الخميس، 30 أكتوبر 2008

تاريخ الأندلس ( 8 )

كل ما أستطيع أن أقوله عن هذه المقالة خاصة أن فيها شيء جميل لأنها تعرض عزة وذل المسلمين وتبين لك من هو عدوك الحقيقي وتستطيع أن تقارن بين أحداثها وبين ما يحدث الآن للمسلمين فالتأخذ العبرة ولتتعلم .

وقبل أن ندخل في أحداث هذه المقالة نود أن ننظر إلى بعض التعليقات الخاصة وبعض الأسئلة بخصوص الحلقات السابقة والشكوى من كثرة الأسماء والتواريخ والأرقام وفي الحقيقة تحدثنا في هذا الأمر وقلنا أن هذه المجموعة يذكر فيها كل الأسماء المؤثرة في تاريخ الأندلس ولكن ليس بالضرورة أن تحصى كل الأسماء أن تحفظ كل التواريخ وعلى سبيل المثال ما حدث في المقالة السابقة من صراع دام وطويل بين مجموعة من الخلفاء لمدة 13 سنة فلا يهم أن تحصى أسمائهم لأنهم ما حكموا إلا لجمع المال والدنيا وهي فترات كانت صعبة والمهم في هذا كله هو أخذ الدرس والعظة .

فلنلاحظ أثر الفرقة على المسلمين والتعاون مع النصارى ضد المسلمين وأثر ذلك على المجتمع الأندلسي أيضا أن تلاحظ الترف وأثره على القواد والشعوب وعلى الجانب الآخر هناك أسماء يجب أن تحفظ وتكون قدوة ونبراسا للناس أمثال موسى بن نصير وطارق بن زياد رحمهما الله وعبد الرحمن الغافقي وعبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر والحكم بن عبد الرحمن الناصر وبلا شك كان لهم أخطاء ولكنها لا تقارن أمام حسناتهم التي فعلوها .

نحن نلخص تاريخ 800 سنة فنرجو أن تعذرونا بسبب كثرة الأسماء والأحداث ولكي نتم هذا التاريخ على 12 مقالة فمطلوب أن تحتوي المقالة على 100 سنة أو أقل قليلا وذلك يجعلنا نتغاضى عن كثير من الأحداث ليس لعدم أهميتها ولكن لضيق الوقت والأمر يحتاج إلى دراسة طويلة وأنصح كل من يتابع هذه المقالات أن يقرأ المقالات أكثر من مرة فهذه دراسة وليس مجرد أن تأخذ بعض المعلومات من هذا التاريخ وفي كل مرة تقرأ فيها المقالة ستخرج منها بشيء جديد إن شاء الله لم يلفت إليه النظر في المقالات .

جاءنا سؤال عن حلقات الأندلس بصفة عامة وكان السؤال ( وكأنه ليس هناك أمل كلما قام المسلمين على أقدامهم سقطوا أليس من قيام لا سقوط بعده ؟ ) .

الإجابة :-
هذه سنة من سنن الله عز وجل الارتفاع والهبوط بصفة مستمرة منذ نزول الرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا بل وحتى يوم القيامة فيقوم المسلمون من ضعف ويأخذوا بأسباب القيام وهي كثيرة جدا وتحدثنا عنها في كل فترة من فترات القيام ومنها الإيمان بالله سبحانه وتعالى الاعتقاد بقدرته ونصرته ومنها الأخوة والوحدة بين الصفوف والتجمع ونبذ الفرقة والعدل بين الحكام والمحكومين وانتشار العلم والدين ومنها الأخذ بالأسباب من عدة وعتاد وخطط وعلم ومال وكل ما هو مستطاع في اليد فإن الله عز وجل يقول فيه كتابه { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } (60) سورة الأنفال ، فالإعداد المطلوب هو ما في استطاعة يدك فلو أنك باستطاعتك أن تعد 10 سيوف وأنت أعدت 5 فقط فإنك لن تنتصر ولو أعدت 10 فإنك ستنتصر وإن كان العدو يملك 100 سيف أو غير ذلك .

في بداية الأمر يكون القيام متدرج وفيه صبر وثبات من الناس ثم بعد ذلك يكون القيام باهرا ثم يحدث انتشار للدين بصورة ملموسة حتى تفتح الدنيا كثيرا على المسلمين وهنا تحدث طامة كبرى على المسلمين فلما تفتح الدنيا على المسلمين يصبر القليل ويقع في الفتنة الكثير وذكرنا من قبل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال ) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب .

هناك ملحوظة في التاريخ عجيبة جدا فعمر بن الخطاب رضي الله عنه أوقف الفتوح في سنة 17 هـ لسبب لم يتكرر في التاريخ بعد ذلك إلا في عهود قليلة من الأمراء الذين هم على شاكلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعمر بن الخطاب أوقف الفتوح في تلك السنة لكثرة الغنائم فقد جاءت الثياب المغطاة بالذهب والحرير وجاءت الجواهر حتى أنهم كانوا يقولون طرفة أنه لما كان العربي ينام قبل الفتوحات الإسلامية عندما يحلم لا يحلم برقم أكبر من ألف أي لا يحلم أنه يحصل على ألفي دينار فكان ألف دينار بالنسبة له ضخم فإذا به يجد أن الملايين تأتي عليه من الفتوحات فحدثت فتنة للناس وبدأت وجوه الناس تتغير .

فنظر عمر بن الخطاب بنظرة الرجل الحكيم إلى حال المسلمين ذلك الرجل العالم بسنن ربه فيجد أن المسلمين قد يملكون الدنيا ولكنهم سيخسرون الآخرة وهو كقائد مسلم يفهم قضية الإسلام والمسلمين كان همه الرئيسي أن يدخل شعبه الجنة وليس أن يدخلهم فارس ولو كان دخول فارس على حساب دخول الجنة إذن لا داعي لفارس فأوقف الفتوح رضي الله عنه وقال ( وددت لو أن بيني وبين فارس جبلا من نار لا أقربهم ولا يقربوني ) فلم يكن يريد هذا النعيم الذي جاءه من هذه البلاد ولم يعد في الفتوح إلا بعد أن هجم الفرس على المسلمين وخاف على المسلمين من الضياع نتيجة هجوم الفرس المتكرر فأجاز الفتح من جديد في سنة 18 هـ فهذا رجل يفهم ما يحدث للمسلمين فقد فهم أن المسلمين لما سكنوا في مدينة المدائن الضخمة ذات القصور العظيمة والترف الشديد تغيرت ألوان المسلمين فقد كان بهم اسمرار نتيجة العيش في الصحراء فجاءوه وقد تغيرت ألوانهم وأحوالهم فانظر إلى هذا الفهم الرائع لهذا الرجل ومن سار على نهجه .

إذن سنة من سنن الله عز وجل أنه إذا فتحت علينا الدنيا فإننا نتجه إلى السقوط ويثبت هذه السنة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) رواه أبو داود في سننه وصححه الحاكم في مستدركه .

فلماذا التجديد إن كان الأمر في علو دائم فلابد أن سيحدث سقوط ومن بعد السقوط ارتفاع وهذا الارتفاع سيكون على يد مجدد أو مجددين فقد يكون المجدد فرد كما قيل أن المجدد في القرن الثاني الهجري هو عمر بن عبد العزيز وكما قيل أن المجدد في القرن الثالث الهجري هو الشافعي رحمه الله وهكذا عددوا أسماءً وقد يكون جماعة من المجددين فهذا في أحد البلاد وهذا في بلد آخر وسيظل هذا الأمر دائما إلى يوم القيامة فالتاريخ الإسلامي مليء بالارتفاع والهبوط ولم يكن قاصرا على تاريخ الأندلس فحسب بل إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدوا ذلك بأعينهم فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة يحدث سقوط سريع وانهيار مروع وردة في كل أطراف جزيرة العرب ولم يبقى من البلاد التي لم تردت إلا مكة والمدينة والطائف وقرية صغيرة في شرق الجزيرة العربية تسمى قرية هجر فكل الجزيرة العربية ارتدت إلا هذه المدن فقط ثم حدث قيام في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفتوح وانتصارات وتفتح الدنيا في عهد عثمان رضي الله عنه فتحا كبيرا جدا ويدخل في الإسلام أفواج كثيرة في الإسلام ثم تحدث فتنة وانكسار في الأمة الإسلامية على اتساعها وهزات عظيمة تؤدي إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه وتكون فتنة عظيمة تستمر طيلة خلافة علي رضي الله عنه وسقوط كبير في الأمة الإسلامية ثم قيام من جديد في عهد الدولة الأموية واستكمال للفتوح ويستمر الأمر هكذا فترة من الزمان ثم يحدث سقوط مرة أخرى وعندما يحدث سقوط للدولة الأموية في آخر أيامهم يقوم بنوا العباس من جديد ويحدث عز وانتصار للإسلام ثم بعد ذلك ضعف وسقوط وهكذا الأيام .

فالدولة الأيوبية قامت في منتهى القوة ثم سقطت بعد ذلك ثم تلاها المماليك وقاموا في منتهى القوة ثم سقطوا بعد ذلك والخلافة العثمانية الراشدة التي فتحت شرق أوروبا كله قامت في منتهى القوة ثم سقطت بعد ذلك لماذا ؟ لكثرة الدنيا وانفتاحها وفتنة الناس في هذه الدنيا فهذه سنة من سنن الله ولا يجب أبدا أن تفت في عضد المسلمين فلابد من قيام للمسلمين بعد السقوط لابد ولابد للمسلمين من سقوط إذا فتنوا بالدنيا فالله ليس بينه وبين أحد نسب فإن ضل المسلمون وخالفوا طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فستكون الهزيمة لا محالة .
ومن الممكن أن يسأل سائل أين نحن الآن في هذا العصر الذي نحياه الآن من مراحل السقوط أم مراحل القيام ؟ .

من الواضح لنا جميعا أننا في مرحلة من مراحل السقوط وهو سقوط كبير جدا للخلافة العثمانية التي كانت في أعلى درجات المجد في وقت من الأوقات ثم بدأت تضعف وتضعف حتى سقطت وتفرق المسلمون وضعفت الشوكة وهذا شيء طبيعي جدا لأن هذا من سنن الله ولكن الحق يقال أن هذا السقوط الجديد أي سقوط الدولة العثمانية فيه ظاهرة غير متكررة في السابق فهناك شيئان جديدان على الأمة الإسلامية وهما :

أولا : غياب الخلافة .
فعلى مدار الفترات السابقة من السقوط لم تغب الخلافة حتى في صورتها الضعيفة فقد كانت هناك خلافة ضعيفة ولكن الناس قد تلتف حول الخليفة الضعيف فتقويه بقوتها أما الآن في عصرنا هذا فلا يوجد خليفة وضاع رمز الخلافة وانتهت فكرة الخلافة من أمام الناس ولابد أن تعود إلى أذهان الناس من جديد .

ثانيا : غياب الشرع الإسلامي .
فعلى الرغم من السقوط الشديد للمسلمين على فترات التاريخ المختلفة فلم يكن أبدا يلغى الشرع وكان يطبق بكل أطرافه نعم كانوا يتجاوزن أحيانا ولكن أبدا ما ظهرت دعوة تقول جنبوا الشرع وأتوا بقوانين البشر لتحكم الناس وهذا الأمر لم يحدث إلا في عصرنا هذا مما يجعل مسألة الإصلاح صعبة ولكنها لن تكون مستحيلة لأنه يستحيل أن يتعارض شيء مع سنن الله سنن الله أنه ما يحدث سقوط للمسلمين إلا ويقومون من جديد ولكن أن يحدث سقوط لا يتبعه قيام فهذه ليست من سنن الله عز وجل مع المسلمين فأي أمة من أمم الأرض لابد لها سقوط بعد قيام لكن الاختلاف بين أمم الأرض وأمة الإسلام أن هذه الأمم قد تسقط ولا تقوم فأين حضارة الفراعنة فقد اندثروا في الأرض وماتوا جميعا ولم يكن لهم قيام بعد ذلك وأين حضارة اليونان والرومان وأين حضارة انجلترا التي كانوا يسمونها الإمبراطورية التي لا تغرب عنها شمس لكن أمة الإسلام لا تموت وهذا وعد الله للمؤمنين فقد قال تعالى { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } (21) سورة المجادلة .

يا أيها الناس أبشروا وأَمِّلوا فلقد استمر السقوط للأمة الإسلامية منذ أوائل القرن العشرين ثم سقطت الخلافة العثمانية في سنة 1924 م ثم استمر السقوط حتى أوائل السبعينات ثم حدث قيام في كل الأمة الإسلامية في منتصف السبعينات إلى ما نحن فيه الآن فانظر إلى الشباب وكم عددهم في المساجد وانظر إلى المحجبات في الشوارع وفي كل أطراف العالم الإسلامي وانظر إلى المراكز الإسلامية في أوروبا وانظر إلى جمهوريات روسيا السابقة والتي هي إسلامية مثل أوزبكستان وكازاخستان وحتى الشيشان والتي لم تتحرر بعد والتي نسأل لها التوفيق والانتصار على عدوهم فانظر إلى الإسلام في هذه البلاد بعد احتلال دام أكثر من 300 عام من روسيا النصرانية ثم روسيا الشيوعية ولكن الإسلام فيه صحوة وقيام وهو قيام تدريجي ولا تستعجل النصر وانظر إلى ما فعله عبد الرحمن الداخل ثم عبد الرحمن الناصر والذي كان يقوم بخطوات بطيئة في التغيير والتعليم والتربية ونشر الإسلام ثم انفراجة تحدث للمسلمين مثل انضمام سرقسطة معه وموت عمر بن حفصون وهذه سنة من سنن الله عز وجل وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة رضي الله عنها وبعد موت عمه أبي طالب وكيف خرج من مكة ذاهبا إلى الطائف وكيف رمي بالحجارة وكيف عاد يعرض الإسلام على القبائل المختلفة التي تأتي للإسلام ولا يقبل منه أحد ثم أسلم له ستة من الخزرج فدخلوا بالإسلام إلى المدينة المنورة ثم ينقضي عام ثم عامان وتأتي بيعة العقبة وفتح من الله وفتح كبير ثم بدر ثم أحد ثم فتح مكة فهذا أمر لابد أن نتفكر فيه .

نحن الآن وفي وقتنا هذا في مرحلة قيام متدرج فمطلوب من الشباب ألا يستعجلوا فإنه لا محالة ستحدث انفراجة ولكن متى هي ؟ في الواقع يعلمها الله ولكن المهم أين الصابرون وأين الثابتون ؟ .

بعد هذه المقدمة الهامة نعود لما كنا عليه في المقالة السابقة حيث ذكرنا أنه بعد موت عبد الرحمن المنصور الحاجب الذي كان يتولى الحجابة على هشام بن الحكم هذا الخليفة الذي كان صورة للخليفة فقط حدث انهيار مروع وقسمت البلاد إلى 22 دويلة مع أنها صغيرة وليست شاسعة وللنظر على واقع هذه الدويلات وكيف كانت الشعوب فيها وكيف كان الإسلام .

أولا : كل أمير لهذه الدويلات أعلن أنه أمير للمؤمنين ليس فقط أميرا على مدينته ولكنه أمير المؤمنين وكأنه يستحق أن يكون أميرا للمؤمنين في الأرض حتى كان الرجل في ذلك الوقت يسير مسيرة اليوم والليلة فيمر على ثلاثة من أمراء المسلمين في يوم وليلة وذلك لصغر حجم هذه الدويلات حتى أن كل دويلة من هذه الدويلات خصصت لنفسها علما خاصا بها ورئيسا أو أميرا لها وجيش خاص بهم وسفراء خاصة بهم وهم لا يملكون أي مقومات للدولة وليتهم بعد كل هذا التفتت رضوا بما في ملكهم ولكن كل منهم كان ينظر لما في يد أخيه وكانوا يختلفون على الحدود فيما بينهم فبدأوا يتصارعون سويا فقرطبة تصارع أشبيلية وبلنسيا تصارع سرقسطة وهكذا كان صراع بين الدويلات الإسلامية .

وعند تحليل الموقف ربما نظن أن الخلفاء كانوا أشرارا وطامعين في ملك غيرهم ولكننا نسأل سؤالا أين الشعوب ؟ هل كان الخليفة يحارب وحده ؟ وكيف زين للشعب الخروج وقتال غيرهم من المسلمين ؟ .

إذا نظرنا للإعلام الموجود في هذه الفترة هو الشعر فإن الشعراء كانوا يتحدثون عما يجري في البلاد فتجد أن معظم أبيات الشعر التي تقال في هذه الفترة هي تمجيد لهؤلاء القواد الذين يقودون الشعوب فإنهم يجعلون القائد وكأنه نصف إله فهو يشرع وله حكمة عظيمة وبأس شديد ونجدة عظيمة للمسلمين وتظهر أموال كثيرة ومبان عظيمة فيفتن الناس بهذا فيتبعونه فيما يقول .

وكان أيضا هناك ضغط قوي من الجيوش التي تتبع الحكام فالناس لا تستطيع أن ترفع أصواتها في وجوه هؤلاء الطواغيت لأن الحكم كان بالحديد والنار كما يقولون .

أيضا ظهرت فتاوى خاصة تصرح لقرطبة أن تغزو أشبيلية وتصرح لأشبيلية أن تغزو بطليوس وتصرح لبطليوس أن تغزو ما حولها .

وهناك كارثة ظهرت في هذا الوقت وهي التعاون مع النصارى فكل مدينة تعتبر نفسها دولة ولها جيش ولكنه ضعيف البنية وقليل السلاح فلابد أن يتخذ له عونا وهذا يريد أن يحارب أخوه في الإسلام فيأتي بمن ليعاونه على حربه ؟ يذهب للنصارى ومن هؤلاء من ذهب لأمير قشتالة ومنهم من ذهب إلى أمير أرجون ومنهم من ذهب إلى ليون وكلٌ يأخذ نصير من الدول النصرانية الموجودة في شمال الأندلس والتي ما كانت تكون في هذا العهد إلا 25 % فقط من أرض الأندلس والتي كانت تدفع الجزية لعبد الرحمن الناصر وللحكم بن عبد الرحمن الناصر وللحاجب المنصور هي الآن تساعد بعض المسلمين لحرب بعض المسلمين ( ما أشبه اليوم بالبارحة ) .

بل حدث أشد من هذا فقد ظهرت مهزلة لا تتخيلوها إذ أن أمراء هذه الدويلات بدأوا يدفعون الجزية لملوك النصارى فقد كان ألفُنْسُو السادس أكبر ملوك النصارى في ذلك الوقت وهو حاكم إمارة قشتالة وقشتالة قد تضخمت وضمت إليها مع الوقت مملكة ليون وكان أمراء المسلمين يدفعون الجزية إليه حتى يحافظ على ملكهم في بلادهم وكان يسبهم في وجوههم فما يقولون له إلا ما نحن إلا جباة أموال لك في بلادنا أي نجمع لك المال من الشعب وذلك حتى يحافظ لهم على حكمهم في بلادهم وانظر إلى قوله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ @ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } (51 ، 52 ) سورة المائدة .

ففي اعتقادهم أنهم لا يستطيعون حرب هذه الدول فأين سيوفنا من سيوفهم وأين خيلنا من خيلهم وأين سلاحنا من سلاحهم ( وأين طائراتنا من طائراتهم ) ( وأين دباباتنا من دباباتهم ) ولذلك كان لابد من العون والمساعدة من النصارى المحيطين بالدولة الإسلامية يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فهم يخافون أن يضيعوا وأن يقتلوا ولكن عسى أن يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيندموا على فعلهم هذا كما سنرى في آخر عهد ملوك الطوائف كيف سيأتي النصر ؟ فالآية تصف وصفا دقيقا جدا لهؤلاء الحكام ومن على شاكلتهم والقرآن يجب أن يفهم جيدا فهو ليس للبركة أو يحفظ في السيارة أو البيت ولكنه منهج ودستور يربي المجتمع وليس هناك نجاح ولا فلاح إلا بإتباع كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم واذكروا قول الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (57) سورة المائدة .

فكان هذا هو واقع الأمراء في الأندلس وكانوا جميعا يدفعون الجزية إلا مملكة واحدة فقط وهي مملكة مترامية وهي مملكة بطليوس وكان عليها رجل اسمه المتوكل بن الأفطس رحمه الله وهذا الرجل كانت عنده عزة مع أن مملكة صغيرة جدا ولم يستطع أن يجمع الناس فكلٌ لاهي لما هو فيه فلم يستطع أن يفعل مثلما فعل عبد الرحمن الناصر أو غيره من المصلحين لكنه كان في حاله ولا يدفع للنصارى وكان النصارى يعلمون أنه خارج عن الشرعية التي حكمت البلاد في ذلك الوقت فخرج الرجل عن المألوف وكان الكل يدفع إلا هو فلماذا أنت بالتحديد تعتز بإسلامك ؟ فأرسل له ألفنسو السادس رسالة شديدة اللهجة يطلب فيها منه أن يدفع الجزية كما يدفعها إخوانه من المسلمين في الممالك الإسلامية المجاورة فأرسل له ردا عجيبا وذلك لنعلم أن للمؤمن عزة في أشد أوقات الانحدار وذلك إن أراد أن يكون له عزة فلننظر إلى رد المتوكل بن الأفطس رحمه الله ( وصل إلينا من عظيم الروم ( ألفنسو السادس ) كتاب مدعٍ في المقادير وأحكام العزيز القدير يرعد ويجمع تارة ثم يفرق ويهدد بجنوده المتوافرة وأحواله المتظاهرة ولو علم أن لله جنودا أعز بهم الإسلام وأظهر بهم دين محمد صلى الله عليه وسلم أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون ، بالتقوى يعرفون وبالتوبة يتضرعون ولئن لمعت من خلف الروم بارقة فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليميز الله الخبيث من الطيب ويعلم المنافقين ) فلننظر لهذه الفقرة التي قال فيها المتوكل إن ظهر الروم في هذه الفترة وعلا شأنهم ولمعت من خلف الروم بارقة وهذا ظهور مفاجئ للنصارى فهذا بإذن الله ليعلم المؤمنين وليميز الخبيث من الطيب ويعلم المنافقين أما عن تدهور أحوال المسلمين ولماذا حدث لهم هذا فلننظر ماذا قال المتوكل في هذا وللنظر لفكره فقد قال ( أما تعييرك للمسلمين فيما وَهَى من أحوالهم فبالذنوب المركونة ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك لعلمت أي مُصَاب أذقناك كما كانت آباءك تتجرعه ) فتذكر يا ألفنسو السادس أيام عبد الرحمن الناصر وأيام الحاجب المنصور ثم يقول ( وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك لما أجبر أجدادك على دفع الجزية حتى أهدى جدك أحد بناته إليه ) فجد ألفنسو السادس ملك نافار أرسل ابنته هدية للحاجب المنصور وهي أم عبد الرحمن المنصور الذي ذكرناه في المقالة السابقة فكان المتوكل يُذكِر ألفنسو هذا بأن جده أعطى ابنته هدية للحاجب المنصور حتى يأمن شره ويكمل فيقول ( أما نحن إن قَلّت أعدادنا فما بيننا وبينك بحر نخوضه ولا صعب نروضه ) فيخبره أنه ليس ما بين المسلمين وبين هذا الرجل مسافات فقد كانت بطليوس في غرب الأندلس وكانت قريبة من قشتالة التي في شمال الأندلس فقد كان يقول له أنه ما كانت بيننا جبال ولا صعاب فتعالى وليس بيننا وبينك إلا السيوف فانظر إلى عزة الإسلام حتى في وقت الضعف هذا ثم أكمل قائلا ( ولا صعب نروضه ليس بيننا وبينك إلا السيوف تشهد بحدها رقاب قومك وجلاد ( الضرب بالسيوف ) تبصره في ليلك ونهارك وبالله تعالى وملائكة المسومين نتقوى عليك ونستعين ليس لنا سوى الله مطلب ولا لنا إلى غيره مهرب وما تتربصون بنا إلا إحدى الحسنيين نصر عليكم فيا لها من نعمة ومنة أو شهادة في سبيل الله فيا لها من جنة ) انظر يا أخي إلى حلاوة هذا الكلام ولهذا القلب المؤمن بالله وختم رسالته ووصلت إلى ألفنسو السادس وكان رد فعل هذا الرجل على المتوكل الذي لم يدفع الجزية من قبل أنه ما استطاع أن يرسل له جيشا وقد غزا كل بلاد المسلمين في الأندلس إلا بطليوس فلم يستطع أن يغزوها فرجل مثل المتوكل ومن معه من الجنود لا يستطيع أحد أن يقاومهم مع قلة عددهم وذلك لأن عزة الإسلام ترفع من شأن صاحبها وتلك كانت صورة من الصور المشرفة في الأندلس .

عموم الأمر في الأندلس لم يكن على شاكلة المتوكل ولن نستطيع أن نقول التفاصيل الخاصة بكل مملكة وهذه التفاصيل موجودة في الكتب ولكن سنعطي بعض الصور فصورة من مملكة سرقسطة والتي كان يحكمها بنوا هود نجد أن الرجل الحاكم عندما وافته المنية أراد أن يستخلف أحد على الحكم من بعده وكان عنده ولدين ولد كبير وكان يستحق الاستخلاف كما هي العادة في ذلك الزمان ولكن الصغير أنجب من الكبير فلمن يعطي الحكم ؟ وقد علمنا أن عبد الرحمن الداخل أعطى الحكم للصغير لأنه كان يشبه عمر بن عبد العزيز ولكن الذي حدث مع هذا الحاكم أنه فعل شيئا لم يتكرر فقد قسم البلد إلى نصفين قسم الشعب نصفين وقسم الجيش نصفين حتى لا يظلم أحد الأخوين وحتى لا يظلم الأخوين ظلم الشعب كله ومات بعد ذلك وارتاح لأنه لم يظلم أولاده .

بعد موت هذا الرجل اختلف الأخوان على الحدود فبدأ هذا يهجم على أخيه لأن أخيه أخذ جزءا من الأرض التي أعطاها أبوه لها ولم يكن له طاقة للهجوم لأن الجيش كان مقسما لنصفين فماذا يفعل هذا الأخ المجرم في حق نفسه وشعبه لكي يأخذ الأرض التي احتلها أخوه على حد زعمه فراح يستعين بملك نصراني ليحرر له أرضه من أخيه المسلم ويقول هذا أمر هين أن آتي بنصراني ليساعدني في تحرير الأرض الإسلامية التي أخذها مني أخي ثم قالوا له إن النصراني الذي ستأتي به هذا سيأخذ الأرض ويضمها لأملاكه فقال وما المشكلة فالمهم أني أخذت ما أريد والنصراني يساعدني وهو صديق وهي دولة صديقة مجاورة ( نعم صديقة مجاورة ) فدولة أرجون ستساعدني في أن آخذ حقي من أخي .

وبالفعل أتي النصارى ودخلوا على البلاد وفي الطريق تسببوا في مآسي لا تحصى في المسلمين في مملكة سرقسطة وأذكر ما حدث في بربشتر وعرفت في التاريخ بمأساة بربشتر واسمع يا أخي وافهم وتدبر وانظر لما يحدث في هذا العصر الآن في بلاد البوسنة والهرسك وفي كشمير وفي كوسوفا وفي العراق وفي فلسطين وقارن بينه وبين ما يحدث في التاريخ من جراء ما فُعل قبل حوادث بربشتر فقد دخل النصارى على بربشتر البلد المسلم ليحرروه ويعطوه للأخ المسلم الذي ادعى أن أخاه استلب منه أرضه وحاصروا بربشتر أربعين يوما والمسلمين في بربشتر يستغيثون بكل أمراء المسلمين في كل أنحاء الأندلس ولا يتحرك أحد ( نعم لا يتحرك أحد مهما فعلوا في العراق وفلسطين لا يتحرك أحد ) وفي قلوب هؤلاء الأمراء رهبة شديدة من النصارى فيقولون أنهم ليست لهم بالنصارى طاقة ولا يستطيعون حربهم لأنها دولة صديقة ( نعم صديقة جدا ) وكانوا يتناقشون أربعين يوما فيما يفعلوه مع النصارى ( نعم كانوا يعقدون مؤتمرات القمة والمناقشات ) .

وفي النهاية فُتحت بربشتر وكانت النتيجة أن قُتل في يوم واحد من المسلمين 40 ألفا وفي رواية أخرى 100 ألف وذلك في يوم واحد وسبيت سبعة آلاف فتاة بكر منتخبة أي أجمل سبعة آلاف فتاة بكر في المدينة وأعطيت هدية لملك القسطنطينية فتخيلوا هدية لملك القسطنطينية من بنات المسلمين وتُذكر في الكتب مآسي أخرى حيث كانوا ينتهكون عرض البكر أمام أبيها وعرض الثيب أمام زوجها وهكذا فُعل في بربشتر واستغاث أهلها بكل بلاد المسلمين ولكن لا أحد يتحرك ( ولماذا يتحركون أمن الله يخافون ؟ ) فانظر إلى ما حدث في بربشتر وتفكر وتدبر .

أما مأساة بلنسيا فكانت في سنة 456 هـ حيث كان ستين ألف مسلم قتلى في بلنسيا في هجوم للنصارى عليها فمن يتحرك ؟ لا أحد ..... إنه بالفعل أمر غريب ونحن نتساءل ماذا كان شعور هؤلاء الحكام وهم يرون ما يحدث ولا أحد يتحرك وماذا كان شعور شعوبهم وهم يرون ما يحدث ولا أحد يتحرك ونقول أنتم أيضا رأيتم ما حدث في البوسنة والهرسك فمن تحرك لخمسين ألف فتاة مغتصبة ؟ ومن تحرك لمائتي وخمسين ألف قتيل في البوسنة ؟ غير كوسوفا وكشمير وفلسطين والعراق فكنا نقول الله معهم الله ينصرهم وليس لنا في نصرهم حاجة .

كان هذا موقف من المواقف الموجودة في بلاد الأندلس ومثل هذا الموقف مواقف كثيرة ومتعددة فهل يا ترى المسلمون كانوا فقراء ؟ .

في الحقيقة أنهم كانوا في منتهى الغنى وقد حدث موقف في أشبيلية التي كان يحكمها رجل يسمى المعتمد على الله بن عباد وهذا كان مجرد اسم وقد كانت زوجته واقفة في القصر أي في نافذة القصر التي هي فيه وتشاهد الجواري يلعبن في الطين خارج القصر فاشتهت أن تلعب في الطين وبالطبع لا يعقل أن تنزل زوجة الأمير وتلعب في الطين فماذا يفعل زوجها ؟ اشترى لها كميات كبيرة من المسك والعنبر وماء الورد وخلط كل هذا بالطين حتى جعل لها طينا خاصا بها أي طين ملوكي ( الله أكبر ) طين قد صُرف عليه أموالا ضخمة من بيت مال المسلمين سفها ونزلت تلعب في الطين يوما أو يومان ثم مللت من اللعب به وعادت إلى قصرها ومرت الأيام وضاع مُلك هذا الرجل وفي يوم من الأيام بعد أن ضاع ملكه تشاجر مع زوجته وكعادة النساء عندما يغضبن من أزواجهن فقالت له ( ما رأيت منك من خير قط ) فقال لها ( ولا يوم الطين ؟ ) فسكتت واستحيت ذلك لأن يوم الطين صُرف عليه الكثير من أموال المسلمين فانظر إلى السفه الذي وصل إليه المسلمين .

وعلى الرغم من ذلك فإنك تجد شعرا يصف المعتمد على الله بن عباد بالعزة والكرامة والمجد والبأس ونقول إن الإعلام في ذلك الوقت هو الذي كان يصوره في هذه الصورة وهذا مخالف ولا شك للواقع ولكن مع كل هذا التفخيم والتعظيم للأمراء كانت هناك بعض المحاولات للمصلحين فكانت هناك دعاوى إصلاحية ولكنها كانت مكبوتة فـــقد كـــان واحد من الشعراء يقول في هذا الزمن :

مما يزهدني في أرض أندلسٍ ألقاب معتضد فيــها ومعتمد
ألقاب ممالك في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد

فقد كان يقصد أن الشيء الذي أكرهه في تلك البلد أن فيها ألقاب معتضد بالله ومعتمد على الله وقد كان المعتضد أبا للمعتمد على الله ويتحدث عن الهر ويقول إنها تعطيك انتفاخا يشبه انتفاخ الأسد ولكنها مجرد صورة ولن تكون أسدا أبدا فأين الهر من الأسد وبلاد الأندلس كان فيها قادر بالله ومعتصم بالله ومستكفي بالله ومؤيد بالله ولما ننظر للمعتمد على الله نجد أنه كان يدفع الجزية لألفنسو السادس مع أن أشبيلية في الجنوب الغربي من بلاد الأندلس أي أنها بعيدة عن مملكة قشتالة ومع ذلك كان يدفع الجزية وكان يسمي نفسه معتمد على الله .

أيضا كان هناك مصلحون آخرون في هذه الفترة ونتعجب لهؤلاء كيف كانوا في هذه الفترة فابن حزم رحمه الله الفقيه الإسلامي المشهور كان في هذه الفترة وابن عبد البر وابن حيان وأبو الوليد الباجي وكثير من علماء المسلمين والحق يقال أنهم حاولوا قدر استطاعتهم أن يجمعوا الناس لكن تخيل معي حال المسلمين في 22 دويلة وتريد تجميعهم في دولة واحدة بالعلماء فقط فهذا شيء مستحيل فيقولون نحن موافقون على الوحدة ولكن من سيكون الرئيس ؟ فالناس جميعا ترفض الانضمام تحت راية واحدة حتى في وجود أفاضل من علماء المسلمين .

{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران ، فانظر للنعمة التي أعطاها الله للمؤمنين وكيف هم فرطوا فيها وكيف أنهم كانوا على شفا حفرة من النار كانوا سيقعون فيها لولا أن أنقذهم الله عز وجل كما سنرى وانظر لقول الله تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (105) سورة آل عمران ، فأنت يا حاكم المسلمين في الأندلس ألم تعرف كيف كان عبد الرحمن الناصر الذي أعز الله به الإسلام وكانت دولته موحدة ألا ترضى أن تكون تابعا لأمير من المسلمين وترضى أن تكون تابعا لملك نصراني ؟ فقد كان هذا واقع المسلمين في بلاد الأندلس .

وتتصاعد المأساة في بلاد الأندلس أكثر من ذلك ففي سنة 478 هـ تحدث كوارث كالطامة على المسلمين أكثر من ذلك ففي هذه السنة تسقط طليطلة الثغر الإسلامي الأعلى في الأندلس والتي كانت عاصمة الأندلس في زمن النصارى القوط قبل دخول المسلمين في عهد موسى بن نصير وطارق بن زياد والذي فتح طليطلة بستة آلاف فطليطلة التي كانت الثغر الذي ينطلق منه عبد الرحمن الناصر ومن تبعه من الحكام المحترمين لبلاد المسلمين كانوا ينطلقون من طليطلة لفتح بلاد النصارى وليستقبلوا من بلاد النصارى الجزية وهي المدينة الحصينة والتي حولها جبال من كل النواحي إلا الناحية الجنوبية حصن كبير ومنيع فقد كانت مدينة لا تسقط ولكنها سقطت وسقوط هذه المدينة هز العالم الإسلامي في الشرق والغرب وقد سبقه استقبال لملك من ملوك النصارى لمدة تسعة شهور كاملة داخل أرض طليطلة لأنه كان هاربا من خلاف حدث في أرض النصارى فذهب إلى صديقه المقتدر بالله الذي كان حاكما لطليطلة في ذلك الوقت والقائد المسلم غير المحنك والمفرط في حق المسلمين كان يتجول به في أرض المسلمين فيتجول به في كل الحصون ويتجول به في كل مداخل البلد وعلى أبواب الأنهار الداخلة لمدينة طليطلة حتى عرف الرجل كل شيء بمدينة طليطلة ثم عاد الرجل النصراني إلى بلاده حاكما وأول خطوة اتخذها بعد أن عاد لبلاده دخل على طليطلة ففتحها وضمها إلى بلاده .

فكيف يفعل هذا ؟ ألم يكن صديقا للمقتدر بالله ؟ انظروا أيها الناس لقول الله عز وجل وكأنه يصف سقوط طليطلة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } (1) سورة الممتحنة ، وضل المقتدر بالله سواء السبيل فسقطت طليطلة بعد أن أسروا لملك النصارى بأسرارها ولما سقطت النصارى حدث إحباط شديد جدا في كل بلاد الأندلس وانظر ماذا قال الشعراء وماذا قال الإعلام في هذا الوقت في بلاد الأندلس فيقول بن العسال وهو من المعاصرين لسقوط طليطلة :

شدوا رواحلكم يا أهل أندلسٍ فما المقام فيها إلا من الغـــــلط

( يريد أن يرحل أهل الأندلس إلى الشام أو المغرب فلا فائدة من الوجود في الأندلس )

الثوب يُنسل من أطـــرافه وأرى ثوب الجزيرة منسولا من الوسط

( يقصد أن البلاد تُحتل من الأطراف لكن الأندلس احتلت من الوسط وكيف تحتل وهي في وسط الأندلس وأين الحصون الشمالية التي تحميها ولكنها سُلمت للنصارى كما ذكرنا في المقالة السابقة )

من جاور الشر لا يأمن بوائقه كيف الحياة مع الحيات في سخط

( يقصد كيف تجاور قشتالة وهي شر وكيف تعيش معها في بلد واحد فالأفضل اترك الأندلس )

وهناك أمر آخر تزامن مع سقوط طليطلة وهو حصار أشبيلية ومع أنها تدفع الجزية لألفنسو السادس وهي بعيدة عن قشتالة وهي في الجنوب الغربي للأندلس فاسمع القصة وتعجب فألفنسو السادس أرسل وفدا لأخذ الجزية كالمعتاد وعلى رأس هذا الوفد وزير يهودي يجمع الجزية من بلاد المسلمين وذهب الوفد للمعتمد على الله بن عباد وأعطى له الجزية كالمعتاد ولكن الوزير أخبره أن لديه طلبا آخر فقد قال له الوزير وانظر إلى قبح القول ( إن زوجة ألفنسو السادس ستضع قريبا وألفنسو السادس يطلب منك أن تجعل زوجته تلد في مسجد قرطبة ) فالمعتمد على الله تعجب من هذا الطلب وقد استنكر هذا الطلب فقال له لماذا هذا الطلب ؟ فقال الوزير اليهودي في منتهى التحدي للمعتمد على الله ( لقد قال قساوسة قشتالة لألفنسو السادس أنه لو وُلد لك ولد في أكبر مساجد المسلمين دانت لك السيطرة عليهم ) يعني أن ألفنسو يريد أن يأخذ السيطرة على المسلمين فليجعل زوجة ألفنسو تلد في المسجد .

في هذه المرة تحركت الغيرة في قلب المعتمد على الله والحمد لله أنها تحركت بعد سنين وسنين من دفع الجزية فرفض المعتمد على الله هذا الطلب وأخبره أنه يدفع الجزية أما عن هذا الطلب فلا ولكن الوزير اليهودي أساء الأدب مع المعتمد على الله فسبه في حضرة وزراءه فلم يتحمل المعتمد على الله هذا الأمر فأمسك بالوزير اليهودي وقطع رأسه واعتقل الوفد وأرسل رسالة لألفنسو السادس يقول له فيها أنه لن يدفع الجزية وأن زوجته لن تلد في مسجد قرطبة .

جن جنون ألفنسو السادس وآتي بكل ما يستطيع وأتى بجيش كبير وأحرق كل القرى حول حصن أشبيلية الكبير وحاصر البلاد وقال إن لم تفتح سأستأصل خضرائكم ولكن المعتمد على الله خاف أن يفتح فطاول في الحصار وبعد فترة من الزمان شهر أو شهرين أراد ألفنسو هذا أن يفت في عضد المسلمين ويلقي بالهزيمة النفسية عندهم فأرسل رسالة قبيحة أخرى إلى المعتمد على الله بن عباد يقول له فيها ( إن الذباب قد آذاني حول مدينتك فإن أردت أن ترسل لي مروحة أروح بها عن نفسي فافعل ) ترى ما هو مغزى الرسالة ؟ يقصد أن أكثر ما يضايقه في الحصار الذباب إنما أنت وجيشك وحصونك وأمتك أهون علي من الذباب فلو سمحت أرسل إلي مروحة أروح بها عن نفسي .

المعتمد على الله بن عباد أخذ تلك الرسالة وقلبها وكتب على ظهرها ردا وأرسله إلى ألفنسو السادس وهذا الرد عبارة عن سطر واحد فقط قرأه ألفنسو السادس فأخذ جيشه وانصرف فسبحان الله أخذ جيشه كله وعاد إلى قشتالة وكأن شيئا لم يكن .

ترى ما هو هذا الرد الذي كتبه المعتمد على الله بن عباد ؟ ، ترى كيف القيام بعد هذا الانهيار المروع في بلاد الأندلس ؟ ترى كيف حال الدولة التي ستنشأ من جديد في بلاد الأندلس ؟ فهذا ما سنتداوله في المقالة القادمة إن شاء الله .

هذا تلخيص لأحد دروس الشيخ راغب السرجاني عن الأندلس

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحفني برأيك