الخميس، 30 أكتوبر 2008

البيئة المحيطة بصلاح الدين

إن للبيئة المحيطة أثر بالغ على تكوين شخصية الأطفال ولذلك سنلقي الضوء عن البيئة التي كانت محيطة بصلاح الدين الأيوبي وكيف كان لها ذلك التأثير في شخصيته بعد ذلك .

ولقد تبين لنا مدى المسئولية الملقاة على عاتق الأبوين لتربية الأطفال وفقا لأسس سليمة ويتميز دور الأم على وجه الخصوص فى المرحلة التى يكون فيها الطفل من ثلاث إلى سبع سنوات وكانت أم صلاح الدين خير مثال على ذلك بما بذلته من جهد عظيم فى تربية ابنها ولذلك فعلى كل أم أو فتاة تستعد للزواج أن تقتدى بتلك الأم إذا ما أرادت لإبنها نجاحا وفلاحا فى الدنيا و الآخرة بإذن الله تبارك وتعالى .

ولكن هل كل أب وكل أم مؤهلين لتحمل هذه المسئولية ؟ أم من الأحرى مراجعة الذات والعمل على التحلى بالصفات الخمسة للشخصية السوية حتى يكون هناك مربون وليس معطلون لأجيال قادمة ؟ .

لقد أدرك المحللون للمناخ العام الذى تعيشه الأمة الإسلامية حاليا أن مجتمعنا على ما هو عليه يعانى من أربع أزمات معطلة للتقدم وقد نجح القائمون على تربية صلاح الدين فى تلافى تلك المعطلات .

وتتجسد أولى هذه الأزمات فى التخلف الواضح فى مظاهر الحياة كلها حتى على الجانب الدينى وكل ذلك ناتج عن عدم الإستعانة بالأساليب السليمة فى ايجاد حل للقضايا المختلفة .

أما الأزمة التى تشهد قدرا غير محدود من العشوائية فهى أزمة ندرة القيادة الكفء وذلك يرجع إلى أن اختيار الغالب الأعم من القيادات الحالية يتم تبعا لظروف خاصة لا صلة لها بالكفاءة والمهارة والخبرة .

هذا بالإضافة إلى أزمة عدم الإنتماء إلى هويتنا الأصلية وعلى سبيل المثال كيف يمكن التحدث عن مجتمع ينتمى إلى الإسلام وفى حين أنه عندما أعلنت الأمم المتحدة عن جمع توقيعات من الدول الإسلامية لمعارضة الغزو الأمريكى لأفغانستان كان عدد الموقعين لا يتجاوز ثلاثة مليون مسلم من أصل مليار ومائتين وخمسين مليون مسلم يعيشون على وجه الكرة الأرضية ؟ وفى المقابل كم من ملايين المشاهدين يقبلون يوميا على الإتصال بالبرامج التليفزيون بغية الفوز بجائزة مالية تشوبها الحرمة ؟ فما هى هويتنا إذن ؟ هل هى هوية غنائية دنيوية أم هوية إسلامية تؤدى بصاحبها إلى السعادة فى الدنيا و الاخرة بإذن الله العلى القدير ؟ .

ولا ينبغى أن نغفل أثر الأزمة الرابعة فى تدهور أحوال الأمة ألا وهى أزمة انحدار الفاعلية إلى مستوى يكاد يؤدى إلى تلاشيها نهائيا من حياتنا كمسلمين حيث بعدنا تماما عن التفكير فى فعل أي شئ يفيد الأمة الإسلامية .

صلاح الدين ... تكامل الدنيا و الدين .

وبالعودة إلى المناخ والأحوال التى نشأ صلاح الدين فى ظلها نجده نشطا فى حفظ القران وهو فى التاسعة من عمره حتى أنه لم يبلغ الحادية عشر إلا و كان قد حفظه كاملا عن ظهر قلب وقد حدث ذلك بتلازم مع حضور صلاح الدين لدرس يومى ما بين المغرب والعشاء يستمع فيه للأجلاء من علماء الدين أمثال قطب الدين النيسابورى وعبد الله الدرى والحافظ أبى طاهر السلفى وعبد الله بن أبى عصرون وبذلك كان صلاح الدين لا يترك مجلسا من مجالس العلم يؤمه عالما أو فقيها إلا وشارك فيه ، فهل هذا يعنى أن صلاح الدين لم يكن له أصدقاء ولم يكن يخرج من المنزل للتنزه ؟ .

لا بل كان له العديد من الأخلاء يجتمع معهم مساءا فى مكان للترويح حتى وقت مناسب ثم ينسحب كل منهم إلى منزله ليقوم ليلا عدد للتهجد أما شباب اليوم فإن غاية ما يشغله هو السهر لوقت متأخر من الليل مع الأصدقاء وعند الإستيقاظ فى اليوم التالى يعاودون الكرّة بالتجمع الذى لا ينتج عنه سوى مضيعة للوقت ولكن الأمر بالنسبة لصلاح الدين كان مختلفا فإلى جانب بره بوالديه والإهتمام بدراسته بما تشمله من تعلم اللغة والرياضيات وعلم الفلك كان يلعب الكرة ويلتقى بأصدقائه مؤكدا بذلك على معنى التوازن فى أنشطته بين الدين والدنيا وعلى سبيل المثال فقد درس كتاب التنبيه فى الفقه للإمام الشافعى كما حفظ كتاب الحماسة فى الشعر وقد أدى ذلك كله إلى تكوين شخصيته المتكاملة التى سمحت له بالتنوع فى الإهتمامات الصالحة والمفيدة للذات وللأمة ومثل هذه الشخصية هى التى ينبغى توليتها القيادة .

أسد الدين .... معلما للقيادة .

لاشك أن أسد الدين شيركوه كان له بالغ الأثر على ابن أخيه صلاح الدين لما بلغه ذلك العم من حماس للدين ورجولة ومروءة ولم يتوقف أسد الدين عند دور العم لصلاح الدين وإنما كان له المعلم الذى وجهه إلى طريق الجهاد فى سبيل الله تبارك وتعالى ونعم المعلم ذلك الذى يتحلى بالشجاعة والحمية للدين والصبر مع الإستمرار فى المحاولة حتى بلوغ المأرب الشرعى وبالفعل حرص أسد الدين أشد الحرص على تدريب ابن أخيه على عدم الإستسلام للإخفاق وغرس فيه الإصرار على إعادة التجربة حتى تنجح ومثلا فعندما سقط صلاح الدين من على ظهر الجواد لأول مرة لم يكن عمره قد تعدى السابعة وأسرع نحوه والده وإخوته للإطمئنان عليه فما كان من أسد الدين إلا أن منعهم تماما من الإقتراب من صلاح الدين وضربه ضربة خفيفة على قدمه وقال له : " ما ينبغى ليوسف أن يقع مثل هذه الوقعة عليك أن تمسك حصانك فلا تجعله يسيرك كن أنت والحصان جسدا واحدا " و كان ذلك هو الأسلوب الذى اتبعه أسد الدين فى تعليم صلاح الدين الفروسية بما فيه من مزيج للتدريب البدنى والإتقان الرياضى من جانب والتربية النفسية على عدم اليأس والإصرار على النجاح من جانب آخر .

وقياسا على ذلك فإن القدوة فى المجال الرياضى لا تقتصر على مهارة الأداء بل إنها لا تصبح قدوة حقيقية إلا إذا تحلت بالأخلاق الحميدة والسلوك القويم ويحدث أحيانا فى رياضة كرة القدم أو أى رياضة أخرى أن يبرز لاعب بمهاراته ولكنه للأسف ساقطا أخلاقيا وفى المقابل هناك صورة مشرقة للشاب الذى يحقق تفوقا فى الرياضة التى يمارسها ونتيجة لإتصاله بالله جل شأنه فهو يسجد شاكرا لبارئه فى نفس اللحظة التى وفقه فيها الرحمن الرحيم إلى تحقيق إنجاز ملحوظ وبالتالى يكون هذا السلوك الإيمانى قدوة ودليلا على ضرورة الإتصال بالله فى كل وقت وفى كل موقف حتى عند ممارسة الرياضة .

أما عن صلابة صلاح الدين فمرجعها إلى تأسيه بمواقف عمه أثناء القتال فقد كان أسد الدين شيركوه يرفض تماما أن يكون هناك معلم غيره لتدريب ابن أخيه على حمل السلاح ورمى الرمح والمبارزة وفنون القتال المختلفة وفى بعض الأحيان كان نجم الدين أيوب يخاف على ابنه من قسوة التدريب على يد أسد الين شيركوه الذى كان يصل بجدية التدريب إلى حد إمكانية إصابة صلاح الدين بأذى فيتبادل الأخوان الحديث فى هذا الخصوص :

(نجم الدين) : رفقا بالصبى يا أسد الدين أراك تقسو على غلام لين العظم .

(أسد الدين) : و الله ما أريد له إلا كل الخير فإنى أصبو إلى أن يصير خير منى وأن يتفوق على معلمه .

وبالفعل كانت التدريبات التى يتلقاها صلاح الدين من عمه تشهد قدرا كبيرا من الحماس والشدة والجدية والفاعلية وهكذا يتضح أن أمر صلاح الدين لم يكن مجرد أمر رجل يغار على دينه فمسك السيف وخرج ليفتح حطين وإنما المسألة تطلبت تدريبا شاقا مستمرا على تعاقب السنوات واختلاف الظروف بما فى ذلك من احتكاك وتعلم من القادة .

وبناء على ما سبق فإن التخطيط لإعداد جيل قيادى ينبغى أن يبدأ بتدريب من هم فى الثامنة عشر من عمرهم وإتاحة فرصة احتكاكهم بالقيادات وذلك حتى لا يكون من الوزراء من تعدى الستين أو السبعين عاما .

وإلى جانب قوة شخصية أسد الدين وحماسته للدين وجهاده فى سبيل الله سبحانه وتعالى فإنه كان قريبا للغاية من صلاح الدين ولذلك كان صلاح الدين يلجأ إليه فى بعض الأحيان حتى يستشيره فى مشكلة يواجهها ويحصل منه على النصح الغالى المفيد وكأى شاب شعر صلاح الدين ذات مرة بالحرج يملأ صدره حيث أنه يشعر دائما بالسكينة والطمأنينة أثناء توجهه لله تبارك وتعالى داخل المسجد ولكن ما أن يلتقى بأصدقائه ويذهبون سويا إلى مكان آخر حتى يشعر بالتناقض بين ما يسمعه من العلماء والفقهاء وبين ما يدور من حوارات أثناء لقائه بأصدقائه ولما كان عمه أسد الدين شيركوه هو أكثر من يمكنه مصارحتهم فى ذلك الوقت دار بينهما الحوار التالى :

(صلاح الدين) : السلام عليكم يا عماه .
(أسد الدين) : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .
(صلاح الدين) : من أنا يا عماه ؟ .
(أسد الدين) : أنت يوسف ابن أخى نجم الدين أيوب هل نسيت من أنت يا صلاح الدين ؟ أم ماذا تقصد ؟ .
(صلاح الدين) : إذا كنت فى دروس المسجد حلقت نفسى كالطيور وأحس أنى أحب هذا وعندما أخرج مع أصحابى أكون سعيدا وأحب هذا فمع من أنا من هؤلاء ؟ .
(أسد الدين) : أنت كل هؤلاء يا بن أخى فإن ما لمسته فى نفسك إنما هو أمارات صدق ودليل على نبوغك فلا تدع للشيطان مدخلا إليك فالإنسان الصادق يعيش ما يعيشه بصدق وبساطة يعطى لمقام الجد حقه ولمقام الترويح قدره .

ومن ذلك الحوار تتضح قدرة أسد الدين شيركوه على تهدئة صلاح الدين وبعث الطمأنينة فى قلبه وفى الواقع إن ما كان يشعر به صلاح الدين ليس غريبا فإن الإيمان يزيد وينقص وليس فى شكوى صلاح الدين من جديد إذ أن الصحابة رضى الله عنهم كانت لهم أحيانا نفس الشكوى فأثناء تواجدهم فى صحبة النبى الكريم كانوا يشعرون بحالة من الصفاء والسكينة لا يجدونها عند مفارقتهم له وهذا أمر طبيعى ولكن المهم هو ألا يغفل الواحد منا عن الرابطة التى تربطه بالله العلى القدير مهما صدر منه من تجاوزات ولذا فالأحرى بنا أن نرجع إلى قول الحق تبارك وتعالى : " ولا تزر وازرة وزر أخرى "
]الأنعام 6 : 164[ .

جمال الدين ... جمال الجود والسماحة .

والشخصية الثانية من الشخصيلت المؤثرة فى صلاح الدين الأيوبى هى شخصية جمال الدين الأصفهانى الذى اتسم عن حق بجمال الروح والعمل وسماحة الخلق والعطاء السخى ولم يكن الناس يحبون تلك الشخصية لمنصب صاحبها وإنما لعطائه الفياض وكرمه الشديد لعباد الله فى كل مكان ورغم الصفات الحميدة والنادرة لهذه الشخصية فلا يعرفها إلا القليل من الناس فكان جمال الدين الأصفهانى الصديق الحميم لأسد الدين شيركوه وكان من الطبيعى أن يكون أسد الدين سببا فى تعريف جمال الدين بصلاح الدين وبمرور الأيام صار جمال الدين موجها ومعاونا لصلاح الدين على أعمال الخير التى كان يقوم بها .

ومن الأمثلة التى من شأنها أن توضح مدى الكرم الذى اتسم به جمال الدين الأصفهانى أنه لاحظ أن المسافة التى يقطعها الحجيج من دمشق إلى المدينة المنورة طويلة جدا فما كان منه إلا أن أنشأ عدة دور للإقامة على طول الطريق واستضاف بها المسافرون دون أن يدفعوا أى مقابل مادى إذ أنه كان ينتظر المقابل من الله عز و جل ومثال آخر لشدة سماحته أنه جاء على نفقته الخاصة بماء زمزم للحجيج من مكة إلى جبل عرفات فى يوم عرفة حتى يسقيهم وكان أيضا أول من تكفل بنحت مدرج صخرى فى جبل عرفات لتيسير صعود الحجيج إليه ونزولهم منه وذات يوم أرسل له أمير المدينة المنورة يشكو إليه كثرة سطو اللصوص فى ذلك الوقت على المنازل فى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فأمر جمال الدين بإحاطة المدينة المنورة بسور على نفقته بالرغم من أنه وقتها لم يكن متقلدا منصبا ذا نفوذ أو مسئولية ولكن كان كل همه فى التفاعل الإيجابى مع تلك المشكلة وقد عانى الناس فى إحدى السنوات من جدب شديد لدرجة أنهم لم يجدوا سوى بيت جمال الدين للذهاب إليه طالبين الصدقات والمساعدات واستمر عطاؤه للمستغيثين به حتى نفذ كل ما كان لديه من مؤن ومال ومع ذلك جاءه رجل يطلب الزاد فكان من الصعب على جمال الدين أن يرد ذلك الرجل فأعطاه الشئ الوحيد الذى تبقى له ألا وهى عباءته ! .

ولنسأل أنفسنا ماذا كان الدافع وراء تكفل جمال الدين الأصفهانى بكل تلك الأعمال الخيرية ؟ وهل كان من الممكن ألا يتأثر صلاح الدين بتلك الشخصية ؟ إذن فلا غرابة فى أن يؤثرالكرم البالغ لذلك الرجل على صلاح الدين الأيوبى بعد أن كان شاهدا على كل تلك المظاهر من الإغداق الشديد وبالتالى فلا عجب أن يحاكى التلميذ معلمه فى صفات الجود والسماحة حتى أن كل ما تركه صلاح الدين من مال حينما حضرته الوفاة كان عبارة عن جنيه مصرى واحد لا غير والجدير بالملاحظة أن تصدق صلاح الدين وسماحته كانا مع المسلم ولغير المسلم فعند فتحه لبيت المقدس افتدى صلاح الدين ثمانية عشر ألف أسير من ماله الخاص فدفع عشرة دنانير عن كل منهم أى اجمالى ما دفعه مائة وثمانون ألف دينار أخرجها صلاح الدين لبيت مال المسلمين لإفتداء غير المسلمين .

ومن كل ما سبق تتضح أهمية المناخ الذى أحاط بصلاح الدين والذى جعله يتسلح بالصفات الحميدة التى عرفت عنه فهل نحن نوفر مثل ذلك المناخ الصالح لأبنائنا ؟ هل يحرص الأباء على أن يكون أصدقاؤهم من أمثال أسد الدين شيركوه فى رجولته وصلابته وجمال الدين الأصفهانى بجوده و سماحته ؟ وعند الإجابة بالنفى وهو الغالب الأعم نكون قد وضعنا أيدينا على سبب رئيسى من أسباب تخلف أمتنا ويكفينا الإشارة إلى الآية الكريمة التى كان يرددها جمال الدين الأصفهانى من قول الله تعالى : " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " ]القصص 28: 83[ .

وكانت الأعمال الخيرية وسماحة جمال الدين الأصفهانى سببا فى نبوغه وذيوع صيته حتى أن الوزراء بدأوا يغارون منه ويشعرون بالضغينة تجاهه و نتيجة لذلك الحقد أوغر أولئك الوزراء صدر الأمير ضده حتى أصدر قرارا بعزله من الوزارة فهل من المعقول أن تتم إقالة مثل تلك الشخصية الأمينة المتبعة للصراط المستقيم التي تحب الخير للناس ؟ ، بل إن الأمير لم يكتف بذلك فقد حدد إقامته أيضا وبلغ الحال بجمال الدين الأصفهانى إلى أن يقول وهو على فراش المرض : " الحمد لله الذى لم ينقلنى من مقعد الحكم وفتنته إلى قبرى بل نقلنى من سجنى وفراشى إلى قبرى الحمد لله الذى جعل ذكرى بين الناس لشخصى وليس لمقعد وزارتى الحمد لله الذى يقبضنى وأنا من المساكين " وهكذا فلقد حمد جمال الدين الأصفهانى ربه سبحانه وتعالى على أن روحه قد قبضت من على فراشه وليس من على كرسى الحكم .

وقبل وفاته بأيام رأى جمال الدين الأصفهانى رؤية مؤداها أن نهاية حياته سوف يسبقها مقدم طائر أبيض من نافذة بيته فيقول لأبى القاسم : " إذا شاهدت الطائر الأبيض قد حل بالدار فأخبرنى " فظن أبو القاسم الصوفى أن جمال الدين قد اختلط عليه الأمر نظرا لكبر سنه ولكن فى يوم وفاة جمال الدين سمعه أبو القاسم من خارج غرفته وهو يعلو بصوته قائلا : " ابحث عن الطائرالأبيض يا أبا القاسم هل جاء الطائر الأبيض ؟ " فخرج أبو القاسم يبحث عن الطائر فى الدور كلها ولم يجد ذاك الطائر ورجع إلى جمال الدين يخبره فإذا بصوت المحتضر يعلو بالشهادتين : " أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله حبيبا جاء على فاقة " ، فكم كان جمال الدين مشتاقا للقاء ربه سبحانه وتعالى ومات ساعتها جمال الدين الأصفهانى ويقول أبو القاسم الصوفى : " فشاهدت طائرا أبيضا على نافذة غرفته وقد صدق الرجل لقد تحققت الرؤية التى رأها " وكان مسك ختام جمال الدين الأصفهانى دفنه بالمدينة المنورة حيث كان قد أوصى بدفنه بالبقيع ورغم بعد المدينة المنورة عن دمشق وحمص والمناطق التى عاش فيها جاء الناس من كل تلك البلدان إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لتوديع جمال الدين الأصفهانى ولم تكن جنازته رسمية ولا حشد لها حشود بالأمر كما يحدث هذه الأيام وإنما تدفق الناس من تلقاء أنفسهم من دمشق وحلب وحمص والموصل وبغداد ومصر للصلاة على جمال الدين الأصفهانى وسبحان الله إذ يقول فى كتابه الكريم : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " ] مريم 19 : 96[ .

حقيقة إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث منها الصدقة الجارية ولعل صدقة جمال الدين الأصفهانى تجرى إليه فى كتابه إلى هذه اللحظة بل لعله يكتب بالفردوس الأعلى برحمة الله عز وجل .

كان من الضرورى الإفاضة فى الحديث عن المناخ المحيط بصلاح الدين الأيوبى لإيضاح كيف أن ذلك المناخ كان خير معين له على التحلى بالصفات الحميدة ومن ضمنها حب العطاء بسخاء والذى اكتسبه نتيجة لقربه من جمال الدين الأصفهانى ذلك الرجل الجواد ولذا فليكن كل من جمال الدين الأصفهانى وصلاح الدين الأيوبى قدوة لنا فى الإقبال على التصدق على فقراء المسلمين والإتيان بأعمال خيرية وأوقاف للمسلمين ولا يشترط أن تقتصر المشاركة فى أعمال الخير على التبرع بالمال وإنما يتقبل الله سبحانه وتعالى أى عمل يساهم فى إصلاح أحوال الرعايا والأمة الإسلامية وعلى سبيل المثال وليس الحصر من الممكن قضاء بعض الوقت فى زيارة دور الأيتام والإشتراك فى رعايتهم سواء بالتعليم أو التوجيه أو العطف عليهم .

هذا تلخيص لأحد دروس الدكتور ياسر نصر

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحفني برأيك