الخميس، 30 أكتوبر 2008

قصة الصومال

ظل الصومال بمشاكله يشغل العالم لفتراتٍ طويلةٍ خلال القرن الفائت وما قبله، ويبدو أنه سيظل كذلك في المستقبل المنظور، فموقع الصومال موقع حيوي للقوى الكبرى، ولجاراتها – وخاصة إثيوبيا - على حدًّ سواء.

يحتل الصومال موقعًا فريدًا ومتميزًا شرقي القارة الأفريقية في منطقة القرن الأفريقي ويُطِلُّ بسواحل طويلة على المحيط الهندي؛ لذا كان مطمعًا لجارته إثيوبيا الدولة الداخلية المختنقة بعيدًا عن أي محيطات أو بحار ، كما كان مطمعًا للقوى الاستعمارية الكبرى التي أرادت تأمين الطريق إلى مستعمراتها في الشرق كما فعلت بريطانيا عام 1839م ، حيث أقامت حامية عسكرية على أرض الصومال لتوفر لجنودها الغذاء خاصة من لحوم الأغنام الصومالية المشهورة ، واقتطعت من أرض الصومال قطعة تضم منطقة ( أوجادين ) وسمَّت هذه القطعة بالصومال البريطاني ، كما ألحقت منطقة ( أوجادين ) خاصة بإثيوبيا ، وعلى هذا المنوال سارت فرنسا ، فقامت عام 1860م باحتلال جزءٍ من الأراضي الصومالية أسمته الصومال الفرنسي( جيبوتي فيما بعدُ ) ، كما قامت إيطاليا بالشيء ذاته فأقامت صومالاً ثالثًا أطلقت عليه الصومال الإيطالي عام 1889م .

لكن في عام 1936م قرَّرت إيطاليا توسيع نفوذها في الصومال على حساب الاحتلال البريطاني فاجتاحت جيوشها منطقة ( أوجادين ) الملحقة بإثيوبيا ، تحت ادِّعاء إعادة الأمور إلى نصابها ، ومن ثَمَّ قامت بإعادة هذه المنطقة للصومال ، وأطلقت على المنطقة ( الصومال الإيطالي وإقليم أوجادين ) اسم منطقة شرق أفريقيا الإيطالية .



أصبح إقليم ( أوجادين ) بؤرةَ الصراع في القرن العشرين بين الصومال وإثيوبيا ، هذا الصراع الذي تدثَّر بعباءة الحرب الباردة بين القطبين الرئيسيين في العالم في النصف الثاني من القرن العشرين : أمريكا والاتحاد السوفيتي ؛ فاندلعت حرب كبيرة بين إثيوبيا والصومال تحت شعار الأحقية في إقليم ( أوجادين ) واستمرت تلك الحرب من عام 1964م حتى 1967م، حيث دعمت الولايات المتحدة إثيوبيا ، في حين قام الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية بدعم الصومال حتى أُنهِكَت قوى الدولتين المتحاربتين فقبلا بوقف إطلاق النار ، رغم أن المشكلة الرئيسية لم تجد حلاً مما جعل الوضع قابلاً للانفجار مرةً أخرى في أي وقت .

وفي السبعينيات من القرن العشرين قام اللواء محمد سياد بري - الذي استولى على الحكم في الصومال عام 1969م - بإلغاء الأحزاب ، وإحكام القبضة الأمنية على البلاد ، وإعلان التمسك بالأفكار الشيوعية في محاولةٍ منه للتقرب من الاتحاد السوفيتي ، وقام كذلك بدعم كلٍّ من الفصائل الصومالية والمعارضة الإثيوبية المتواجدة في إقليم ( أوجادين ) ، وطالًبَ إثيوبيا باستعادة الإقليم ، وهو ما رفضته الأخيرة فاشتعلت الحرب الثانية بين الدولتين عامي 1977م و 1978م .

استطاعت القوات الصومالية تحقيق نتائج مبهرة في بداية المعركة ، واحتلت أجزاء واسعة من الأراضي الإثيوبية غير أن تدخُّل أمريكا لصالح إثيوبيا ، وإمدادها لها بالعتاد والسلاح كان كفيلاً بتغيير نتائج المعركة لصالح إثيوبيا ، مما حدا بسياد بري إلى اتخاذ قرارٍ بوقف القتال ؛ مما تسبب في ضياع حلم الجيش الصومالي باستعادة ( أوجادين ) والذي كان على وشك التحقق .

كان التوقف عن القتال بمثابة الصفعة المهينة لأحلام وطموحات المؤسسة العسكرية الصومالية ، وقد دفعها ذلك الشعور إلى التمرد على سياد بري حتى تمكنت من إنهاء نظام حكمه عام 1991م .

وبعد سقوط سياد بري وهروبه خارج البلاد غرق الصومال في أَتُون حرب أهلية طاحنة قادها أمراء الحرب ، الأمر الذي دمَّر مرافق البلاد ، وتسبب في مقتل وإصابة عشرات الآلاف غير المشردين .

وقد تخلَّل ذلك دخول القوات الأمريكية متسترة بعباءة الأمم المتحدة ، ولكنها مُنِيَت بهزيمة ساحقة أمام مقاومة الشعب الصومالي مما أجبر أمريكا على الفرار من الصومال .

تسبَّبت الحرب الأهلية في تمزُّق الصومال إلى إمارات خاضعة لأمراء الحرب المنتفعين منها ، الباحثين عن السلطة والثروة معًا ، أما الشعب فقد عاش حياة بائسة مشردًا فقيرًا مفتقدًا للأمن على أرواحه وأمواله وأعراضه .

كانت إثيوبيا هي المستفيد الأكبر من تمزُّق الصومال وتفتته بين أمراء الحرب ، حيث تخلَّصت من الجيش المنظم الذي كان يطالب بحقوق الصومال التاريخية في ( أوجادين ) بموافقة الحكومة الانتقالية الصومالية في نهاية التسعينات .

وكان لابُدَّ لهذا الطوفان من الدماء الصومالية أن يتوقف ، وكان لابد فيمن يتدخل لإيقاف ذلك الدم أن تكون صفحته بيضاء ، ويده نقية من الخوض في تلك الدماء....وقد كان .... !! .



فكانت المحاكم الإسلامية هي البديل عن أمراء الحرب ، وكانت هي المنقذ ذا الصفحة البيضاء واليد النقية من دماء الصوماليين ، فبعد سقوط نظام سياد بري 1991م وانسحاب الولايات المتحدة من قوات حفظ السلام ، واستمرار الحرب الأهلية ما يقرب من أربعة عشر عامًا كانت المحاكم الإسلامية الشرعية هي نظام القضاء في الصومال ، ورأى القائمون على هذه المحاكم من العلماء أن يوسِّعوا دورها تلبيةً لحاجات الشعب المطحون ؛ فبدأت المحاكم في تقديم خدمات مثل التعليم والرعاية الصحية ، وأصبحت تمثل – أيضًا - دور الشرطة ، واستطاعت بكفاءة أن تسد مسألة الفراغ الأمني والقانوني ، وأن تحد من نفوذ أمراء الحرب الأقوياء ، وقامت بدور بارز في حماية الضعفاء بعد الانهيار الكامل لدعائم الدولة الصومالية .
دفع نجاح تجربة المحاكم إلى انتشارها في ربوع العاصمة مقديشيو ، ثم اتحدَّت بالتحالف ما بين رجال الدين وطبقة التجار .
وتتكون المحاكم الإسلامية من أربع عشرة محكمةً تجمع أطرافًا محلية ، ترتبط عشر محاكم منها بقبيلة واحدة هي قبيلة ( الهُويَة ) التي تسيطر على مقديشيو ، كما أن هناك بعض المحاكم المستقلة عن اتحاد المحاكم الإسلامية . ويرأس هذه المحاكم الشيخ شريف شيخ أحمد ، ويرأس مجلس الشورى فيها الشيخ طاهر عويس ، وتهدف المحاكم الإسلامية إلى بسط القانون والنظام والعمل على غلبة الولاء الديني الإسلامي على الولاء القبلي .

كما يعتبر قادة الحركة أن من أهداف الحركة الأساسية إتاحة الفرصة للشعب الصومالي لتقرير مصيره بنفسه بعد أن عانى من تسلط أمراء الحرب سنوات طوالاً ، ويقول شريف شيخ أحمد: ( إن المحاكم الإسلامية ليست حركة سياسية، بل هي شكل من أشكال الثورة الشعبية التي فجرها الشعب الصومالي بعد أن سَئِمَ ستة عشر عامًا من الفوضى والقتل والنهب والاختطاف ) .

تتكون سلطة المحاكم من هيئتين تشريعية وتنفيذية , تقوم الأولى على مجلس شوري من 88 شخصا عينتهم الكتل المنضوية تحت لواء المحاكم وتضم قبائل وتجارًا وعلماء دين ومثقفين .

ولصعوبة التئام مجلس الشورى باستمرار شكل مجلس شورى مصغر لمساندة السلطة التنفيذية بشكل دائم واختير للمجلس الأخير اسم " اللجنة الدائمة " برئاسة عويس أيضًا .

وفي القرارات المصيرية تجتمع اللجنة الدائمة مع أعضاء المجلس التنفيذي بكامل أعضائها للبَتِّ فيما هو مطروح .
أما المجلس التنفيذي فأشبه بالحكومة وهو يضم رئيسه شيخ شريف شيخ أحمد ونائبين هما النائب الأول عبد الرحمن جنقو والنائب الثاني عبد القادر علي عمر إضافة إلى أمين عام ورؤساء المكاتب التي تشبه الوزارات لتخصصها بالمجالات الخدمية والسياسية .

كان ردُّ الفعل الدولي لقيام المحاكم الإسلامية وانتصاراتها على أمراء الحرب متوقَّعًا إلى حَدٍّ كبير ، فنظرًا لكراهية الغرب لكل ما هو إسلامي ، ومحاولته تشويه كل ما يتصل بالإسلام بسبب ، فقد بدأ طوفان الشائعات والاتهامات الأمريكية والأوربية للمحاكم ؛ فتارة يقولون إنها – طالبان أخرى تريد أن تقيد حريات الصوماليين ، وتفرض عليهم نموذجًا للإسلام يرفضه الغرب ، وتارة أخرى يتهمونها بإيواء عناصر من تنظيم القاعدة ذلك الشبح الذي تستخدمه أمريكا لتخويف العالم من الإسلام ، والحصول على تفويض بملاحقة كل مَن تبغضه في أي مكان في العالم دون مراعاةٍ لسيادة الدول ، ورغم نفي قادة الحركة لكلا الاتهامين إلا أن الغرب الذي غضب من انتصارات قادة المحاكم اتخذ قرارًا جديًا وفوريًا بالسماح لإثيوبيا ذات الأطماع الواسعة في الصومال بإدخال قواتها لاحتلاله تحت غطاء مساندة الحكومة الصومالية وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا .

وتحت هذا الغطاء حدثت أعنف المجازر في تاريخ الصومال ، وتم تهجير مئات الآلاف من أبناء الشعب الصومالي المسكين ؛ مما حوَّل الأمر من مواجهة بين القوات الإثيوبية الداعمة للقوات الحكومية الصومالية وبين المحاكم الإسلامية إلى مواجهة شاملة بين تلك القوات والشعب الصومالي بأكمله ؛ فقامت قبيلة الهوية كبرى قبائل العاصمة الصومالية بالدعوة إلى قتال القوات الإثيوبية بالصومال وهي الدعوة التي أيدها عدد من علماء الدين الصوماليين .

كما طالب شيوخ القبيلة - في اجتماع بمقديشو - المجتمعَ الدوليَّ والعالمَ العربي والإسلامي بالتحقيق فيما وصفوه بأعمال إبادة في الصومال .

كما وجَّه شيوخ الهوية انتقاداتٍ إلى أوغندا التي أرسلت جنودها للمشاركة في قوات الاتحاد الأفريقي . وأكدت القبيلة الصومالية أنَّ مطار مقديشو الذي يسيطر عليه الجنود الأوغنديون استُخدِمَ كقاعدة انطلاق للطيران الإثيوبي الذي قام بعمليات قصف جوي خلال المعارك الأخيرة .

واتهم المشاركون في الاجتماع أيضا كينيا بشن حملة اعتقالات في صفوف الصوماليين الفارين من المعارك .

وقد دفعت قسوة المعارك بعض الشخصيات إلى تغيير موقفها الداعم لإثيوبيا ؛ فقد شهدت الأيام الأخيرة تحولاً في موقف حسين عيديد نائب رئيس الحكومة الانتقالية الصومالية الذي دعا من العاصمة الإريترية أسمرا إلى انسحاب الجيش الإثيوبي من الصومال ، واتهمه بارتكاب جرائم إبادة ضد الصوماليين .

وفي ذات الوقت تمكن مقاتلو عشيرة ينتمي إليها وزير الدفاع الصومالي بري هيرالي من بسط سيطرتهم على مدينة ( كيسمايو ) الإستراتيجية في أقصى جنوب الصومال يوم الثلاثاء 24-4-2007 بعد قتال عنيف مع قبيلة ( ماجرتين ) التي ينتمي إليها الرئيس الصومالي عبد الله يوسف أحمد ، الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه ضربة قوية للحكومة الانتقالية التي بدأت " تتصدع " .

وأوضح المراقبون أن سيطرة ميليشيات قبلية على المدينة يعني افتقار الحكومة لقوات عسكرية حقيقية لها بداخل المدينة .
وتأتي معارك كيسمايو بعد أيام من إعلان نائب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية حسين فارح عيديد عن تشكيل تحالف لمعارضة الوجود الإثيوبي في العاصمة مقديشو ، وحضر حفل الإعلان عن تشكيل التحالف الجديد في العاصمة الأريترية ( أسمرة ) كل من الشيخ شريف أحمد أحد زعماء المحاكم الإسلامية ورئيس البرلمان الصومالي السابق الشريف شيخ عادن.

وكيسمايو هي آخر مدينة خرجت عن سيطرة المحاكم الإسلامية بداية العام الجاري قبل الزحف الإثيوبي ، مدعومًا بقوات الحكومة الانتقالية عليها .

وفي العاصمة مقديشو أدَّت المعارك إلى نزوح نحو خُمس سكان العاصمة الصومالية خلال الشهرين الماضيين بحسب آخر تقديرات لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ، وأكَّدت المفوضية في بيان لها أن 208 ألف شخص هجروا منازلهم في مقديشو منذ الأول من فبراير الماضي .

وتبدو الصورة الآن أنَّ القتال في الصومال يشطره نصفين ، وهذا ما يجعل شبح الحرب الأهلية يخيم على الصومال من جديد ؛ وذلك ما دفع المملكة العربية السعودية في مدينة جدة لعقد لقاءٍ للمصالحة برعايتها بين الفُرقاء الصوماليين ، وقد رحَّب قادة المحاكم الصومالية بالمبادرة السعودية ، وكذلك الرئيس المؤقَّت للصومال عبد الله يوسف أحمد ، بينما يعترض رئيس الوزراء الصومالي الحالي علي محمد جيدي الذي يُعتَبَر اليد اليمنى لأثيوبيا في الصومال ، وهو من أكثر المرحِّبين بدخول القوات الأثيوبية ويخشى رئيس الوزراء من نجاح المصالحة الصومالية مع المحاكم باعتبار أنها ستكون على حساب منصبه كرئيس للوزراء، كونه من قبيلة ( الهوية ) التي ينتمي إليها قادة المحاكم الإسلامية وأي تسوية ستكون بالتأكيد على حساب منصبه الذي سيسلم للمحاكم في حال الاتفاق والمصالحة .

لقد انتصرت إثيوبيا والحكومة الصومالية المؤقتة في تلك الجولة ، وبدأ مقاتلو المحاكم في الكرِّ والفرِّ ابتغاء طرد المعتدين ، وفيما تبدو الكِفَّات في ميدان القتال متقاربة ، فإنَّ الخاسر الوحيد على الأرض في تلك المعارك كان هو الشعب الصومالي .

الآن لابد لنا من وقفة نقفها لندرك الأسباب التي أوصلت الصومال إلى هذا الوضع المتدهور.

1ـ انعزال الصومال عن محيطها العربي:

يُعَدُّ الصومال إحدى الدول الأعضاء بالجامعة العربية، ومع ذلك فلم يكن للجامعة دور يُذكَر منذ نشأتها في تحقيق استقلال الصومال، ولا معاونته على التخلص من الحكم الاستبدادي لسياد برِّي.. وعندما دخلت قوات الولايات المتحدة لاحتلال الصومال تحت مظلة الأمم المتحدة عام 1992م ، وقفت الجامعة العربية موقف المتفرج من الأحداث .

وليس أدلَّ على ذلك الانعزال - الذي يقابله إهمال وتخاذل عربي - من أنه بالرغم من اهتمام القمة العربية ـ المنعقدة في بيروت في مارس 2002م ـ بقضية الصومال، واعتمادها مبلغ 56 مليون دولار لدعم جهود المصالحة هناك، ثم تأكيد هذا الأمر في اجتماع اللجنة المكلَّفة بمتابعة الوضع في الصومال على مستوى المندوبين الدائمين (11 دولة ) ، بل واعتمادها تعيين مبعوث خاص للأمين العام للجامعة لمتابعة الملف الصومالي ؛ فإن الاعتمادات المالية لم يصل منها شيء للحكومة الصومالية ! .

ولم يكن هذا بالشيء الجديد على الدول العربية، فقد تعطَّل مؤتمر ( بيداوا ) للمصالحة الوطنية بسبب عدم توافر الدعم المالي لعقد المؤتمر، والذي بلغ 5.4 مليون دولار آنذاك ، لولا تعهد قطر وليبيا - بصورة منفردة - بتوفير هذا المبلغ .

والمثير للدهشة بل للاستنكار أن الدول العربية لم تكتفِ بإهمال الصومال وعدم مساعدته ، بل قامت بخنقه اقتصاديًّا ، فأوقفت دول الخليج الصادرات الصومالية إليها ، وطبَّقت عدة دول عربية حظرًا تجاريًا أسفر عن خسارة الصومال لمئةٍ وسبعين مليون دولار كانت كفيلة - لو توافرت - بأن يعيش شعب الصومال ظروفًا أفضل .

إذن فقد بلغت حالة الانعزال عن المحيط العربي أَوْجَها ، ومن ثَمَّ يصبح الحديث عن تحقيق التقارب - فضلاً عن الاندماج والوحدة - بين الصومال والعالم العربي بعيدًا جدًا ، وهذا في الواقع هو حقيقة الموقف العربي بأكمله ، فالعالم العربي كله ممزَّق ومنقسم على نفسه ، ولا يستطيع التوحُّد في الوقت الحالي ، ففضلاً عن اختلاف وتضاد مصالح الحكام ، هناك حالة لا مبالاة كبيرة بين الشعوب بشأن حال الأمة ، فإذا كان الحكام قد أهملوا الصومال ، فإنَّ الشعوب قد أهملت دورها أيضًا في الضغط على الحكام ليتخذوا مواقف إيجابية نحو إخوانهم المسلمين المعذَّبين ... !! .

إنَّ الوحدة العربية والإسلامية مرتبطة بيقظة مجموع الأمة - وليس الحكام فقط - وسعيها في تحقيق الوحدة ، وهذه اليقظة تبدأ من أول مستوى يهم المسلم ، وهو صلة الرَّحِم ؛ فإن المسلم الذي لا يهتم بصلة الرحم ، ولا يهتم بحال جيرانه في المسكن لا يمكن أن يهتم بأحوال المسلمين في بقاع الأرض ، حيث لا يراهم ولا يدري بمعاناتهم .

2ـ انتشار الجهل:

نظرًا لطول فترة الاحتلال الأجنبي للصومال ، الذي تلاه حكم ديكتاتوري في عهد سياد بري ، ثم تلته الفوضى الضاربة في البلد حتى الآن ؛ فنظرًا لكل ذلك ؛ فقد ضربت الأمِّيَّة أطناب ذلك البلد المسكين حتى بلغت نسبتها 75% من عدد السكان ، وهي نسبة رهيبة تعبِّر بصدقٍ عن حال ذلك البلد المنكوب بالجهل والتخلف ، وبسبب انتشار الأمية ، وضعف المستوى العلمي في الصومال يلجأ مَن يريد الدراسة مِن أبنائه إلى الخارج ، وفي الغالب لا يعودون بعد استكمال دراستهم ؛ فيظل التخلف العلمي كما هو .

3ـ التمزق:

عانى الصومال كثيرًا تحت الاحتلال ، ولم يكن ذلك كافيًا في نظر المحتلين حتى سلَّموا البلاد إلى ديكتاتور يحكم بالحديد والنار. في ذات الوقت كانت أثيوبيا وكينيا ـ وهما من دول الجوار ـ قد اقتطعتا إقليمين من أقاليم الصومال، وهما: إقليم ( أوجادين ) لأثيوبيا، وإقليم ( النفد ) لكينيا، وصارت كلُّ منهما ذات نفوذ في البلد المنكوب ، وخاصة إثيوبيا التي لها أعوان من الحكومة الحالية التي كانت معارضة لنظام سياد بري ، وبعد سقوط نظام سياد بري تنفَّس الصوماليون الصَّعَداء ، وظنوا أنهم مقبلون على عهدٍ من الاستقرار ظلوا يحلمون به عقودًا ، ولكن هيهات.. فإنَّ ثمار النظم الديكتاتورية مُرَّة ، وقد أثمرت انشقاقاتٍ ، ومحاولات للاستقلال عن الصومال ، فنشأت ( بونت لاند ) و( جمهورية أرض الصومال ) ، وأقامت الأولى ـ كما يقال ـ علاقاتٍ مع إسرائيل ، وأصبحت مقديشيو العاصمة تمثل ما تبقى من الصومال الأم .

الحلول:

يعتمد حل مشكلات الصومال على محاور عدة فمن جهة يكمن الحل في تنشيط الشعور بالأخوَّة الإسلامية على كافة المستويات والأصعدة بدءًا من الأهل والأرحام مرورًا بالجيران في السكن والوطن ، وانتهاءً بالشعوب الإسلامية في كل مكان .

أما أزمة الجهل والأمية فلا حَلَّ لها إلا بتولي نظام حكم مخلص يعمل على إخراج الصومال من أزمته ، ويوفر حالة من الاستقرار؛ تُمَكِّن طيور الصومال المهاجرة من العودة للقيام بواجبها نحو بلدها ، والأخذ بيده في طريق النهضة .

وفيما يتعلَّق بالتمزق فلن يخرج الصومال من هذا النفق المظلم إلا عندما يُعلِي الجميع المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة ، ويتم توحيد الصومال مرةً أخرى تحت نظام حُكمٍ وطني حُر ، يجمع شتات الصوماليين ، ويعمل على استعادة أراضيه المسلوبة ، ويجتهد في رفع المعاناة عن كاهل الشعب الصومالي ، ووقتها سيكون الصومال إضافة حقيقية للعالم العربي والإسلامي ، وتشرق شمس الاستقرار فوقه بعد طول غياب .

هذه المقالة من مقالات الدكتور راغب السرجاني

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحفني برأيك