسطين هي: الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، لكنه مع ذلك - وللعجب - جدَّد دعوته إلى إلغاء مسمى (فلسطين) لتصبح (إسراطين) ، المكونة من (إسرائيل) و (فلسطين)! وعبَّر الزعيم السابق للقومية العربية عن الحقيقة الـمُرة التي آلت بها إليها القومية العربية، والتي لا شك أنه كان أحد أسباب مرارتها عندما قال: «لا شيء يجمعنا أبداً إلا القاعة هذه.. للأسف الشديد نحن أعداء بعضنا.. كلنا نكره بعضنا ونتخاصم مع بعضنا ونكيد لبعضنا، ونشمت في بعضنا، ونتآمر على بعضنا، نحن مخابرات على بعضنا، نحن عدو لبعضنا» !!! .
وعزَّى العقيد العرب في وفاة العروبة في ذلك الاجتماع الرسمي لجامعة القومية العربية، وقال: «كرامة العرب راحت، ووجود العرب راح، وماضيهم راح، ومستقبلهم راح» ، وزاد الزعيم في توبيخه جميع الزعماء العرب فعاب عليهم ترك المطالبة بما سبق احتلاله قبل عام 1967م قائلاً: «من الممكن أن يتم احتلال جديد لأراضٍ عربية في عام 2008م مثلاً، وبعد سنوات ستطالبون أنتم بالعودة إلى حدود 2008م، ونعترف بالدولة الصهيونية وفقاً لهذا» .
أما المؤتمر الذي خاطبه القذافي بما سبق، فقد أصدر رغم ذلك الهجوم عدة قرارات «مصيرية» كان من ضمنها مما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي: «الالتزام العربي بالسلام الشامل بوصفه خياراً إستراتيجياً»، وطالب الدولة الصهيونية بالانسحاب من الأراضي التي احتلَّتها منذ أكثر من أربعين عاماً في حرب 1967م، وطالب بـ «دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس»، ولم ينسَ المؤتمرون أن يدعوا المنظمات والمؤسسات الدولية إلى «تحمُّل مسؤوليتها» في الحفاظ على المقدسات الإسلامية و«المسيحية» !! .
وأخيراً: أدان مؤتمر قمة دمشق «المساس بهوية القدس العربية»، التي تتعرض للتهويد والنهب المنتظم منذ أكثر من أربعين عاماً من زمن التيه القومي العربي !! .
أما آنَ لهؤلاء أن يتواضعوا فيردّوا الأمانات إلى أهلها، ويتركوا القضية التي لم يكونوا أهلاً لحملها ولا لحلِّها؟ أم أن الأمة ستنتظر معهم ستين عاماً أخرى من المؤتمرات والقرارات والتوصيات التي تستجدي وتطالب العدو المحارب بالسلام «الاستراتيجي» وهو في قلب المعركة ؟!! .
مقالة للدكتور عبد العزيز كامل من مجلة البيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
إتحفني برأيك