الجمعة، 5 أبريل 2013

من الأسلحة الشيطانية: التدرج والرياء

إن للشيطان أسلحة يستخدمها على البشر ، وكل واحد منا يتعرض لعدد معين من تلك الأسلحة التي يختارها الشيطان له ، فالسلاح الذي يستخدم ضدك قد لا يصلح لغيرك ، والذي يستخدم ضد غيرك ، قد لا يصلح لك ، فأنت تعلم أن الشيطان يتابعك ويراقبك منذ زمن بعيد ، وهو يكيد لك المكائد حتى يدخلك إلى جهنم وبئس المصير ، أعاذنا الله وإياك منها .

للشيطان سياسة في التعامل مع البشر في غاية الخبث ، وهي أنه يحاول أن يجعلك في الدرك الأسفل من النار ، فإن لم يستطع جعلك من أهل النار ، فإن لم يستطع جعلك في آخر درجات الجنة ، فإن لم يستطع حاول ألا يجعلك تدرك الفردوس الأعلى ، فالمطلوب إذاً أن تخسر أي شيء ، فلا يجعلك تأخذ ما تريده .

وهو سيحاول دائما أن يصرفك عن الخير ، فإن لم تكن تصلي أوهمك أن قلبك أبيض وإن لم تصلي فليست مشكلة ، وإن كنتِ لا ترتدين الحجاب فهذه ليست مشكلة فأنت خير من ألف فتاة محجبة ، وإن كنت تصلي حاول أن يجعلك تتأخر عن الصلاة ، وإن كنت تصلي في المسجد ، حاول أن يجعلك تصلي في البيت ، وإن كنت تصلي الفروض حاول أن يصرفك عن السنن ، وإن كان لديك وقت فراغ حاول أن يجعلك تقضيه فيما لا ينفعك في الدنيا أو الآخرة ، وإن كانت لك صحبة صالحة حاول أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ، وهكذا ، فيا أخي لا تسمح له بأن يصرفك عن الخير ، وخذها مني قاعدة وهي أنه إن لم تزداد في الخير إرتفاعا ، فأنت عن الخير تزداد إبتعاداً ، فحالك لا يدوم أبداً .

ولكن بمَ يهاجمنا الشيطان ؟ وما هي أسلحته ؟ وكيف يمكننا أن نحمي أنفسنا من تلك الأسلحة ؟ .

الإجابة عن هذه الأسئلة ستكون في السطور القادمة ، وكل ما عليك فعله هو أن تركز عقلك تماما فيما هو آت ، فالأمر جد خطير .
سأبدأ بسرد الأسلحة التي يهاجمنا بها الشيطان الواحد تلو الآخر ، وسأحاول جاهدا أن أضع الأسلحة الأخطر والأكثر شيوعا قبل الأسلحة الأقل خطورة ، وطبعا أنت الأعلم بأي الأسلحة أنت تتأثر بها أكثر من غيرها ، فأعرني عقلك وقلبك .

السلاح الأول : التدرج .

هذا سلاح فتاك بمعنى الكلمة ، وتكمن خطورته في أنه لا ينجو منه إلا من رحم ربي ، ولا يعلم عنه كثير من الناس ، وبالتالي لا يأخذون حذرهم منه ، وحتى لو علموا به تجد أن القليل من يحذر منه ويظن أنه قادرا على تجنبه ، والتدريج يعني أن الشيطان لن يأتي ليأمرك بفاحشة أو كبيرة من الكبائر مرة واحدة ، بل إنه سيبدأ معك خطوة بخطوة دون أن تشعر ، ولقد عرَّفنا القرآن بهذا السلاح ووصفه بالخطوات ، وقد تكرر لفظ خطوات الشيطان في القرآن أربع مرات ، والتكرار يدل على الأهمية ، ومما قاله الله عن تلك الخطوات { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (21) سورة النــور ، انظر كيف أن الله يتفضل علينا ويرحمنا ، فننجوا ولا نقع في تلك الخطوات ، فالفضل لله وحده وليس الفضل لتقوى أو إيمان منّا.

يمكن لنا أن نفهم أيضا خطورة هذا السلاح من قول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } (74) سورة الإسراء ، فلولا تثبيت الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعصمته من أن يميل لما يقوله الكفار له ، لكان قد مال إليهم في شيء مما يقولونه له ، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى أن يُثبته الله عز وجل ، فكيف بنا نحن ؟ وماذا نفعل حتى لا نتزحزح ونقع ونميل عن الحق ؟ .

سئلت أم سلمة رضي الله عنها عن أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت [ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، قَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ ] رواه الترمذي ، إذاً علينا بالدعاء أن يثبتنا الله ، وأن نعلم يقينا أننا ما وفقنا إلى طاعة إلا بفضله هو ومنّه ، وما ابتعدنا عن معصية إلا بهدايته لنا سبحانه.

ولقد وعد ربنا عباده المؤمنين بالثبات إذ قال { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء } (27) سورة إبراهيم ، فالله عز وجل يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت وهو ما تعنيه كلمة لا إله إلا الله من تسليم لأوامر الله ورسوله ، وهذا التثبيت يكون بالمداومة على العمل الصالح في الحياة الدنيا ، وألا تزل قدمك في وحل المعصية ، وفي الآخرة عند السؤال في القبر .

سأحكي لكم قصتين ، أحدهما حدثت في الماضي والأخرى قد رواها لي أحد الشباب ، وهما قصتان يوضحان كيف يستخدم الشيطان ذلك السلاح وانتبهوا معي جيدا .

القصة الأولى : عابد بني إسرائيل .

رُوي أن عابدا كان في بني إسرائيل وكان من أعبد أهل زمانه ، وكان في زمانه ثلاثة أخوة لهم أخت وكانت بكرا ليس لهم أخت غيرها ، فخرج البعث - الحرب - على ثلاثتهم فلم يدروا عند من يخلفون أختهم ولا من يأمنون عليها ولا عند من يضعونها ، فأجمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل .

وكان ثقة في أنفسهم ، فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده فتكون في كنفه وجواره إلى أن يقفلوا من غزاتهم ، فأبى ذلك وتعوذ بالله عز وجل منهم ومن أختهم ، فلم يزالوا به حتى أطاعهم ، فقال أنزلوها في بيت حذاء صومعتي ، فأنزلوها في ذلك البيت ثم انطلقوا وتركوها ، فمكثت في جوار ذلك العابد زمانا ينزل إليها بالطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة ثم يغلق بابه ويصعد إلى صومعته ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع لها من الطعام ، فتلطف له الشيطان فلم يزل يرغبه في الخير ويُعَظِم عليه خروج الجارية من بيتها نهارا ويخوفه أن يراها أحد فيعلقها فلو مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها كان أعظم لأجرك ، فلم يزل به حتى مشي إليها بطعامها ووضعه على باب بيتها ولم يكلمها ، فلبث على هذه الحالة زمانا .

ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والأجر وحضه عليه ، وقال : لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك ، فلم يزل به حتى مشى إليها بالطعام ثم وضعه في بيتها ، فلبث على ذلك زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه ، فقال :لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك فإنها قد استوحشت وحشة شديدة ، فلم يزل به حتى حدثها زماناً يطلع إليها من فوق صومعته ، ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها وتقعد هي على باب بيتها فتحدثك كان آنس لها ، فلم يزل به حتى أنزله وأجلسه على باب صومعته يحدثها وتحدثه وتخرج الجارية من بيتها حتى تقعد على باب بيتها ، فلبثا زمانا يتحدثان ، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها وقال : لو خرجت من باب صومعتك ثم جلست قريباً من باب بيتها فحدثتها كان آنس لها ، فلم يزل به حتى فعل ، فلبثا زمانا ، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وفيما له عند الله سبحانه وتعالى من حسن الثواب فيما يصنع بها ، وقال له : لو دنوت منها وجلست عند باب بيتها فحدثتها ولم تخرج من بيتها ففعل فكان ينزل من صومعته فيقف على باب بيتها فيحدثها ، فلبثا على ذلك حينا .

ثم جاءه إبليس ، فقال : لو دخلت البيت معها فحدثتها ولم تتركها تبرز وجهها لأحد كان أحسن بك ، فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدثها نهارها كله فإذا مضى النهار صعد إلى صومعته ، قال : ثم أتاه إبليس بعد ذلك فلم يزل يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها ، فلم يزل به إبليس يحسنها في عينيه ويسول له حتى وقع عليها فأحبلها ، فولدت له غلاما فجاء إبليس فقال : أرأيت إن جاء أخوة الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع ؟ ، لا آمن أن تفتضح أو يفضحوك فاعمد إلى ابنها فاذبحه وادفنه فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها ففعل ، فقال له أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها وقتلت ابنها ؟ ، قال : خذها واذبحها وادفنها مع ابنها فلم يزل به حتى ذبحها وألقاها في الحفرة مع ابنها وأطبق عليهما صخرة عظيمة وسوى عليهما وصعد إلى صومعته يتعبد فيها فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث حتى أقبل إخوتها من الغزو ، فجاءوا فسألوه عنها فنعى لهم وترحم عليها وبكاها ، وقال : كانت خير امرأة وهذا قبرها فانظروا إليه ، فأتى أخوتها القبر فبكوا أختهم وترحموا عليها فأقاموا على قبرها أياما ثم انصرفوا إلى أهاليهم .

فلما جن عليهم الليل وأخذوا مضاجعهم جاءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر فبدأ أكبرهم فسأله عن أختهم فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها وكيف أراهم موضع قبرها ، فكذبه الشيطان ، وقال : لم يصدقكم أمر أختكم إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلاما فذبحه وذبحها معه فزعا منكم وألقاها في حفيرة احتفرها خلف باب البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله ، فانطلقوا فأدخلوا البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله فإنكم ستجدونهما كما أخبرتكم هناك جميعاً ، وأتى الأوسط في منامه فقال له مثل ذلك ، ثم أتى أصغرهم فقال له مثل ذلك ، فلما استيقظ القوم أصبحوا متعجبين مما رأى كل واحد منهم ، فأقبل بعضهم على بعض يقول كل واحد منهم لقد رأيت الليلة عجبا فأخبر بعضهم بعضا بما رأى ، فقال كبيرهم هذا حلم ليس بشيء فامضوا بنا ودعوا هذا عنكم قال أصغرهم والله لا أمضي حتى آتي إلى هذا المكان فأنظر فيه ، قال : فانطلقوا جميعا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم ففتحوا الباب وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في منامهم فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفيرة كما قيل لهم ، فسألوا عنها العابد فصدق قول إبليس فيما صنع بهما .

فاستعدوا عليه ملكهم فأنزل من صومعته وقدم ليصلب فلما أوثقوه على الخشبة أتاه الشيطان ، فقال له قد علمت أني صاحبك الذي فتنك بالمرأة حتى أحبلتها وذبحتها وابنها فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك وصورك خلصتك مما أنت فيه ، قال : فكفر العابد ، فلما كفر بالله تعالى خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه .

كان ذلك العابد أعبد أهل زمانه ثم جاءه إخوة تلك الفتاة ، فاستعاذ بالله منها ، ومع الإلحاح قبِل رعايتها ، ثم هو بعد ذلك يقدم الطعام عند باب صومعته ، ثم جاءه الشيطان يوسوس له بأن يضع لها الطعام عند باب بيتها ويتحجج بحجة كاذبة خادعة وهذه دائما صفة الشيطان ، ثم يبقى زمنا حتى يتعود العابد على ذلك ، ثم يأتيه ويأمره بأن يضع الطعام داخل بيتها ويحدثها ، ودائما ما يتخذ الشيطان وقتا حتى يتعود العابد على الأمر الجديد ولا يفيق من غفلته وما هو مقبل عليه ، ثم يصل به الحال إلى الزنا ثم القتل ثم الكفر .

أنت ستكون في مكان ما على سُلم الوصول إلى الله ، وسيحاول الشيطان أن ينزلك درجة من منزلتك وأنت لا تشعر ، ثم يأتيك مرة أخرى لينزلك درجة أخرى ، وهكذا ، فمثلا سيأتي أحدهم ليقول لك خذ نفس من هذه السيجارة فإني أراك مهموما ، فتقول له أنا لا أدخن ، فيقول لك خذ نفس ليذهب همك ، فتقول له وهل السجائر تُذهب الهم ؟ ، فيقول لك نعم ، وهذه هي الحجة الواهية الخادعة الكاذبة ، فإن أنت قبلت وأخذت النفس ، وسوس لك الشيطان أن بالك قد ارتاح وذهب الهم ، ثم يحدث لك موقفا بعد أسبوع مثلا ، فيأتيك الشيطان ويقول لك خذ نفس آخر ، فتأخذ نفس ثم يتلوه آخر وربما تُكمل السيجارة كلها ، ثم يقول لك كفى ، لقد ارتحت الآن ، ويبقى حالك زمانا ثم تجد نفسك وقد وقعت في التدخين والبداية كانت مجرد نفس .

لذا نجد أن الله عز وجل أمرنا بأن نلتزم بكل ما في دين الله وألا نتهاون في أمر منه ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } (208) سورة البقرة ، فبدخولنا في كل دين الله ، فنحن في أمان من اتباع خطوات الشيطان ، فالشيطان سيحاول أن يجعلنا نترك شيئا ولو يسيرا من الدين ، ثم شيء آخر وهكذا ، وقد أوضحت القصة السابقة هذا المعنى ، فكان ذلك العابد يتنازل عن شيء من الدين ثم شيء آخر حتى وقع فيما لا تحمد عقباه ، وإليكم القصة الثانية والتي حدثت في أيامنا تلك وهي تؤكد ذلك المعنى أيضا .

القصة الثانية : قصة الداعية .

روى لي أحد الشباب هذه القصة ، وقد عرّف نفسه لي بأنه شيطان ، وأنه جرب كل المعاصي الممكنة ولم يترك شيء إلا وقد فعله ، وهو الآن قد تاب إلى الله عز وجل وكان ذلك آخر عهدي به .

روى لي ذلك الشاب أنه قد تحداه أحد أصحابه وقال له أتستطيع أن تغوي تلك الفتاة ؟ ، فقال له ذلك الشاب نعم أستطيع ، وعقدا رهانا على ذلك ، فمن تلك الفتاة التي استحقت الرهان ؟ .

لقد كانت تدعو لدين الله في أحد المساجد ، وبالطبع كان عندها من الدين ما يؤهلها لهذا الأمر ، فذهب إليها ذلك الشاب في المسجد يسألها أسئلة في الدين ، وهو يعلم جيدا أن مستواها العلمي لن يصل إلى إجابة تلك الأسئلة ، وطبعا سألها هذه الأسئلة في وجود محرم وقد كان أخوها ، ثم هو جاءها مرة أخرى ومعه إجابة تلك الأسئلة التي كان قد سألها إياها ، وتحدث إليها ولكن هذه المرة لم تكن في وجود محرم معها ، ودار بينهما حوار قد تجاوز الدين بالتأكيد ، ومرة بعد مرة استطاع ذلك الشاب أن يأخذ رقم المحمول الخاص بها ، ثم جعلها تذهب إلى شقته ، حتى زنا بها ، وكذلك جعل أصحابه يفعلون بها الفاحشة ، لتصبح بعد ذلك أبعد الناس عن دين الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حاول ذلك الشاب أن يُثبت لي أنه ما من سبيل للنجاة من الشيطان ، إن أراد الشيطان إغوائنا ، مستدلا بهذه القصة ، إلا أني رددت عليه وسألته هل كان يجوز لك أن تتحدث مع تلك الفتاة بدون وجود محرم ؟ ، فقال لي لا ، فقلت له إذاً لا جديد ، فطالما أن الفتاة قد سمحت لنفسها أن ترتكب حراما يتلوه الحرام ، فقد فتحت الطريق لخطوات الشيطان التي قمت أنت بها ، وكانت النتيجة أن وقعت في الزنا وليس ذلك بغريب ، وليست هذه الفتاة فريدة من نوعها فأنت ربما قابلت الكثير من الناس كانوا ملتزمين وبعد فترة من الزمن تغير حالهم من حال إلى حال ، فالأمر يحتاج منا ألا نتبع خطوات الشيطان وألا نتهاون فيها أبدا أبدا ، وألا نغتر بديننا أو بإلتزامنا وأن نرجو من الله أن يثبتنا دائما على ما يحبه ويرضاه ، وأن نأخذ بأسباب الثبات من إلتزام بما أمر به الله ورسوله وألا نتهاون في معاصي الله مهما كانت صغيرة ، ولنحقق معنى أنه الرب ونحن العبيد فإن حدث ذلك ، فإنك موعود بالتثبيت { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء } (27) سورة إبراهيم .

السلاح الثاني : الرياء .

يقولون إن الفيروس صغير جدا ، ولا يمكن رؤيته إلا تحت أجهزة مكبرة غاية في الدقة والتكنولوجيا ، إلا أنه ورغم صغر حجمه يؤثر على الإنسان الذي هو أكبر منه بلميارات المرات !! ، فيقضي عليه بالموت ، أو المرض الذي يهز كيان ذلك الإنسان ، والرياء هو مثل الفيروس تماما قد يكون صغيرا جدا ولكن أثره عظيما جداً .

الرياء هو أن تعمل عملا تريد به نظر الناس إليك ، والرياء يصيب القلب ، وتكمن خطورته في أنه يُحبط عملك إن أصابه الرياء ولو كان ذلك العمل يزن عند الله جبل أحد ، ولكن بالرياء يصبح ذلك العمل لا يزن عند الله جناح بعوضة ، وهنا تكمن خطورة الرياء .

يحكي لنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة نفر كل واحد منهم قام بعمل عظيم ، فلقد قال صلى الله عليه وسلم [ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ ، قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ ، قَالَ: كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ ، قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ ، قَالَ: كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ ، قَالَ: كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ] رواه مسلم وغيره ، فالأول قاتل حتى مات ، وفقد أغلى ما يملك وهي حياته في سبيل الشهادة كما زعم ، ولكن الله يعلم أنه قاتل حتى يقال عنه شجاع ومقدام ، فحِبط ذلك العمل العظيم وأدخل النار بسبب الرياء ، والثاني رجل قضى عمره يتلعم ويُعلم الناس فلما جاء يوم الحساب ، اتضح أنه ما فعل ذلك إلا ليقال عنه عالم ، وقد قيل فحبط كل عمله ودخل النار ، والثالث أراد أن يقول الناس عنه أنه كريم ، وقد قيل ولكن الرياء أحبط عمله وأدخله النار .

تكمن خطورة الرياء في أنه متعدد الأشكال والأنواع ، وقد يرائي أحدنا دون أن يشعر أنه يرائي الناس ، لذا يمكن أن تقيس الرياء في أي عمل تعمله بوجود سرور يدخل قلبك لعلم أحد الناس بذلك العمل ، فإن وجدت ذلك السرور ، فاعلم أن عملك أصابه الرياء ، ويمكن تقسيم الرياء إلى قسمين :

رياء قبل البدء في العمل ، وهو الذي يفعله المرء لأنه يريد حمد الناس وثناءه عليه ، وذلك قبل العمل .
ورياء أثناء العمل ، فمثلا رجل ذهب ليتصدق ابتغاء وجه الله بمبلغ معين ، ثم لما علم أن أحد الناس ينظر إلى صدقته زاد في الملبغ الكثير ليُقال كم هو جواد ، وبهذا يحبط العمل الذي كان لله.

وللشيطان حيلة خبيثة يمارسها على العباد ، وهو أنه يقول لهم أتركوا هذا العمل ، مخافة الوقوع في الرياء ، فمثلا يقول لك لا تأمر فلانا بالمعروف أو تنهاه عن المنكر حتى لا يقول الناس " رجل صالح وشيخ " ، فإن تركك لهذا العمل الصالح هو مراد الشيطان ، ولتعلم أن تركك للعمل بسبب الناس هو أيضا من الرياء ، لذا خذها قاعدة وهي أنه مادمت وجدت في قلبك نية لعمل الخير ، فقم بعمله وإياك وأن تلتفت لما يقوله أو يظنه الناس فيك ، وإن طرق الرياء باب قلبك أثناء عملك ، فجاهد الشيطان وصحح نيتك ، ولا تترك العمل الصالح أبدا ، بل وجوِّده وحسنه حتى وإن رءاك الناس ، ولا تسمح له أن يوقعك في هذا الفخ ، فيضيع عليك ثوابك وأجرك.

أحيانا تعمل عملا صالحا ، وأنت تعلم يقينا أن الناس ستثني عليك بسبب هذا العمل ، وما من سبيل لعمله من وراء الناس ، فهل تتركه أم تعمله ؟

في مثل هذه الحالة عليك بالنظر إلى قلبك فإن علمت أنك تعمله للناس فصحح نيتك واستعذ بالله من الشيطان ولتبتغ به وجه الله وفقط ، ولتعلم أن ذلك من البشريات فلقد قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ [ تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ] رواه مسلم وغيره ، ومعنى عاجل بشرى المؤمن أن هذا دليل على رضى الله عنك ، وأن الله يُعجل لك بالخير ، فيحبك الله ، ويحبك خلقه ، وذلك مادمت لا تلتفت لحمد الناس وثناءهم عليك .

إذاً لا تعمل عملا تريد به الشهرة أو حمد الناس وثناءهم ، ولا تترك عملا خشية أن يقولوا كذا أو كذا بحثا منك عن الاخلاص ، فالاخلاص محله القلب ، فمادمت ترى أن العمل تريد عمله لله ، فافعل وتوكل على الله ، ولا تستمع لوساوس الشيطان أبدا ، واستعن بالله .

الآن أتممنا سلاحين فقط من الأسلحة الشيطانية ، وفي المرة القادمة نكمل البقية إن شاء الله ، وذلك حتى لا أطيل عليكم .

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحفني برأيك