لقد أوضح لنا الجزء السابق أن نور الدين محمود أدرك المكانة التى أرادها الله سبحانه وتعالى لمصر وبالتالى تيقن ذلك القائد المؤمن بربه وبرسوله أن توحيد الشام ومصر سيعود بالفائدة على الأمة الإسلامية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وذلك مجرد مثال بسيط يبرهن على مدى النجاح والفلاح الذى يقابل كل من أقبل على اتباع هدى الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم ومن ثم يجدر بنا إحياء السنن النبوية بقدر الإمكان فكلما اقتربنا من المنهج النبوى كلما دنونا من الحل الحقيقى لكثير من مشاكلنا على مستوى الفرد والأمة .
فى الواقع يروى التاريخ أن خيانات شاور المتكررة وغدره المستمر أدت إلى تأزم الموقف الذى كان يواجهه جيش أسد الدين شيركوه وبالفعل وصلت الأخبار فى ذلك الوقت أن القوات القادمة من بيت المقدس يصل عددها إلى ثلاثون ألف مقاتل صليبى لإحتلال مصر وهكذا وقف أسد الدين شيركوه موقف المدافع عن جيشه وعن البلد الذى هو فيه وهى مصر وكان لا بد إذن أن يبدأ بتأمين الجند الذين قدموا معه فبعث إلى شاور بغرض التفاوض معه ولكن الأخير امتنع عن التفاهم وأبدى كافة صنوف الغدر إذ أن همه الأول والأخير كان طمعه فى الحفاظ على منصبه دون النظر إلى مصلحة البلاد و الأمة وبناءا عليه وجد أسد الدين شيركوه أن موقع جيشه بأطفيح غير مناسب من الناحية العسكرية لأنه من السهل محاصرته بواسطة الجيش المُعادى و لذلك بدأ ينسحب إلى الصعيد وأرسل مستطلعيه لإختيار أفضل موقع لخوض المعركة المنتظرة وجاءه الرد ممن أرسلهم أن خير مكان للتمركز فيه يقع بالقرب من المنيا واسمه " البابين " لتميزه باتساع شديد وعدم إحاطته بالجبال مما يسهل عمليات الكر والفر وفى الوقت الذى اقترب فيه أسد الدين من " البابين " صعد أمورى من ضغوطه وتحرشه بجيش أسد الدين طوال فترة انسحابه من أطفيح غير أن الجيش النورى وصل إلى " البابين " سالما .
والسؤال الذى يتبادر إلى الذهن هو " هل كان أسد الدين شيركوه على استعداد أن يجازف بألفي جندى أمام جيشا قوامه ثلاثون ألفا خاصة أن هؤلاء الجند كانوا يعتقدون أنهم فى مهمة لتحصيل المبالغ والعودة دون خوض أية مواجهات عسكرية ؟ " وبناءا على ذلك كان الرأي الغالب لقادة جيش أسد الدين يميل إلى ضرورة الإنسحاب وعدم مواجهة العدو عسكريا بل إن البعض تساءل عن جدوى القتال دفاعا عن شعب مصر وعن خطورة خوض معركة محسومة مقدما لصالح الأعداء وكان من أنصار الانسحاب كل من قطب الدين ينال وعين الدولة ياروقى وشهاب الدين الحارمي خال صلاح الدين الأيوبى وكلهم من كبار الأمراء النوريين وقد تذرع هؤلاء القادة بعدة أعذار مثل عدم تصريح نور الدين محمود لهم بالقتال وعدم وجود احتمال لوصول مدد من نور الدين محمود وعدم وجود قوات قريبة تستطيع الإشتراك بجانبهم فى القتال وبالتالى كان الرأى السائد للسابقين من قادة الجيش يقضى بالإنسحاب إلى الصحراء الشرقية ثم العودة إلى الشام وطرح الموضوع أمام نور الدين محمود ليأخذ قرارا بشأنه ولأن الإسلام يأخذ دائما بالصدق وليس بالسبق فإذا بأصغر القادة سنا وهو شرف الدين برغش يقف موقف الرجولة والشرف لما كان يتمتع به من قوة شخصية وحماس ويقين على الله تبارك وتعالى بأن النصر لابد قادم مصداقا لقول الله عز و جل : " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " [ سورة محمد : 7 ] .
فقد كان شرف الدين برغش يرى أن قلوب وعقول أغلب الحاضرين لذلك الإجتماع متجهة تماما إلى الدنيا وأسبابها التى تجعل من كثرة العدد والعدة عنصر الحسم والإفضاء إلى انتصار الأعداء المتمتعين بتلك الأسباب الدنيوية ولكن فى الحقيقة فإن الأمر مختلف عن ذلك تماما لأن الله سبحانه وتعالى هو الذى وضع كل الأسباب وهو القادر على أن يحولها من نعمة إلى نقمة أو العكس بمشيئته إذ يقول فى كتابه الحكيم : " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيئ و إليه ترجعون " ] يس 36 : 82 – 83 [ .
ولذا فإن شرف الدين كان متيقنا أن للمسلمين سلاحهم الإستراتيجى الماضى فى كل زمان ومكان ألا وهو الإيمان بالله تبارك وتعالى قولا وفعلا ولذلك خرجت من شفاة شرف الدين برغش كلمات مثل تلك التى قالها عبد الله بن رواحة يوم سرية مؤتة فى عصر رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال لجموع الحاضرين : " من خاف القتل والأسر فليقعد في بيته عند زوجته ومن أكل أموال الناس فلا يسلم بلادهم على العدو " وقال مثل ذلك ابن أخيه صلاح الدين .
وبالطبع كانت لكلمات شرف الدين برغش تأثيرها الفعال على الحاضرين جميعهم فأيد كل من أسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبى ما قاله شرف الدين وكذلك بدأت قلوب وعقول الآخرين تتغير عما كانت عليه من تمسك بالدنيا و أسبابها حتى أن الرأى الأخير كان لصالح المواجهة والقتال .
واتخذ القرار بأن يبدأ هجوم جيش أسد الدين مع أول شعاع من فجر اليوم التالى ولكن كان ينبغى بطبيعة الحال الإعداد المحكم للمعركة عملا بالآية الكريمة : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " ]الأنفال 8 : 60[
وبما أن عدد المقاتلين المسلمين كان لا يتعدى الألفين فلا بد إذن من أن يتم توزيعهم التوزيع الأمثل بما يتفق مع ذكاء وحيلة أسد الدين ونظرا لسابق المواجهات العسكرية ضد أمورى ولمعرفته بأسلوب أسد الدين الذى يقضى بتواجده شخصيا على رأس الجند المتمركزين فى قلب الجيش أراد أسد الدين تغيير أسلوبه ليحدث مفاجأة تربك صفوف الأعداء وتحقق له النصر بإذن الله العلى القدير وكان أسد الدين يعلم أن الصليبيين لا يهاجمون بكل صفوفهم دفعة واحدة وإنما يدفعون بجزء من الجيش ويريحون الجزء الآخر ولذلك قرر أن يغير من خططه التى اعتاد تنفيذها أثناء المعارك ولذا فكر فى أن يجذب مقدمة الجيش الصليبى للأمام حتى تبعد عن المؤخرة وذلك بأن يدفعها للتعامل مع قلب الجيش المسلم وفى نفس الوقت يكون أسد الدين قد التف حول مقدمة الصليبيين فيأتى إليهم من الخلف ليضعهم فى كمين بينه من خلفهم وبين قلب جيشه الذى يواجههم من الأمام وبما أن دور كل من الجزأين الأمامى والخلفى للجيش النورى كان فى غاية الأهمية حتى يتم تنفيذ الخطة الموضوعة وتحقيق النصر فقرر أسد الدين أن يقود هو بنفسه الجزء الخلفى و بقى تحديد قائد القوات الأمامية وبما أن مواجهة العدو من الأمام كانت تتطلب قدر كبير من الجسارة والتعامل معه بشدة فقد أسند أسد الدين تلك المهمة الدقيقة إلى صلاح الدين الأيوبى لسابق علمه بقدرات ابن أخيه ولثقته فيه وكانت بالفعل هذه أول مواجهة لصلاح الدين وفرصته حتى يبرز الخبرات التى تعلمها من أسد الدين وبدأ صلاح الدين بالفعل فى مناوشة مقدمة الجيش الصليبى وسحبه إلى الأمام ليبعده عن المؤخرة الصليبية وفى اللحظة الحاسمة انقض أسد الدين على الصليبيين من خلفهم ليشتت جيش أمورى ويحقق الإنتصار فى أقل من ساعات فسبحان الله استطاع ألفين من المؤمنين أن ينتصروا على ثلاثين ألفا من أعدائهم بفضل توكلهم على الله تبارك وتعالى حق توكله بما أبدوه من حسن تخطيط وتنفيذ لمقدرات المعركة .
وبذلك كان الإيمان بالله هو السلاح الماضى إلى يوم الدين لتحقيق النصر للمؤمنين على أعدائهم فالقادر هو الله والرازق هو الله والناصر هو الله والمعز و المذل هو الله وبالطبع كل هذه الحقائق لا يمكن الجدال فيها بأى وسيلة حتى وإن كانت جذابة مثل الأفلام السنيمائية التى تزيف وقائع الأمور ويبقى تأثير تلك الحقائق على القلوب حتى تخرجها من ماديات الحياة الدنيا التى يتحكم فيها المولى العلى القدير ويقلبها كيفما شاء وبعد الأنتصار الذى تحقق قام الجند المسلمون ليلا ليشكروا الله تبارك وتعالى على نصره لهم فمنهم من قرأ سورة التوبة ومنهم من قرأ الأ نفال ومنهم من شعر بأن الملائكة كانت تقاتل معهم كما قاتلت من قبل فى " بدر " .
بعد انتهاء معركة البابين بانتصار المسلمين أخذ أمورى يستجمع قواته المشتتة وبدلا من أن يرضخ شاور لصوت الحق والعدل ويعطى لأسد الدين الأموال التى تم الأتفاق عليها منذ أكثر من أربع سنوات مضت فإذا به ينضم بما أوتى له من جند إلى جيش أمورى والأمر الذى يدعو للإشمئزاز أن شاور اتفق مع أمورى إلى زيادة ما يعطيه له إلى ألف الف دينارا ذهبية أعطى له منها بالفعل ثمانمائة ألف فى مقابل أن يساعده الأمير الصليبى على القضاء على جيش أسد الين شيركوه فى حين أنه رفض إعطاء أخيه المسلم أسد الدين شيركوه الخمسين ألف دينارا الذى كان قد اتفق عليها معه مقابل مساعدته لإسترداد شاور الوزارة من ضرغام وكان وما زال العذر الواهى الذى يتبجح به كل من سولته نفسه لخيانة أخوه المسلم أمس واليوم أيضا يتمثل فى تلك الكلمة البغيضة " السياسة " ولكن العلاقة الحقيقية التى ينبغى للمسلم أن يقيمها وأن يتمسك بها هى علاقته بالله سبحانه وتعالى .
فى تلك اللحظة كان أهل الاسكندرية فى شوق للجيش النورى فدعاهم قاضى الأسكندرية وفتح الأبواب لصلاح الدين الذى دخلها مع جنده انتظارا لقدوم أسد الدين من الصعيد وفى الواقع كان أسد الدين قد ظل بالصعيد ليجمع المؤن للجيش حتى يستطيع العودة إلى الشام وبدأ بالفعل تحالف قوات أمورى و شاور فى محاصرة صلاح الدين الأيوبى فى غياب أسد الدين شيركوه فى الصعيد وذلك لمدة أربعة أشهر كاملة وكان صلاح الدين هو القائد الذى شاء الله أن يختبره بذلك الابتلاء الشديد ليكون الجزاء فيما بعد خير جزاء فكان صلاح الدين هو الذى تحمل عبء ذلك الحصار المرير بفضل يقينه في المولى العلى القدير ورغبته فى بلوغ الفردوس الأعلى من الجنة ورغم أنه لم يكد ينتهى من معركة " البابين " إلا أنه كان يعلم أن الجنة حفت بالمكاره ولذلك أصبح لزاما على الفرد المسلم أن يتبع الطريق القويم بما يعنيه ذلك من إقبال على الطاعات مثل الإلتزام بالفرائض والإكثار من النوافل والبعد عن المعاصى من غيبة وأكل مال الآخرين والنظر إلى المحرمات وغيرها أما من ابتغى عرض الحياة الدنيا فمأواه النار وبئس المصير ومن المهم التأكيد على أهمية العمل بما فيه الخير وليس الاستماع إليه أو قراءته فقط وعلى سبيل المثال فإنه من السهل التحدث عن مفاهيم الجهاد والتضحية والبذل والعطاء و الأخلاق والقيم ولكن الصعب هو التنفيذ الذى يحتاج لجهد متواصل فى سبيل الوصول إليه وقد تعلم صلاح الدين من موقعة البابين أن القول غير الفعل و أنه إذا كان التدريب الذى تلقاه من عمه قاسيا إلا أن مواجهة الصليبيين فى تلك الظروف المريرة كان أمرا مختلفا للغاية وقد عانى صلاح الدين كثيرا بسبب ندرة المؤن طيلة حصاره لمدة أربعة أشهر بالإسكندرية .
وصلت أخبار حصار صلاح الدين فى الإسكندرية إلى نور الدين محمود ومن منطلق حرصه على إخراج الجند المسلمين من تلك المحنة سار بجيوشه نحو بنياس لاستعادتها من جديد بعد أن كان الصليبيون قد استولوا عليها مرة أخرى بل إنه بدأ يهدد إمارات أنطاكيا وبيت المقدس فى وضح النهار ويعد العدة للحصول عليها ومن جهة بدأت أخبار انتصارات نور الدين محمود تصل إلى أمورى ومن جهة أخرى ظهر المعدن الحقيقى لشعب الاسكندرية المسلم الذى كان يئن تحت حكم الفاطميين ولكن ما إن وجد القائد المسلم ذو الفطرة السليمة والمتمثل فى شخص صلاح الدين الأيوبى إلا وأعلن عن تكاتفه مع الجند المسلمين وأخذ يمدهم بالمؤن حتى أن الأب كان يرى أبنائه يتضورون جوعا فيطعمهم بأقل القليل ويتبرع بالجزء الأكبر للجيش النورى وكان تكاتف أهل الإسكندرية مع صلاح الدين وجنوده بغرض عدم تسليم مدينتهم للصليبيين وقد شهد ذلك التكاتف السكندرى أصناف عديدة من العطاء وهذا إن دل على شيئ فإنه يدل على أن الشعب الإسلامى لا يموت فمن الجائز أن يغفو ولكن لابد له من النهضة على صحوة قوية إن شاء الله ويبرز المارد الإسلامى من جديد أما عن صلاح الدين فقد تحمل كل العبء والمعاناة حتى استطاع أسد الدين أن يخترق الحصار ويصل إليه فى الاسكندرية .
وبدأت المفاوضات فى الاسكندرية بين أسد الدين وأمورى وانتهت على أن يترك مصر كل من الجيشين النورى والصليبى وفعلا انسحب الجيش بقيادة أسد الدين ولكن أمورى نكص العهد ولم يترك الإسكندرية بل إنه فرض على مصر جزية سنوية قدرها مائة ألف دينار ووقعت مصر تحت الانتداب الصليبى وعين خبراء اقتصاديين وسياسيين لمساعدة شاور فى إدارة شئون مصر وترك حامية صغيرة فى القاهرة .
وعاد الجيش النورى إلى الشام دون تحصيل الأموال التى وعد بها ثلاث مرات وبقى شاور وزيرا على مصر كما بقيت مصر تحت الإنتداب الصليبى و كان أسد الدين شيركوه قد تألم كثيرا لمفارقته مصر فى حين أن صلاح الدين قد سعد بعودة الجيش سالما إلى الشام ونتيجة لذلك التناقض فى الآراء دار الحوار التالى بين أسد الدين وابن أخيه :
(صلاح الدين) : أمازلت تذكر مصر يا عماه ؟ لكأنى ألمس فيك عشقا لها .
(أسد الدين) : إن مصر والشام بالنسبة لنا جناحان ولا قيام للأمة بدونهما كالطائر الذى لا يطير بجناح دون الآخر ولا نصر بغير مصر فإن فيها خير أجناد الأرض .
ولم يكن الرد الذى ألقاه أسد الدين على ابن أخيه سوى تعبير عن وضوح رؤيته لما يهدف إليه على المدى القريب فى دنيته وعلى المدى البعيد فى آخرته " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " [ سورة آل عمران : 142 ] .
وعند عودتهما إلى الشام فى عام 562 هجرية صار أسد الدين أميرا لحمص بينما عين صلاح الدين مديرا لأمن دمشق وبعدها بعامين أى فى عام 564 حدثت أزمة كبيرة بمصر حيث بدأ أمورى يطمع فى الإستئثار بمصر ويرجع ذلك إلى تعرفه على ثراء هذا البلد ولا سيما أن الصليبيين لم يأتوا إلى الشرق إلا طمعا فى ثرواته وليس بدافع الدين كما كانوا يزعمون وفى المرتين السابقتين كان أمورى يدعى من قبل شاور أو الخليفة العاضد وإنما هذه المرة كان تحركه إلى مصر بناءا على رغبته الشخصية فى جعلها الإمارة الصليبية الرابعة بعد أنطاكيا وطرابلس وبيت المقدس ولما أحس شاور بذلك أرسل يطلب النجدة من نور الدين رغم ما أبداه من غدر فى تعاهداته الثلاثة السابقة ولكن نور الدين بدأ بالرفض خوفا أن تكون هذه حيلة من شاور للقضاء على الجيش النورى فما لبثت أن جاءت رسالة من الخليفة العاضد إلى نور الدين محمود مؤداها " أن انقذ نساء مصر من أن تنتهك حرماتها " و كانت الرسالة مذيلة بدماء امرأة قتلت وشعر امرأة يخشى أن تنتهك .
فما كان من نور الدين محمود إلا أن طلب من صلاح الدين أن يخرج من دمشق قاصدا حمص ليدعو عمه أسد الدين شيركوه ولكن هذا الأخير كان قد تلقى الأخبار فالتقى مع صلاح الدين على أطراف دمشق فعادا سويا وعقد مجلس حرب اجتمع فيه القادة جميعا برئاسة نور الدين محمود وبحضور أسد الدين شيركوه ونجم الدين أيوب وصلاح الدين الأيوبى وطلب أسد الدين أن يكون صلاح الدين الذراع الأيمن له فى المعركة المنتظرة وتحدث المفاجأة عندما يرفض صلاح الدين الذهاب إلى مصر وعندها دار حوار قصير بين المعنيين الثلاثة نور الدين وأسد الدين وصلاح الدين تبادلوا فيه الكلمات التالية :
(أسد الدين ) : مولاى نور الدين ترسم له .
(نور الدين) : لم لا تريد الذهاب إلى مصر يا صلاح الدين ؟ .
(صلاح الدين) : مولاى لولا تحرجى منك ما قلت ذلك ولكنى أحتاج إلى فرس وعدة حرب .
(نور الدين) : الأمر أبسط من ذلك درعى درعك وسيفى سيفك وفرسى فرسك .
بعد أن طلب أسد الدين من نور الدين محمود أن يصدر مرسوما رسميا بتكليف صلاح الدين بالذهاب إلى مصر قدم صلاح الدين عذرا ضعيفا مثل تلك الأعذار التى نقدمها أحيانا عند التأخر عن الصلاة أو عدم الانتظام فيها وفى الواقع فإن الإنسان منا يتردد فى الإقدام على نداء الدين فى الفترة التى تسبق تسليم أمره كله لله عز وجل وقد اتخذ كل من والد ووالدة صلاح الدين موقفا حاسما نتيجة تردد ابنهما فى الخروج للجهاد إلى مصر وبعد صلاة الفجر دخل نجم الدين أيوب على ابنه فى حجرته وقال له : " يا يوسف اختر ما شئت ولكن فى الصباح تحمل سيفك وتحمل درعك وتترجل على فرسك وتسير مع عمك فلا أشاهدك بعد اليوم فى دمشق " وبناءا عليه لم يجد صلاح الدين بدا إلا أن ينطلق مع أسد الدين ليدخلا مصر سويا .
وأفضل ما نختم هذا به هذا الجزء دعوة إلى أن يحدد كل منا هدفه فى الحياة فلا يجوز للمسلم أن يعيش سنين من عمره بلا هدف فليكتب كل منا إذن أولويات أهدافه ويحولها إلى مشاريع تتكون من خطوات يتعين تنفيذها وعلى سبيل المثال كلنا يريد دخول الجنة فليحدد كل فرد فينا الخطوات التى سوف ينفذها حتى يجرؤ على طلب الجنة من الله سبحانه وتعالى وهذا هو ما كان أسد الدين شيركوه يفعله إذا كانت مهمته فى الحياة فتح مصر وبالفعل ما أن تفتح مصر إلا ويموت أسد الدين شيركوه ويتسلم صلاح الدين الراية من بعده .
هذا تلخيص لأحد دروس الدكتور ياسر نصر
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
إتحفني برأيك