الخميس، 30 أكتوبر 2008

صلاح الدين وزيرا مصريا

لا شك أن الضرورة تحتم على كل منا وجود رؤية واضحة يضعها نصب عينيه للدور الذى يود أن يقوم به والأهداف التى يرغب فى تحقيقها من خلال حياته وحتى يمكن إنجاز أى مشروع من المشروعات لابد من اتخاذ خطوات فعالة تتم فى توقيتات معينة وفقا لتخطيط يضعنا على بداية طريق الإصلاح سواء كان فيما يخص علاقتنا بالله تبارك وتعالى أو على المستوى المادى الملموس وبناءا عليه يجدر بنا أن نبدا فى تدارس أى مشروع معطل وذلك بهدف وضع خطة نستطيع من خلالها الوصول إلى الأهداف المنشودة .

عند اتضاح نية أمورى فى احتلال مصر احتلالا كاملا أرسل الخليفة الفاطمى العاضد إلى نور الدين محمود يستنجد به فأرسل السلطان النورى إلى مصر جيشا بقيادة أسد الدين شيركوه ومساعده صلاح الدين الأيوبى ولكن عندما وصلت إلى أمورى الأخبار التى تفيد بأن الجيش المسلم على مشارف مصر أمر الأمير الصليبى بسحب كافة القوات دون انتظار لقتال وتركت مصر بأيدى أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبى وسبحان الله الذى يقدر الأمور وييسر لها الأسباب فيتحقق ما يريده رب العالمين وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال: ( عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل" . وفي رواية " يقادون إلى الجنة بالسلاسل ) . رواه البخاري ، ولعل هذا الحديث وغيره ينطبقون على صلاح الدين الأيوبى الذى رفض فى بداية الأمر أن يعود إلى مصر .

افعل ما شئت كما تدين تدان .

فى ذلك الوقت كان شاور لازال وزيرا لمصر بعد كل الأفعال التى تتنافى مع الإخلاص للأمة والوطن وذلك لأن الخليفة الفاطمى العاضد لم يكن بالقوة التى تمكنه من عزل شاور وبالتالى كان الحاكم الفعلى لمصر فى ذلك الوقت هو من كان وزيرا لها وكالعادة جنح شاور إلى الخيانة حيث أخذ فى تدبير مؤامرة لقتل أسد الدين شيركوه والأمراء النوريين أثناء تواجدهم بحفلة يدعوهم إليها فى قليوب وسبحان الله فى تلك الأثناء وصلت أخبار المؤامرة التى كان يعدها شاور إلى ابنه الكامل الذى كان رافضا تماما لأفعال والده فأصر أن يواجه شاور فدار بينهما ما يلى :

( الكامل) : والله لأخبرن أسد الدين شيركوه .
(شاور) : إن أسد الدين سيقتلنا جميعا .
(الكامل) : إن يقتلنا أسد الدين شيركوه وتظل أرض الإسلام تحت إمرة المسلمين فذاك خير ولكن لن نترك البلاد للصليبيين فوالله ما منعهم من دخول مصر إلا مقدم أسد الدين والله ما أساعدك على تسليم مصر للصليبيين .

ونظرا لما دار بينه وبين ابنه من حديث تراجع شاور عن تنفيذ مؤامرته وفى الواقع فإن تلك الشخصية سينظر لها التاريخ كأسوأ ما يكون حيث أن صاحبها تنكر لنعم الله عز وجل عليه إذ وضعه فى منصب من الممكن اسخدامه فى طاعة الله تبارك وتعالى وخدمة دينه الحنيف الإسلام ولكن تلك النوعية من الشخصيات تعبث فى دنياها ولا تعمل لآخرتها وفى نهاية المطاف صدر قرار من العاضد بقتل شاور لخيانته العظمى حيث أن شاور كان قد استنجد بأمورى من جديد ووعده بتسليمهم مصر على أن يكون وزيرا للصلبيين ولذا لم يكن هناك بد من إعدامه فلقى جزائه العادل فى مقابل ما أقدم عليه من أفعال ذميمة .

فى تلك اللحظة لم يكن أمام الخليفة العاضد إلا أن يختار أسد الدين شيركوه وزيرا للبلاد حيث أنه هو الذى أنقذ مصر من الصليبيين وسبحان الله لم يبق شيركوه فى منصبه سوى أيام قليلة مات بعدها ومن هنا نأخذ العبرة التى خلق من أجلها البشر ألا وهى عبادة الله عز وجل ولذلك ينبغى على الفرد فينا أن يتفهم للدور المطلوب منه ليؤدى تلك العبادة حقها وأن يحدد أهدافه الشخصية التى يسعده أن يحققها وكذلك كان الحال بالنسبة لأسد الدين شيركوه الذى أحب مصر وأراد أن يتخذ منها جندا يعينوه على فلسطين وبيت المقدس ولقد أدرك ذلك الرجل أن فتح مصر وإعادة قيادتها إلى السلوك القويم كان هو الدور المطلوب منه القيام به فى الحياة من خلال عبادته لبارئه وبما أن الأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى فلا عجب إذن أن يجوب أسد الدين شيركوه البلاد شمالا وجنوبا وشرقا وغربا حتى يتحقق ما قدره الله أن يتم على يديه فقد انتقل أسد الدين من بغداد إلى الموصل ثم إلى بعلبك ومن بعدها إلى دمشق وحلب وحمص ثم يعود إلى دمشق حتى ينتهى به المطاف فى القاهرة ليموت بها بعد أن فتحها ليسلم الراية بعد ذلك لأمير جديد فى مصر وكانت تلك دورة حياة أسد الدين شيركوه التى انتهت بعد أن أداها وهو مدرك لدوره فيها وضرورة القيام به فهل يعرف كل منا دوره فى الحياة أم أن مازال يبحث عنه ؟ .

وما إن مات أسد الدين شيركوه حتى أصبح من الضرورى تعيين وزيرا جديد لمصر وبدأ تقييم الأمراء النوريين لإختيار أحدهم وزيرا وبعد ثلاثة أيام تم تعيين صلاح الدين وزيرا لمصر وكان ذلك التعيين محل تساؤلات من الأمراء الآخرين إذ أن صلاح الدين لم يكن تعدى الثانية والثلاثون من عمره بعد و خاصة أنه كان هناك من يكبره سنا ويفوقه خبرة مثل عين الدولة الياروقى وقطب الدين ينال وشهاب الدين الحارمي خال صلاح الدين الأيوبى وشرف الدين برغش الذى أصبح ذو مكانة بعد موقعة " البابين " .

إذن فيبدو أن اختيار صلاح الدين للوزارة من بين كل هؤلاء أصحاب الخبرة جاء بناءا على ترتيب معين وفى الواقع فقد أراد الله تعالى أن يكون لكل من عيسى الهكارى وبهاء الدين قراقوش دوره المؤثر فى تولية صلاح الدين منصب الوزارة فأما عيسى الهيكارى فكان أقرب أصدقاء أسد الدين شيركوه وأما بهاء الدين قراقوش فينبغى التوقف عند اسمه لتصحيح ما أشيع عن هذا الرجل من ظلم أو قهر فلقد كان بهاء الدين بعيدا كل البعد عن صفات الحكم الجبرى أو القصرى وقد بادر كل من عيسى وبهاء الدين بالتفاوض مع الأمراء من أجل تعيين صلاح الدين أميرا على مصر إذ أنهما رأيا أنه كان الأصلح على الإطلاق لتولى وزارة مصر فى ذلك الوقت وكانوا قد بدأوا بعرض الفكرة على صلاح الدين نفسه الذى أبدى رفضا مبدأيا نظرا لطبيعة التعفف التى كان قد نشأ عليها فلم يكن ليهرول وراء سلطة أو وزارة أو مكانة ويذكرنا هذا الموقف بسعيد بن عاصم أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم والذى عينه عمر بن الخطاب رضى الله عنه أميرا على حمص بالشام فإذا به يقول لأمير المؤمنين : " لا تفتننى فى دينى " ولقد رهب سعيد الموقف لما يلقيه عليه ذلك التكليف من مسئولية عن الرعية جميعهم من رجال ونساء وأطفال و شيوخ وكان هذا تماما هو ما شعر به صلاح الدين الأيوبى عندما عرض عليه أمر توليته وزارة مصر فالمسئولية كبيرة وينبغى لمن يقبلها أن يرتفع إلى مستواها وما أشبه وأقرب ما كان مطلوبا من سعيد بن عاصم وصلاح الدين الأيوبى بما هو مطلوب من كل منا عند تناوله لعرض هذا الكتاب من مهام من شأنها إصلاح أحوال الرعية والأمة فكل مهمة ذكرت على مدار الأجزاء السابقة إنما هى نتاج ما سيق من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وروايات الصحابة والتابعين والسلف الصالح فالمسئولية كبيرة وسيسأل عنها كل منا يوم القيامة فالمقابل المؤثر لقراءة هذه الفصول يكمن فى التطبيق العملى لما ورد بها من قيم ومثل إسلامية وبما أن من علم ليس كمن لم يعلم فالمطلوب أيضا إعلام الآخرين الذين لم يقرأوا هذه السلسلة بما ينبغى على كل مسلم القيام به من إصلاح للذات حتى تستقيم أحوال أمة النبى محمد صلى الله عليه وسلم .

ولقد استطاع عيسى الهكارى أن يقنع معظم الأمراء النوريين بضرورة تزكية صلاح الدين لمنصب الوزارة وفى نفس الوقت رأى الخليفة العاضد فى صلاح الدين شابا لا يسهل التأثير على تفكيره ولا ينبهر بنفوذ الوزارة فيفسد كما فسد الوزراء السابقون من أمثال ضرغام وطلائع وشاور وعليه قبل الخليفة العاضد تعيين صلاح الدين وزيرا أولا لمصر ليصبح اسمه " المظفر صلاح الدين الأيوبى " .

وبالقطع هذا التعيين لم يلق قبولا لدى من كانت قلوبهم طامعة فى المنصب الذى تولاه صلاح الدين غير عابئين بمصلحة الأمة وإنما مكتفين بالتفكير الأنانى الذى لا يحكمه سوى حب الذات أيا كانت الصفات والعلات ولذا رفض عين الدولة الياروقى وقطب الدين ينال تعيين صلاح الدين وزيرا وانسحبا إلى الشام عائدين إلى نور الدين محمود وكان الخامس والعشرون من جمادى الآخر سنة خمسمائة وأربع وستون هو اليوم الذى شهد تولى صلاح الدين وزارة مصر مقلدا من قبل الخليفة العاضد فى احتفال أسطورى رغم ما كان يعانيه الرعية من فقر شديد وقد أراد الخليفة العاضد إظهار واجهة الخلافة بمظاهر الأبهة والزينة الدنوية ويروى ابن الأثير عن الجواد المرصع بالجواهر الذى أهداه العاضد لصلاح الدين الأيوبى فى تلك الليلة وقد وصل ثمن تلك الجواهر التى زينت بها رأس وأرجل وسرج ذلك الجواد إلى مبلغ ألف ألف (مليون) دينار ذهبية وكان كل ذلك البذخ يحدث فى الوقت الذى لا يجد فيه الرعية قوت يومهم وأين تلك الحال من مقولة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه : " بئس الحاكم أنا إن شبعت ورعاياي جياع " وكان الخليفة عمر ابن الخطاب قد ضرب المثل فى عام المجاعة إذ كان يأكل كأقل فرد من الأمة وهكذا لم يكن منصبه كحاكم يحول بينه وبين تقوى الله عز وجل واتباعا لنفس النهج ما كان من صلاح الدين الأيوبى إلا أن وزع ثمن الجواهر كلها على شعب مصر بمناسبة تعيينه وزيرا عليهم .

أخلاقيات السلطة فى الإسلام .

ولم يلبث صلاح الدين أن تولى الوزارة حتى شرع فى إحداث تغييرات جذرية يعيد بها الأمور إلى شرع الله وما كان ذلك الا ايذانا باعتراف داخلي يلزم به نفسه قبل الغير على الإرتقاء فى التعامل مع الأمور كلها بصفة عامة و بشأن علاقته بالله جل علاه بصفة أولى وبناءا عليه بدأ بإحاطة نفسه بكوكبة من العلماء ليعينوه على المسئولية الجديدة وبالتالى أصبح عيسى الهكارى الذراع الأيمن لصلاح الدين الأيوبى كما صار من بهاء الدين قراقوش من المقربين له أيضا ولا سيما أنه المهندس المنفذ لقلعة صلاح الدين وسور مجرى العيون الذى كان يصل ماء النيل حتى القلعة وكذلك أدخل صلاح الدين تعديلا على نوعية الأنشطة التى يمارسها بصفة رئيسية حيث أصبح تنظيم وقته خاضع للمسئولية التى اختصه بها الله سبحانه وتعالى وهناك جانب آخر دخل تحت حيز التغير للأفضل وهو ازدياد تصدقه على المحتاجين والفقراء حتى أصبح عطاؤه فى هذا المجال يشابه عطاء جمال الدين الأصفهانى إذ أصبح بيت المال مفتوح الأبواب لعامة الشعب كما حرص على عدالة التوزيع حيث أصبح الفقير والغنى يتساويان فى حقوق كثيرة منها المأكل والمأوى .

نجاح صلاح ... وحقد نجاح .

وللأسف كان هناك من لا يعجبهم طريق الإصلاح الذى يسير فيه صلاح الدين ومنهم شخص يدعى مؤتمن الخلافة نجاح ومرة أخرى يكون الاسم على النقيض تماما من الصفة الفعلية لصاحبه وكان هذا الشخص يتولى منصبا حساسا داخل القصر الفاطمى فبدلا من أن يعمل بما سمى ولقب به تفتأ ذهنه أن يدعو أمورى أمير بيت المقدس للقدوم إلى مصر وخلع صلاح الدين من الوزارة فى مقابل عطية تقدر بخمسمائة ألف دينار ذهبية ولكن المولى عز وجل كشف المؤامرة لصلاح الدين ونظرا لطبيعة عمل صلاح الدين السابقة كمدير لأمن دمشق كان له من الأشخاص من يطلعونه على غرائب المستجدات بين الرعية والتى قد تكون محل أذى للأمة ومن هؤلاء من شاهد ذات مرة رجل بسيط المظهر يضع فى قدميه حذاءأ غالى الثمن فاستوقف الرجل وكانت المفاجأة أن ذلك الحذاء كان كعبه يحتوى على رسالة موجهة إلى أمورى يوعد من خلالها بأن يوضع تحت إمرته ثلث ملك مصر بالإضافة إلى خمسمائة ألف دينار ذهبية فى مقابل القضاء على صلاح الدين الأيوبى ولكن صاحب الحذاء رفض تماما الإخبار بالشخص الذى كتب الرسالة فبدأ رجال الأمن يبحثون بين كتاب الرسائل وكان أمرا يسيرا نظرا لقلة عدد الكتبة وتميز الخط المكتوب بالرسالة وتوصل رجال الأمن إلى أن كاتب الرسالة يهودى فاحضروه واعترف أن مؤتمن الدولة نجاح هو من طلب منه كتابة الرسالة والمفاجأة الكبرى فى تلك اللحظات أن يدعو صلاح الدين اليهودى إلى الإسلام وأن تكلل هذه الدعوة بالنجاح فيعتنق اليهودى الإسلام ويكون ذلك الموقف من صلاح الدين امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : " فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم " . متفق عليه ، وبالفعل حسُن إسلام هذا اليهودى وسافر إلى مكة وظل مجاورا للبيت الحرام حتى مات .

ونتيجة لما أقدم عليه مؤتمن الخلافة نجاح من خيانة كان لابد من قتله ولما كان مؤتمن الخلافة سودانى الأصل فإن إعدامه أغضب الجنود السودانيين الذين قاموا بثورة قوامها خمسين ألف فرد ضد صلاح الدين الأيوبى والغريب أنه فى نفس الوقت بدأ الخليفة العاضد يقلق من تزايد حب الرعية لصلاح الدين فأخذ يختار ما بين الإبقاء على السودانيين ومساعدتهم على التخلص من صلاح الدين وبين الإبقاء على صلاح الدين ودعمه لإخماد ثورتهم ويشاء السميع العليم أن تصل إمدادات نور الدين محمود إلى صلاح الدين فى صورة قوة عسكرية بقيادة أخيه توارن شاه ليتمكن صلاح الدين من القضاء على ثورة السودانيين تماما .

ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين .

وسبحان الله بذلك يكون صلاح الدين قد تصدى بفضل الله تعالى لوابل من المشاكل تمثلت فى الغدر المتكرر لشاور ثم خيانة مؤتمن الدولة نجاح وأخيرا وليس بآخر ثورة السودانيين وتلك الإبتلاءات تبعتها ثورة الجنود الأرمل الذين شعروا أن صلاح الدين كان على وشك أن يأخذ منهم ممتلكاتهم ليعيد توزيعها وعلى سبيل المثال فمن كان يمتلك من هؤلاء الجنود الأرمل ثلاث قصور أخذ منه صلاح الدين قصرين أودع ثمنهما بيت مال المسلمين ونتيجة لذلك أشعل هؤلاء الأرمل ثورة ضد صلاح الدين الذى استطاع إخمادها ولكن ما لبث أن هب أيضا الإقطاعيون وأصحاب الثروات بالثورة على صلاح الدين والتى كان يتزعمها عمارة اليمنى وللأسف أقدم عمارة اليمنى على نفس الخيانة التى ارتكبها من قبله شاور ثم مؤتمن الخلافة نجاح إذ أنه أرسل يطلب من أمورى المجئ إلى مصر لتخليصها من صلاح الدين الأيوبى وكم كانت الأوضاع مقلوبة إذ يستسيغ البعض الغدر بالأخ المسلم الذى جاء فى عون أخيه بينما يفتح ذراعيه لعدو دينه وعدوه ! .

وإمعانا فى محاولته للتخلص من صلاح الدين بدأ عمارة اليمنى يغريه بفتح النوبة وبالتالى أرسل صلاح الدين جزءا من الجيش إلى النوبة على أن يلحق بهم ولكن فى نفس هذا الوقت وصلت إلى صلاح الدين الأخبار أن أمورى على وشك أن يشن حملة صليبية جديدة على مصر بجيش قوامه ثلاثون ألف جنديا بالإضافة إلى مجيئ كل من الأسطول البيزنطى والأسطول الصقلى ووجد صلاح الدين قواته موزعة على جبهتين إحداهما فى الجنوب عند النوبة والأخرى فى مواجهة القوة الصليبية القادمة وبفضل الله تعالى تيقظ ضمير أحد المشتركين فى مؤامرة عمارة اليمنى فأخبر صلاح الدين بما كان يحاك له من غدر واستطاع صلاح الدين إن يقضى على عمارة اليمنى والخطر الذى كان يمثله .

ولكن الحملة الصليبية كانت فى طريقها إلى مصر وأخذ صلاح الدين يتساءل عن الطريق التى سوف تسلكه تلك الحملة فى المرة الأولى جاء أمورى إلى بلبيس وفى الثانية إلى الأسكندرية ولذلك اعتقد صلاح الدين أنهم لابد قادمون من أحد هذين الطريقين المعروفين لهم وبناءا عليه شرع صلاح الدين فى تعلية أسوار الأسكندرية وتقوية سلاسل بلبيس ولكن سبحان الله وصلت الحملة الصليبية إلى دمياط وكان ذلك بمثابة المفاجأة الغير سارة لصلاح الدين حيث أن معظم قوات الجيش كانت متواجدة فى الجنوب وبدأ الشعب المصرى يدافع عن دمياط بالإضافة إلى أن سلسلة هذا الميناء حجزت سفن الأسطولين البيزنطى والصقلى ولكن الجيش البرى الآتى من الفرما وعسقلان توغل داخل دمياط وبدأت المعركة فى حين كان صلاح الدين بالقاهرة ولا يستطيع تركها نظرا للإضطرابات التى كانت تواجهها كما لا يستطيع أن يستدعى القوات المتواجدة بالجنوب التى كانت تواصل بنجاح مهمة فتح النوبة و كانت هذه هى المرة الأولى التى يتصدى فيها صلاح الدين للصليبيين وهو القائد الأعلى للقوات والوزير الأول لمصر أى أن العاتق كله كان يقع عليه و من جانبه أسرع نور الدين محمود إلى العقبة وعسكر فيها منتظرا الحصول على أخبار من دمياط وقد بدت علامات التأثر الشديد والتجهم على وجه نور الدين نظرا للحصار الذى كانت تتعرض له دمياط بجيش عدده يصل إلى ثلاثين ألف مقاتل والأسطول البيزنطى يوشك أن يدخل الميناء ومن الطبيعى أن يكون هذا هو شعور المسلم تجاه ما يتعرض له المسلمون من خطر فى أى مكان .

لقد تصدى صلاح الدين الأيوبى فى تلك الفترة لأوجه عديدة من الضلال والضياع ولكن الأمر الذى يدعو للتفاؤل هو أن المجتمع نفسه كان راغبا فى التخلص من السلبيات بكافة أشكالها ولذلك فالمطلوب من كل فرد أن يسعى لمحاربة أى صورة من صور الفساد أو التقصير المنتشرة فى أوجه الحياة العامة فلنتخذ من صلاح الدين الأيوبى مثالا للإيجابية والتفاعل الحسن مع السلبيات إذ أنه لم يهرب إلى الشام تاركا وراءه كل هموم الشعب المصرى و إنما تصدى لها بكل حسم حتى نصره الله نصرا مبينا .

هذا تلخيص لأحد دروس الدكتور ياسر نصر

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحفني برأيك