الخميس، 30 أكتوبر 2008

سقوط الأندلس

وقفنا في المقالة السابقة على تداعيات سقوط دولة الموحدين وهزيمة العقاب وسقوط مدن الأندلس الواحدة تلو الأخرى حتى سقطت عاصمة الأندلس قرطبة ولم يبق في بلاد الأندلس إلا مدينتان كبيرتان إلى حد ما وهما غرناطة وأشبيلية وكلامها يمثلان 25% من مساحة أرض الأندلس وذكرنا في المقالة السابق أن المسلمين استمروا في بلاد الأندلس لمدة أكثر من 250 سنة بعد الانهيار الكبير لدولة الأندلس وهي علامات هامة جدا لابد أن يقف عندها المسلمون .

بعد أن سقطت جيان وهي آخر المدن التي تحدثنا عن سقوطها في المقالة السابقة وفي نفس تلك السنة أي سنة 643 هـ يأتي فرناندو الثالث ملك قشتالة ويعاهد ابن الأحمر ولكن قبل أن نعرف ماهية هذه المعاهدة نعرف أولا من هو ابن الأحمر .

ابن الأحمر هو محمد بن يوسف بن نصر وينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن شتان بين ابن الأحمر وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يسمى بابن الأحمر لأن شعره كان لونه أحمر ولم يكن هذا اسمه بل كان يلقب بابن الأحمر ولأبنائه من بعده حتى نهاية حكم المسلمين لغرناطة .

عقد ابن الأحمر معاهدة مع ملك قشتالة وكان فيها :

أولا :
دفع الجزية لملك قشتالة فانظر لما حدث بعد سقوط دولة الموحدين وقد كانت 150 ألف دينار ذهب كل سنة .

ثانيا :
أن يحضر إلى بلاطه كأحد ولاته على البلاد .

ثالثا :
أن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة .

رابعا :
أن يسلمه ما بقي من حصون جيان وأرجونة وغرب الجزيرة الخضراء وتقع كل هذه الحصون في غرب غرناطة وبذلك يسلم ابن الأحمر مواقع خطيرة جدا وتحيط بغرناطة وأعطاها لفرناندو الثالث ملك قشتالة .

خامسا :
أن يساعده في حروبه مع أعدائه إذا احتاج له فتخيل أن ملك غرناطة المسلم يساعد ملك قشتالة النصراني .

وأول حرب يدخل فيها ملك قشتالة بعد هذه المعاهدة هي الحرب ضد أشبيلية ويذهب إلى ابن الأحمر ويطلب منه أن يساعده في دخول أشبيلية فيسمع ويطيع ويأخذ ابن الأحمر فرسان المسلمين ويذهبون في مقدمة جيوش قشتالة ليحاصروا أشبيلية لمدة سنة وخمسة أشهر وهذا أمر عجيب فإذا فهمنا هذا من ابن الأحمر كيف نفهمه من شعب غرناطة فكيف يتحرك هذا الشعب لحصار هذه المدينة المسلمة المجاورة ولكن انظر إلى الانهيار الشديد في أخلاق القادة والشعوب فهذا الشعب لم يتأثر بحصار إخوانه الموجودين في أشبيلية وكان أهل أشبيلية يستغيثون بمن حولهم لكن المغرب كانت مشغولة بالثورات الداخلية فبنو مارين يصارعون الموحدين وغرناطة تحاصر أشبيلية ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وفي السابع من شهر رمضان سنة 646 هـ تسقط أشبيلية بأيدي المسلمين ومن عاونهم من النصارى ويغادر أهلها البلد وكانوا أربعمائة ألف مسلم وتم تهجيرهم خارج أشبيلية وكانت من أقوى حصون الأندلس ومن أعظم ثغور المسلمين ولكن واحسرتاه على المسلمين وكما قال الشاعر :

وما فتئ الزمان يعود حتى مضى بالمجد قوم آخرون
وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمون ؟

فأين المسلمون ؟ المسلمون يقتل بعضهم بعضا ويشرد بعضهم بعضا وهذا كان واقع هذه البلاد في سنة 646 هـ وتختفي أشبيلية من على الخارطة الإسلامية وحتى الآن مازال مسجد أشبيلية الكبير الذي أسسه يعقوب المنصور الموحدي بعد موقعة الأرك الخالد والذي أسسه بغنائم الأرك مازال إلى اليوم كنيسة يعلق فيها الصليب ويعبد فيها المسيح ولا حول ولا قوة إلا بالله .

لم يبق في أرض الأندلس بلد إسلامية إلا غرناطة والتي تمثل 15% من أرض الأندلس وكانت تضم ثلاثة ولايات متحدة سويا فتجد ولاية غرناطة وولاية مالقة وولاية المرية وكانت تلك الولايات تحت حكم ابن الأحمر .

وقد يتساءل البعض ما الذي يدفع ملك قشتالة أن يعقد اتفاقا أو معاهدة مع ابن الأحمر مع أن المسلمين وصل بهم ما وصل من حالة الضعف ؟ ولماذا لم يأكل غرناطة كما أكل غيرها من بلاد المسلمين ؟ .

في الواقع كان في غرناطة كثافة سكانية عالية جدا فتستعصي على جيوش النصارى أن يدخلوها مع تلك الكثافة العالية وربما نعجب لماذا الكثافة العالية ؟ . فنقول إنه لما كانت تسقط مدينة إسلامية فإن النصارى ينهجون نهجا واحدا إما القتل وإما التشريد والطرد من البلاد فكلما طرد أحد من بلاده يتجه إلى الجنوب في العمق أكثر وأكثر فتجمع أهل الأندلس من المسلمين في الجنوب الشرقي من البلاد فأصبح فيها كثافة ضخمة لا تمكن قوات النصارى من دخول هذه البلاد .

وأيضا كانت هناك حصون منيعة جدا كانت تحيط بغرناطة والمرية ومالقة وأيضا هذه المدن تقع على البحر الأبيض المتوسط بالقرب من بلاد المغرب العربي وقد قامت في بلاد المغرب العربي نواة لدولة جديدة هي دولة بني مارين وكانت دولة سنية تقوم على التقوى وكانت تساعد من حين لآخر بلاد غرناطة ولذلك استطاعت هذه البلاد أن تقف على قدميها ولو قليلا في مواجهة فرناندو الثالث ومن معه من النصارى في مملكة قشتالة .

والمعاهدة التي حدثت كانت مخزية فإن ابن الأحمر يدفع فيها الجزية ويقضي معه العهود ألا يحاربه أبدا ومع أن المعاهدة قائمة على الصداقة وعدم الحرب إلا أن فرناندو الثالث ومن تبعه من ملوك النصارى دائما ما كانوا يخونون العهد ويحتلون بعض المدن ويحاول ابن الأحمر أن يردها فلا يفلح ثم يعاهدهم من جديد ويترك لهم حصنا أو حصنين أو مدينة أو مدينتين فيتركوه حاكما على البلاد يحكم باسمهم ولا حولا ولا قوة إلا بالله .

وعلى الرغم من أن ابن الأحمر كان معاهدا للنصارى ألا أن قول الله عز وجل ينفذ فقد قال الله { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } (100) سورة البقرة .

ومن سنة 643 هـ إلى سنة 671 هـ كانت فترة معاهدات مع النصارى من قبل ابن الأحمر وفي سنة 671 هـ يحدث أن ملك قشتالة وكان في ذلك الوقت يسمى بالفنسو العاشر يخالف مخالفة صريحة للمعاهدة ويبدأ في تجهيز جيوش كبيرة ينوي بها دخول غرناطة لإنهاء الوجود الإسلامي تماما في بلاد الأندلس وهنا ابن الأحمر يجد نفسه في مأزق فهو قد عاهد من لا عهد له ونظر إلى بلاد المغرب فوجد بني مارين وهي الدولة التي قامت على أنقاض دولة الموحدين وقد سقطت دولة الموحدين سقوطا كاملا سنة 668 هـ وقام بحكم بني مارين رجل يسمى يعقوب المنصور الماريني وهو يختلف عن يعقوب المنصور الموحدي فهذا كان في زمن وهذا في زمن آخر ولكن كلاهما على شاكلة واحدة في طريقة الحكم والعدل والقوة وكلاهما من أكبر القواد في تاريخ المسلمين .

انظر إلى صفة يعقوب المنصور الماريني كما يصفه المؤرخون المعاصرون له فقد قالوا ( كان صوّما قوّما دائم الذكر كثير الفكر لا يزال في أكثر نهاره ذاكرا وفي أكثر ليله قائما يصلي مُكرما للصالحين وكثير الرأفة والحنين على المساكين متواضعا كريما جوادا وكان مظفرا منصور الراية ولم تهزم له راية قط ولم يكسر له جيش ولم يغزوا عدوا إلا قهره ولا جيشا إلا هزمه ودمره ولا قصد بلدا إلا فتحه وكان خطيبا مفوها يؤثر في نفوس جنوده وكان شجاعا مقداما يبدأ الحرب بنفسه ) وتلك الصفات يجب أن نقف عندها كثيرا ولكن ليس بإمكاننا هذا الآن وعلى المسلمين أن يعتبروا من هؤلاء القادة العظماء .
يستعين محمد بن الأحمر ببني مارين وبالفعل يأتوا ويصدون هجوم النصارى ولكننا نلاحظ أن بلاد الأندلس قد تعودت أن تستورد النصر من خارجها فمثلا يستوردوه من المرابطين ومرة من الموحدين والآن من بني مارين وهكذا لا تقوم للمسلمين قائمة في بلاد الأندلس إلا بمساعدة المغرب العربي وهذه البلاد التي قامت على أكتاف غيرها لن يستقيم لها الأمر ولا تستكمل النصر فلا يستقيم أبدا أن تنفق الأموال الضخمة في بناء قصر الحمراء وهو من أعظم قصور الأندلس ليكون قصرا للحكم لابن الأحمر وهو في هذه المحاصرة من النصارى ولا يستقيم له أن ينشأ الجنان الكثيرة وكانت أكثر من 300 حديقة ضخمة في غرناطة ويطلق على كل حديقة جنة وذلك من سعة هذه الحديقة وكثرة الثمار والأشجار فلا يستقيم له فعل هذا والبلاد محاصرة وعندما يأتي وقت الجهاد يستعين بالبلاد المجاورة .

أتى بنو مارين واستطاعوا أن يردوا الهجوم ولكن في نفس العام أي في سنة 671 هـ مات ابن الأحمر عن عمر يناهز الثمانين ويستخلف على الحكم ابنه واسمه محمد أيضا فيكون اسمه محمد بن محمد بن يوسف بن الأحمر وكانوا يلقبونه بالفقيه لأنه صاحب علم غزير وفقه عميق وقد كان معظم أسماء الأمراء من بني الأحمر محمد .

ولما تولى محمد الفقيه الحكم علم أن قوة المسلمين في بلاد الأندلس لن تستطيع مواجهة قوة النصارى بالإضافة إلى أن الفنسو العاشر ظن أنه لما مات محمد ابن الأحمر فإن الدولة قد تهاوت وبدأ في الهجوم على أطراف غرناطة وهنا محمد بن الأحمر الثاني أو الملقب بالفقيه يستعين بالقائد العظيم يعقوب المنصور الماريني رحمه الله .

وفي سنة 673 هـ جهز المنصور جيشا قوامه خمسة آلاف رجل فقط ووضع نفسه على رأس الجيش وعبر إلى بلاد الأندلس حتى يساعد محمد الفقيه في حربه ضد النصارى وهناك في مكان خارج غرناطة وبالقرب من قرطبة يلتقي المسلمون مع الصليبيين وقد كان عدد المسلمين وقتذاك مكونون من عشرة آلاف مقاتل فخمسة من جيش بني مارين وخمسة آلاف من جيش غرناطة ووجد المسلمون أن جيش النصارى كان تسعين ألفا وعلى رأسهم رجل من أكبر القواد في مملكة قشتالة وهو دون يونيو ديلارا ونحن نذكر اسمه لأن الموقعة التي دارت في ذلك الوقت عرفت في التاريخ باسم موقعة الدونونية نسبة إلى قائد النصارى .

كانت في الموقعة في سنة 674 هـ وقاد جيوش المسلمين المنصور الماريني رحمه الله وأخذ يحفز الناس بنفسه على القتال وكان مما قاله في خطبته الشهيرة التي قالها ليحفز جنده في هذه الموقعة ( ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها وزينت حورها وأترابها فبادروا إليها وجدوا في طلبها وابذلوا النفوس في أفنانها ألا وإن الجنة تحت ظلال السيوف ، إن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة فاغتنموا هذه التجارة الرابحة وسارعوا إلى الجنة بالأعمال الصالحة فمن مات منكم مات شهيدا ومن عاش رجع إلى أهله سالما غانما مأجورا حميدا فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) فعانق الناس بعضهم بعضا للوداع وبكوا جميعا وسبحان الله بهؤلاء الجند وبهذا القائد وبهذا العدد القليل انتصر المسلمون انتصارا هائلا وقتل من النصارى ستة آلاف وأسر ثمانية آلاف وقتل دون يونيو قائد جيش قشتالة في هذه الموقعة وغنائم كثيرة وما انتصر المسلمون بعد موقعة الأرك سنة 591 هـ إلا في موقعة الدونونية .

وبعد هذه الموقعة انقسم جيش المسلمين إلى نصفين فنصف توجه إلى جيان وعلى رأسه ابن الأحمر ( محمد الفقيه ) ففتح جيان وانتصر عليهم ونصف آخر اتجه إلى أشبيلية وعلى رأسه المنصور فإذا به يحرر أشبيلية ويصالح أهلها على الجزية ومعه خمسة آلاف فقط فانظر إلى صلاح الرجال وإلى صلاح الجيوش .

وفي سنة 677 هـ ينتقد أهل أشبيلية ( أي يقومون بثورة على المسلمين ) فيذهب إليهم يعقوب الماريني رحمه الله ويصالحونه على الجزية بعد أن تحاصر فترة من الزمان ثم يتجه إلى قرطبة ويحاصرها فترضخ له على الجزية وكل هذا وقوام جيشه خمسة ألاف مقاتل فقط وهذا أمر غير مستغرب في التاريخ الإسلامي ولكن المستغرب أن يهزم جيش المنصور الماريني رحمه الله أو أن ينتصر جيش كجيش الناصر لدين الله في موقعة العقاب وكان يبلغ من الرجال خمسمائة ألف ولكنهم يعتمدون على قوتهم ولا يعتمدون على الله سبحانه وتعالى وهذه سنن تتكرر في التاريخ .

حصل يعقوب المنصور الماريني رحمه الله على غنائم كثيرة من فتوحاته ثم هو بعد ذلك يعطي غنائمه لأهل الأندلس من غرناطة ويعود إلى بلاد المغرب ولا يأخذ معه شيئا وانظروا للتاريخ كيف يكرر نفسه وقد كان هذا نفس فعل يوسف بن تشفين رحمه الله بعد موقعة الزلاقة فهؤلاء هم الرجال المنصورون .

وفي أثناء عودة يعقوب المنصور الماريني رحمه الله إلى بلاد المغرب يموت حاكم المرية وتولى من بعده ابن هذا الحاكم وهذا الابن لما رأى أفعال يعقوب المنصور الماريني وانتصاراته المتعددة أعجب به إعجابا كبيرا فعرض عليه أن يحكم هو المرية أي أراد هذا الابن أن يعطي المرية إلى يعقوب المنصور الماريني فقبل يعقوب المنصور الماريني هذا العرض ووضع فيها قوة قوامها ثلاثة آلاف واستجلب ثلاثة آلاف آخرين وضعهم في جزيرة طريف حتى يكونوا مددا قريبا إلى بلاد الأندلس إذا احتاجوا إليهم في حربهم ضد النصارى ثم عاد إلى بلاد المغرب .

ينظر محمد بن الأحمر الفقيه ما فعله حاكم المرية وإعطاء ولاية المرية ليعقوب المنصور الماريني فأوجس في نفسه خيفة ويقول إن في التاريخ لعبرة فلقد استعان المعتمد على الله بن عباد بيوسف بن تشفين فأخذ البلاد وضمها إلى دولة المرابطين وها هو الآن يعقوب الماريني يأخذ مدينة طريف ومدينة المرية وأراد أن يتخذ موقفا حتى لا تضم بلاد الأندلس إلى دولة بني مارين وانظر للفكر الذي كان عليه هذا الرجل الذي لقبوه بالفقيه وما هو بالفقيه فماذا يفعل وهو ليست له طاقة ولا لشعبه ولا لجيشه ولا لحصونه ؟ فهو فعل أمرا ما تخيله أحدا من المسلمين فقد ذهب إلى ملك قشتالة ويستعين به لطرد يعقوب المنصور الماريني من جزيرة طريف فيذهب إليه بعد أن انتصر عليه في موقعتين شهيرتين في التاريخ فيذهب للعدو ليطرد المنصور الماريني من جزيرة طريف .

فيأتي الجيش وأساطيله ويحاصر طريف من ناحيتين فناحية يقف فيها ابن الأحمر الفقيه والناحية الأخرى يقف فيها ملك قشتالة ويحاصر مدينة طريف ويسمع ذلك يعقوب المنصور الماريني رحمه الله فيعود من جديد إلى جزيرة طريف ويجهز الجيوش ويأتي بالأساطيل ويحارب النصارى هناك في موقعة كبيرة سنة 677 هـ وينتصر يعقوب المنصور الماريني رحمه الله على النصارى ويفرون من أمامه فرار إلى الشمال ويجد ابن الأحمر نفسه في مواجهة يعقوب المنصور الماريني فماذا يفعل ؟ فيبدأ بالندم والاعتذار وإظهار الأسباب الغير المقبولة وانظروا لما فعل يعقوب المنصور الماريني رحمه الله فقد عفا عنه وتاب عليه وأعاده إلى حكمه فقد كان رجلا يملك قلبه ويتحكم فيه .

ولنا وقفة ما فعله محمد ابن الأحمر الفقيه من تعاون مع النصارى ويحاصر مدينة مسلمة فهذا كله يفسر لنا لماذا سقطت هذه الدولة فما فعله ابن الأحمر كان بمعاونة جيشه وشعبه فشعب كهذا لابد له من أن ينتهي لأنه شعب رضي وقبل أن يحاصر المسلمين ويعاونون النصارى للقضاء على المسلمين .

وفي سنة 684 هـ يستعين ابن الأحمر من جديد بيعقوب المنصور الماريني رحمه الله لرد وصد حملة صليبية مرة أخرى على بلاده وبالفعل استجاب يعقوب المنصور الماريني رحمه الله فقد وهب حياته للدفاع عن هذا الدين وفي هذه الموقعة ينتصر المسلمون على النصارى ويعقد النصارى عهدا مع المنصور الماريني رحمه الله وكانت له شروطا ولننظر لهذه الشروط التي فرضها يعقوب المنصور الماريني على النصارى فهو لم يطلب منهم مالا ولم يطلب قصورا أو جاها ولكن طلب منهم أن يأتوه بكتب المسلمين الموجودة في قرطبة وأشبيلية وطليطلة وغيرها من البلاد فهذا هو الذي يريده من تلك البلاد وبالفعل أتوا له بكميات ضخمة جدا من الكتب وهذا هو الذي حفظ تراث الأندلس إلى الآن فمازالت إلى الآن الكتب التي أخذها يعقوب المنصور الماريني موجودة في مكتبة فاس بالمغرب فانظروا إلى علو المقاصد والهمم عند هذا الرجل وانظروا كيف كان ابن الأحمر وأولاده .

وفي سنة 685 هـ يموت الحاكم العظيم المنصور رحمه الله ويخلفه يوسف بن المنصور على إمارة بني مارين ويذهب ابن الأحمر الفقيه بسرعة إلى يوسف ويعرض عليه ما شاء من أرض الأندلس ويعرض عليه الولاء والطاعة ويقدم له ما يريد فطلب يوسف بن المنصور رحمه الله أن يأخذ الجزيرة الخضراء وطريف حتى تكون قاعدة له في حرب النصارى وهدأت الأمور نسبيا في غرناطة ولكن لما أخذ يوسف بن المنصور رحمه الله الجزيرة الخضراء وجزيرة طريف تحركت الوساوس من جديد في قلب ابن الأحمر ومع أنه ملقب بالفقيه إلا أنه يذهب من جديد إلى النصارى ويستعين بهم مرة أخرى لحرب يوسف بن المنصور لرد طريف وأخذها من بني مارين .

يأتي بالفعل جيش النصارى ويحاصر طريف ولكن في هذه المرة يستطيعون أن يسقطوا طريف وكان الاتفاق بين النصارى وبين محمد الفقيه ابن الأحمر أنه إذا أخذوا هذه الجزيرة من بني ماريني أن يأخذها ابن الأحمر الفقيه ولكن بعد أن أخذها النصارى لم يعيدوها له ولكن أخذوها لأنفسهم وهكذا خانوا العهد معه وحدثت الجريمة الكبرى والخيانة العظمى وسقطت طريف وهذه الجزيرة في منتهى الخطورة لأنها تطل على مضيق جبل طارق وبذلك انقطعت بلاد المغرب عن بلاد الأندلس وبهذا انقطع المدد من بلاد المغرب إلى بلاد الأندلس ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وفي سنة 701 هـ يموت ابن الأحمر الفقيه ويتولى من بعده محمد الثالث الذي كان يلقب بالأعمش وهذا كان رجلا ضعيفا جدا وتولى الأمور في عهده الوزير أبو عبد الله بن الحكيم وما هو بالحكيم وسيطر على الأمور تماما في بلاد غرناطة ثم انظر ماذا فعل ؟ .

لقد كان هذا الوزير على شاكلة من سبقه في مراسلة ملك قشتالة والتحالف معه ثم هو لم يكتف بهذا بل إنه زاد في هذه المحالفة بأن فعل أمورا عجيبة فقد جهز جيشا وذهب ليقاتل المسلمين فهل تتخيلوا هذا ؟ ذهب ليحتل سبتة في المغرب العربي وذلك حتى يقوي شأنه في مضيق جبل طارق وانظروا إلى العجب الذي حدث في تاريخ المسلمين بل وفعل ما هو أشد من ذلك فقد تراسل مع رجل من بني مارين ليقوم بانقلاب ضد يوسف بن المنصور وأمده بسلاح فوافق الرجل وقامت فتنة في بني مارين وقد كان هذا الرجل يريد أن يزعزع الحكم في بني مارين ويعتمد تماما على ملك قشتالة في حكم وياله من غباء منقطع النظير فهذا أمر لا يقره عقل ولا دين .

ترى ما النتيجة ؟ لقد سقط جبل طارق في يد الصليبيين بعد أعوام قليلة وعزلت بالكلية بلاد الأندلس عن بلاد المغرب العربي وهكذا تركت غرناطة لمصيرها المحتوم ونحن نعلم أن حكام غرناطة وشعب غرناطة قد اعتمدوا في حياتهم منذ سنوات طويلة على استيراد النصر من بلاد المغرب والآن انقطع النصر الذي يأتي من بلاد المغرب هذا غير الخيانات التي حدثت على بلاد المغرب جعلت أهل المغرب لا يثقون في مساعدة أهل غرناطة وهكذا تركوا لحالهم وتركوا لشأنهم .

وقد سقط جبل طارق في سنة 709 هـ في يد الصليبيين ومنذ هذه السنة حتى سنة 897 هـ والحال كما هو في بلاد غرناطة بنوا الأحمر يعقدون معاهدات مع ملك قشتالة فهم يسلمون حصنا أو قرية ويدفعون الجزية وخزي وعار لسنوات طويلة لكن سبحان الله لم تسقط والذي حفظ تلك البلاد 200 سنة مع هذا الضعف الشديد وبدون مدد من بلاد المغرب أنه كان هناك خلاف كبير جدا يدور بين مملكتي قشتالة وأراجون فهما مملكتان نصرانيتان في شمال غرناطة كانا يتصارعان سويا وكل مملكة منهم أصبحت مملكة ضخمة وكبيرة وذلك على أنقاض الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس فأصبحت قوة غرناطة هزيلة جدا ولا ينظرون إليها وانشغلوا بأنفسهم وتركوا المسلمين .

ودعونا ندرس آخر 25 سنة في آخر مائتي سنة تلك التي كانت على عهد واحد من الخمول والركون إلى المعاهدات المخزية مع النصارى فلننظر ما الذي غير الأحوال وجعل بلاد الأندلس تسقط بالكلية ويلتفت إليها النصارى بعد أن انشغلوا عنها بحروبهم .

ففي سنة 871 هـ أي قبل السقوط بحوالي 26 سنة كان يحكم رجل يسمى محمد بن سعد بن إسماعيل بن الأحمر وهو الملقب بالغالب بالله وهي أسماء على غير مسمى ويحكم الغالب بالله هذه البلاد وله أخ اسمه محمد أيضا ويُعرف بسم أبي عبد الله محمد الملقب بالزغل وهو الرجل الشجاع وقد حدث أنهما اختلفا على الحكم وتصارعا داخل مملكة غرناطة الهزيلة الضعيفة المحاطة في الشمال بمملكتي قشتالة وأراجون وأبو عبد الله محمد الزغل استعان بملك قشتالة حتى يحارب أخاه الغالب بالله وبالفعل تمت الاستعانة ودارت موقعة بين الأخوين ولكن الحمد لله اصطلح الأخوان ولكن علاما اصطلحا ؟ .

اصطلحا على تقسيم غرناطة فهل تتخيلوا هذا ؟ فغرناطة تلك البلد الضعيفة جدا في هذه المنطقة المحاصرة بالصليبيين يصطلحان على تقسيم غرناطة إلى جزء شمالي وهو ولاية غرناطة الرئيسية وعلى رأسها الغالب بالله وجزء جنوبي وهي ولاية مالقة وعلى رأسها الزغل أو الشجاع وهكذا انقسمت غرناطة إلى قسمين .

وفي سنة 874 هـ وبعد هذا التقسيم بثلاثة أعوام يحدث أمر خطير جدا في الأندلس وهو زواج فرناندو الثالث ملك أراجون ( يختلف عن فرناندو الثالث القديم ملك قشتالة ) من إيزابيلا وريثة عرش قشتالة وقد يتساءل البعض ما المشكلة في هذا ؟ .. فنقول إن بعد هذا الزواج اصطلحت الدولتان أي دولة أراجون مع دولة قشتالة وبعدها بخمس سنوات توحدت المملكتان في مملكة واحدة هي مملكة أسبانيا وكان ذلك في سنة 879 هـ وكانت هذه بداية النهاية لغرناطة وأقسم الملكان فرناندو الثالث وإيزابيلا على ألا يعقدا عرسا إلا في قصر الحمراء وهو قصر الرئاسة الموجود في غرناطة .

وانظر إلى العزم الذي جهزاه لبلاد المسلمين ثم تعال وانظر إلى بلاد غرناطة في ذلك الوقت أي في سنة 879 هـ فالبلاد منقسمة إلى شطرين أو قسمين فقسم مع الزغل وقسم مع الغالب بالله وانظر إلى الشعب فقد عم الترف وعمت الدعة ( الرفاهية ) والخمول والغناء والخمور في هذه البلاد في ذلك الوقت وماذا ننتظر بعد كل هذه الأمور ؟ .

ليس هذا فحسب بل إن الغالب بالله الذي يحكم غرناطة كان متزوجا من امرأة اسمها عائشة وعرفت بالتاريخ باسم عائشة الحرة وكانت له جارية وكانت نصرانية واسمها ثريا وفتن بها جدا وغرق في عشقها وأنجبت له ولدا اسمه يحيى وأثرت عليه حتى تجعل يحيى هذا هو وريث عرش غرناطة والمؤهل للحكم رسميا هو ابن عائشة الحرة وهو محمد أبو عبد الله وكلهم كان اسمهم محمد وكانوا يريدون أن يفرقوا ما بين أبو عبد الله محمد وما بين أبو عبد الله محمد الذي اسمه الزغل فسموا الأخير بالصغير وكان أصغر من عمه وكان هذا الاسم على مسمى فكان بالفعل صغيرا في سنه وصغيرا في مقامه ولنرى ما حدث في بلاد غرناطة .

أراد أن يضمن الغالب بالله أن يرث الحكم من بعده ابنه يحيى من الجارية النصرانية ثريا فقام بحبس ابنه أبو عبد الله محمد الصغير وحبس عائشة في قصر كبير وقيد حركتهما تماما وكان هناك الكثير من الناس في غرناطة قد رفضوا أن يتولى الحكم من بعد الغالب بالله ابنه يحي الذي هو ابن لجارية نصرانية فقاموا بحركة كما نسميها نحن في عصرنا حركة عسكرية وقاموا بتخليص أبو عبد الله محمد الصغير وأمه من محبسهما وأول ما فعله أبو عبد الله محمد الصغير من خروجه من السجن أن قام بثورة على أبيه فهل ترون ما يجري الآن ؟ ثم تولى الحكم في بلاد غرناطة وطرد أباه من بلاد غرناطة إلى الجنوب ليذهب إلى أخيه الزغل في مالقة وهكذا أصبحت البلاد مقسمة لقسمين فهذا مع الزغل وهذا مع أبو عبد الله محمد الصغير .

ماذا فعل ملك أسبانيا في مثل هذه الأمور ؟ بالطبع استغل فرناندو الثالث ملك أسبانيا الموقف وبدأ يهاجم حصون غرناطة لأن هناك خلاف وانشقاق داخل البلد وبدأ يحاربه الصغير وقد كان مخالفا لنهج الغالب بالله فقامت بينهما معركة ولكن الصغير ليست له طاقة للحروب فأسر من قبل ملك أسبانيا فاستطاع الزغل أن يضم غرناطة إلى أملاكه فأصبحت غرناطة مملكة واحدة من جديد تحت إمارة الزغل والغالب بالله انتهى أمره ومات بعد ذلك فقد مات هما وكمدا مما حدث في البلاد .

عرض الزغل على ملك أسبانيا أن يسترد منه الصغير وفي المقابل يعطيه أموالا كثيرة ولكن ملك أسبانيا رفض هذا ولكن لماذا رفض ؟ .

لقد تعاقد ملك أسبانيا مع الصغير وقد كان عمره ساعتها 25 سنة على أن يمكن له في حكم بلاد غرناطة على أن يطرد منها الزغل بالكلية فكيف يفعل هذا ؟ .

قال له ادخل من شمال غرناطة وتثور فيها أما هو أي ملك أسبانيا فيأخذ جيشه ويحاصر مالقة في الجنوب وبذلك يحصروا غرناطة بين فكي كماشة فعندما يأتي الزغل ويحاربني في مالقة تدخل أنت وتسيطر على بلاد غرناطة ولما نأخذ مالقة نعطيها لك وتصبح أنت حاكما على غرناطة باسم ملك أسبانيا ووافق الصغير على هذا وذلك لأنه بالفعل صغير وصغير جدا .

سار الصغير إلى شمال بلاد غرناطة كما اتفق مع ملك أسبانيا فرناندو الثالث واتجه فرناندو الثالث بجيوشه إلى مالقة وتوجه الزغل سريعا إلى مالقة لحرب النصارى هناك ولكن النصارى استطاعوا أن يأخذوا مالقة منه فعاد مسرعا إلى غرناطة فوجدها في يد ابن الأحمر الصغير فماذا فعل ؟ .

انطلق إلى شرق غرناطة في منطقة تسمى وادي آش واستقل بها وأخذها وأقام فيها جزءا من مملكة وكل فترة تنقسم غرناطة أكثر وأكثر فهناك جزء في الشرق على رأسه الزغل وهذا وادي آش وجزء آخر وهو غرناطة وعلى رأسه الصغير وجزء آخر هو مالقة وأخذه ملك أسبانيا ومن المفترض أن يعيد هذا الجزء إلى ابن الأحمر الصغير وقد طلب ابن الأحمر الصغير من ملك أسبانيا أن يعيد له مالقة كما اتفقا على ذلك فقال له ملك أسبانيا ( إن أنا سحبت جيوشي من هذه البلاد أتى الزغل وأخذها وأنا سوف ابقي جيوشي لحمايتك ) ثم أخذ مالقة ثم ما مرت إلا شهور واسترقّ ملك أسبانيا أهل مالقة جميعا أي جعلهم رقيقا له وقد كانوا من المسلمين ولم يرع المعاهدة التي تمت بينه وبين الصغير ولكن هذا هو ديدنهم وهذه هي طبيعتهم واسمع قول الله عز وجل لكل متدبر إذ يقول { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } (8) سورة التوبة .

انطلق ملك أسبانيا من مالقة إلى المرية والتي هي على ساحل البحر الأبيض المتوسط واحتلها في سنة 895 هـ ومنها توجه إلى وادي آش الذي كان عليه الزغل فهرب منه الزغل إلى تونس وترك البلاد بما فيها من المسلمين وهكذا كان يفعل ملوك هذا الزمان وهكذا حوصرت مدينة غرناطة وقرى غرناطة ومزارع غرناطة بجيوش الصليبيين من كل مكان وأحاطوها من الشرق والغرب ومن الشمال ومن الجنوب وهكذا كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت ) رواه أبو داود وصححه الألباني .

وهكذا تداعى ملوك النصارى حول مملكة غرناطة المسلمة والضعيفة جدا في ذلك الوقت وحرقوا القرى والمزارع حول حصون غرناطة وطلبوا من الصغير أن يسلم مفاتيح المدينة وكان ذلك في سنة 895 هـ قبل السقوط بعامين وهنا شعر الصغير أن ما حدث كان خلافا لما يتوقعه وكان يعتقد أنه بينه وبين النصارى ولاء وتحالفات وعهود ولكن الذي حدث الآن أنهم ما أبقوه على كرسيه كما وعدوه ولكنهم يطالبونه الآن أن ينطلق ويترك بلاد غرناطة ليتولى النصارى أمرها وأعطوه فرصة للتفكير وظل يفكر الصغير ماذا يفعل ؟ فيجد أنه لا حل له إلا أن يحاربهم ولو سمع لهم وأطاع لترك البلاد والحكم وهذا مالا يريده فبعد تفكير طويل وجدال مع وزرائه اقتنع بأنه يجب أن يدافع عن البلد ولكن محمد بن الأحمر الصغير ومن معه من الوزراء أو الشعب لا يستطيعون أن يدافعوا عن البلد .

حدث أمر رائع في بلاد غرناطة في ذلك الوقت إذ قامت انتفاضة قوية إسلامية في بلد غرناطة في ذلك الوقت وقام على رأسها رجل اسمه موسى بن أبي غسان وحرك الجهاد في قلوب الناس وبدأ يحمسهم على الموت في سبيل الله وعلى الدفاع فتحرك الشعب ليدافع عن غرناطة وظلوا في دفاعهم طيلة سبعة أشهر كاملة والمسلمون يدافعون عن غرناطة ضد الهجمات الصليبية الشرسة ومحمد بن الأحمر الصغير ينظر إلى الأمور ويتابع ولا يستطيع أن يفعل شيئا ويتمنى أن يجد حلا أو مخرجا مما هو فيه ولكنه لا يجد ولكن بعد سبع شهور من هذه الأمور يحدث أمر جديد .

أرسل فرناندو الثالث وإيزابيلا رسالة إلى محمد بن الأحمر الصغير يطلبان منه أن يسلمهم غرناطة على أن يعطوه شروطا كثيرة جدا تضمن له ولقومه ولجيشه الأمان فأعطوه في هذه الرسالة أكثر من سبعين شرطا يضمن له البقاء فتترك المساجد ولا تدخل الديار ويطلق الأسرى وتؤمن الأعراض والأموال ويوضع أبو عبد الله محمد الصغير كأحد الوزراء المعاونين لملك أسبانيا .

وفي ذات الوقت فهم موسى بن غسان قائد الانتفاضة مغزى هذه الرسالة فقد كانت محاولة من النصارى لوقف الانتفاضة ووقف الدفاع عن البلاد ووقف الحمية للجهاد ووقف حمية الناس للموت في سبيل الله ولكن محمد الصغير لم يفهم هذه الرسالة فوافق على هذه الشروط ووجدها حلا مناسبا للخروج من المأزق ولا يريد أن يجاهد أو يحارب فقط يريد أن يبقى حيا ولو في ذل .

وافق محمد الصغير على الطلب ووضع لنفسه شرطين لأنه يريد أن يؤمن نفسه من خيانة النصارى وانظروا كيف كان يفكر هذا الرجل الصغير فقال لهم أن يقوما بالقسم على هذه العهود أي يقسم فرناندو وإيزابيلا وبالفعل أقسما كما كان يطلب أما الأمر الثاني أن يحكم هيئة معينة تضمن تطبيق هذه المعاهدة ( ترى هل تنفع الأمم المتحدة ؟ ) فنظر إلى بلاد العالم فلم يجد من يحترم ملك أسبانيا رأيه إلا البابا في إيطاليا ( وامصيبتاه ) فطلب الصغير أن يوقع البابا على هذه المعاهدة فوقع البابا على هذه المعاهدة واتجه الصغير ليسلم مفاتيح مدينة غرناطة ويوقف حركة الجهاد في البلد في مقابل أن يعطوه الأمان كما ذكروا بعد وقع له بابا روما وأقسم لهم على هذه العهود فرناندو وإيزابيلا .

موسى بن أبي غسان رحمه الله فهم هذا الأمر ووقف في قصر الحمراء وقال إن النصارى لا عهد لهم ثم خطب خطبة مهيبة وقال فيها ( لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم إن الموت أقل ما نخشى فأمامنا نهب مدننا وتدميرها وتدنيس مساجدنا وتخريب بيوتنا وهتك نساءنا وبناتنا وأمامنا الجور الفاحش ( الظلم ) والتعصب الوحشي والسياط والأغلال وأمامنا السجون والأنفاق والمحارق فهذا ما سنعاني من مصائب بدلا من الموت الشريف أما أنا فوالله لن أراه ( يقصد أنه لن يرى العذاب أو الذل ولكنه سيموت شهيدا أو ينتصر ) ) وغادر المجلس وذهب إلى بيته ولبس سلاحه وركب جواده وانطلق يقابل سرية من سرايا النصارى أي كما نقول عملية استشهادية فهو بمفرده انطلق على سرية من سرايا النصارى فانطلق على 15 رجل من النصارى فقتل معظمهم ثم قتل في سبيل الله رحمه الله وكان مقتل موسى بن أبي غسان وتسليم ابن الأحمر الصغير إيذانا بانتهاء عصر الدولة الإسلامية في مملكة غرناطة .

أعطى أبو عبد الله محمد الصغير الموافقة على طلب فرناندو وإيزابيلا وأرسل لهم بعض الهدايا ودخل الملكان القصر الكبير وهو قصر الحمراء ومعهم الرهبان وكان أول ما فعلا أن علقا صليبا فضيا كبيرا فوق برج القصر الأعلى وأعلن من فوق البرج أن غرناطة أصبحت ملكا للملكين الكاثوليكيين وأن حكم المسلمين قد انتهى من بلاد الأندلس وخرج أبو عبد الله محمد الصغير من القصر الملكي وسار بعيدا في اتجاه المغرب ووصل إلى ربوة عالية تطل على قصر الحمراء يتطلع إلى القصر ويتطلع إلى المجد القديم فلم يستطع أن يتمالك نفسه فانطلق يبكي حتى بللت دموعه لحيته فقالت أمه عائشة الحرة ( أجل فلتبكي كالنساء ملكا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال ) ومازال إلى هذه اللحظة هذا التل الذي وقف عليه أبو عبد الله محمد الصغير موجودا في أسبانيا ومازال الناس يذهبون إليه ينظرون إلى هذا الملك الذي أضاع ملكا أسسه أجداده ويعرف هذا التل في هذا الوقت في أسبانيا بزفرة العربي الأخيرة وهو بكاء أبو عبد الله محمد الصغير لما ترك ملكه في الثاني من ربيع الأول سنة 897 هـ والموافق الثاني من يناير سنة 1492 ميلادية .

وهاجر أبو عبد الله محمد الصغير إلى بلاد المغرب وهناك اعتقله ملك المغرب بتهمة الخيانة لبلاد المسلمين ووضعه في سجنه وكما يقول المؤرخون أنه شوهد أولاد هذا الرجل بعد سنوات وسنوات يشحذون في شوارع المغرب وانظر كيف فعل به الذل وكيف فعل به ترك الجهاد .

واندثرت حضارة ما عرفت أوروبا مثلها من قبل فهي حضارة الدنيا والدين وارتفع علم النصرانية فوق صرح الإسلام المغلوب وطويت صفحة خالدة فأين موسى بن نصير وأين طارق بن زياد وأين يوسف بن تشفين وأين عبد الرحمن الناصر وعبد الرحمن الداخل وأين أبو بكر بن عمر اللمتوني وأين يعقوب المنصور الموحدي ويعقوب المنصور الماريني فأين هؤلاء ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله .

ترى هل استمر النصارى على عهودهم مع المسلمين بعد أن ترك البلاد أبو عبد الله محمد الصغير ؟ .

والرد يمكنك أن تقرأه من كتاب الله { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } (8) سورة التوبة .

فتنكروا لعهودهم وأهانوا المسلمين بشدة وأخذوا أموالهم وفي سنة 1501 ميلادية أي بعد تسع سنوات من سقوط غرناطة أصدر الملكان فرناندو الثالث وإيزابيلا أمرا خلاصته أن الله قد اختارهما لتخليص الأندلس من الكفرة ويقصدان بذلك المسلمين وبذلك يحذر وجود المسلمين في بلاد الأندلس ويعاقب من يخالف ذلك بالموت .

فهجر المسلمون بلاد الأندلس بالكلية إلى المغرب وإلى الجزائر وإلى تونس وإلى غيرها من بلاد المسلمون وتنصر آخرون نعم تنصر بعض المسلمون حتى يعيشوا في بلاد الأندلس في ظل حكم النصارى الأسبان أما الأسبان فلم يتركوهم حتى دون إهانة فهؤلاء الذين تنصروا من المسلمين سموهم بالموريسكيين احتقارا لهم والموريسكي تصغير للنصارى فهو ليس نصراني من الدرجة الأولى وقام رئيس الأساقفة الأسباني وكان اسمه كِنِّيس بحرق 80 ألف كتاب إسلامي من مكتبة قرطبة وأشبيلية وغرناطة وأحرق هذه الكتب في يوم واحد هذا الرجل الصليبي الحاقد .

قامت بعد ذلك محاكم التفتيش للبحث عن أي مسلم متخفي بالنصرانية فكانوا إذا وجدوا رجلا يدعي النصرانية ويخفي إسلاما فلو وجدوا في بيته مصحفا أو وجدوه يغتسل من جنابة أو وجدوه لا يشرب خمرا أقاموا عليه حدودا كثيرة فكانوا يلقون به في السجون ويعذبونه تعذيبا شديدا ويملئون بطونهم بالماء حتى الاختناق ويضعون في أجسادهم الأسياخ المحمية ويسحقون عظامهم بآلات ضاغطة ويمزقون الأرجل ويفسخون الفك وتوابيت مغلقة بها مسامير حديدية ضخمة تنغرس في جسم المعذب تدريجيا وأحواض يقيد فيها الرجل ثم يسقط عليه الماء قطرة قطرة حتى يغرق ويموت والدفن وهم أحياء والجلد بسياط من الحديد الشائك وتقطيع اللسان بآلات خاصة وشاهد كل هذه الآلات جنود نابليون لما فتحوا أسبانيا بعد ذلك حتى صور ذلك جنود فرنسا في كتاباتهم وقالوا إن الجنود الفرنسيين كانوا يصابون بالغثيان والقيء بمجرد التخيل بأن هذه الآلات كان يعذب بها بشر فقد كان يعذب بها المسلمون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

تاريخ الأندلس تاريخ طويل وهو أكثر من 800 سنة ولابد للمسلمين أن يقفوا معه وقفات طويلة ليأخذوا العبرة منه والدرس ويكررون ما حدث من العظماء ويتجنبون ما حدث من الأقزام الذين تسببوا فيما وصل إليه حال الأندلس في أواخر أيامها .

سقطت بلاد الأندلس سقوطا غير مفاجأ وقد صبرت بمدد بني مارين ولكن الذي حدث في النهاية كان متوقعا ونريد أن نعرف ما الذي أدى إلى هذا وأنه لو تكرر في أي وقت من الأوقات أو في أي بلد من البلاد ستكون العاقبة هي نفس العاقبة ولما كنا ندرس عوامل انحدار الأمم نجد أن هناك تشابها كبيرا في ذلك ولكن الأمر قد زاد في حالة بلاد غرناطة ولذلك كان السقوط كاملا وحاسما ولنعرف ما هي العوامل التي أدت إلى ذلك :

أولا : الإغراق في الترف والركون الشديد إلى الدنيا وإلى الملذات والشهوات والخنوع والدعة والميوعة الشديدة في شباب الأمة وانحطاط كبير جدا في الأهداف وانظر لقول الله عز وجل { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ @ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ @ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } (11 12 13) سورة الأنبياء .

وانظر لمن كان يرثي سقوط غرناطة فيقول : ( غرناطة يا أجمل المدن لن تسري بعد اليوم نغمات العود الناعمة في شوارعك المقمرة ولن تسمع ألحان العشاق تحت قصورك العالية وستسكت دقات الصنوج المرحة التي كانت تتناغم فوق تلالك الخصبة وستقف الرقصات الجميلة تحت عرائشك الوريفة واحسرتاه لن يستمع عربي بعد اليوم إلى البلابل تصبح في مروجك الفسيحة ولن يستروح أريج الريحان وأزهار البرتقال في ربوعك المؤنسة لأن نور الحمراء أطفأ إلى الأبد ) فتخيل بعد السقوط الشنيع لبلاد غرناطة يقف رجل ويرثي هذا السقوط بتلك الكلمات فهذا ما يهمه في هذه البلاد ولا يهمه الثغور التي خرجت منها الجيوش تجاهد في سبيل الله ولا يهمه المكتبات ولا المساجد التي حولت إلى كنائس ولا يهمه المسلمون الذين قتلوا بأيدي الصليبيين ؟ فتخيل عندما تنحط أهداف الشاب حتى يصبح حلم حياته أن يكلم فتاة من الفتيات أو يخرج معها أو يبادلها حبا غير مشروع لا يرضاه لأخته ولا لابنته وتخيل لما يصور الشعراء هذا الحب على أنه أسمى دراجات الحب فيضحي الرجل من أجله ويسموا عنده فوق كل حب فيسموا عنده فوق حب الدين وحب الله وحب رسوله وحب الجهاد وحب الوالدين وحب الفضيلة بل وقد يضحي بحياته انتحارا إذا فارق محبوبته فأي انحدار هذا وأي سفاهة وأي تفاهة واسمع قول الله عز وجل { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (24) سورة التوبة .

فتذكروا ما فعله زرياب وأمثال زرياب في بلاد الأندلس وكيف قادوا الشباب إلى هذه الميوعة التي أسقطت بلاد الأندلس إلى الأبد وانظروا ماذا فعلوا .

ثانيا : ترك الجهاد في سبيل الله وهو أمر ملازم لمن أغرق في الترف والجهاد سنة ماضية إلى يوم القيامة وشرعها الله ليعيش المسلمون في عزة ويموتون في عزة ثم يدخلون الجنة ويخلدون فيها وأين أولئك الذي كانوا يجاهدون في حياتهم كل سنة مرة أو مرتين ؟ فأين يوسف بن تشفين وأبو بكر بن عمر اللمتوني والحاجب المنصور وعبد الرحمن الناصر وانظروا لحكام غرناطة ومن كان على شاكلتهم من ترك الجهاد في سبيل الله ولنسمع قول الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ @ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (38 39) سورة التوبة .

نعم قد رأينا هذا العذاب الشديد لما أراد المسلمون الدنيا فالبعض يظن أن الملتزمين بالمنهج الإسلامي عليهم فقط أن يضحوا بأرواحهم ويعيشوا حياة الضنك والتعب في الدنيا ليصلوا إلى الآخرة وهذا غير صحيح فلو عاش المسلمون الملتزمون في الجهاد فإنهم سيعيشون في عزة ومجد وسلطان في الدنيا وسيملكونها ولهم في الآخرة الجنة خالدين فيها .

ثالثا : الإسراف في العطايا فجيش المسلمين لا ينصر بكثرة عدد أو عتاد وإنما بتقوى الله ولنسمع كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ( إنكم لا تنصرون على عدوكم بقوتكم ولا عدتكم ولكن تنصرون عليه بطاعتكم لربكم ومعصيتهم له فإن تساويتم في المعصية كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العدة والعتاد ) .

إن المسلمين إذا ابتعدوا عن منهج ربه وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم كتبت عليهم الذلة وأي ابتعاد في تلك الفئة من المسلمين التي عاشت في آخر عهود الأندلس وفي عهد غرناطة واسمعوا لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ( قال إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ) .

فالذنوب التي يستحقرها العبد تهلكه فما بالكم بمن يزني ويسرق ويشرب الخمر فهذه كانت من عوامل السقوط وغيرها كثير ومنها الفرقة والتشرذم الشديد بين بلاد الأندلس وموالاة النصارى والمشركين وقد قال الله عز وجل { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } (120) سورة البقرة وقال الله أيضا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (51) سورة المائدة .

وأيضا توسيد الأمر لغير أهله واذكروا ولاية هشام ابن الحكم واذكروا ولاية الناصر لدين الله بعد أبيه يعقوب المنصور الموحدي واذكروا ولاية جميع أبناء الأحمر .

رابعا : الجهل الشديد بالدين فاذكروا أثر العلم والعلماء فاذكروا عبد الله بن ياسين والحكم بن عبد الرحمن الناصر وما حدث في عهدهم وما حدث من قوة بعد هذا العلم ثم تذكروا ما حدث في آخر عهد المرابطين وفي أوائل عهد الموحدين من انتشار للجهل بين الناس واقتناعهم بأفكار عجيبة وغريبة وانظروا إليهم لما جهلوا أن الشورى أصل من الأصول التي يجب أن يحكم بها المسلمون وكيف اعتدوا بآرائهم وكيف قبل المسلمون هذا وكيف يغزو محمد بن الأحمر الأول أشبيلية وشعبه يظن أنه على حق وهذه بعض العوامل التي أدت إلى انهدار المستوى وانحدار لهذه الأمة وتاريخ الأندلس طويل جدا ويمكن استنتاج عوامل أخرى غير هذا فتاريخ المسلمين في الأندلس طويل جدا .

ولنا عبرة من تاريخ الأندلس أن الأمل لا يغيب أبدا في النصر فإن الله عز وجل يقيض لهذه الأمة دائما من ينصرها ومن يجدد لها دينها ففي آخر عهد الولاة جاء عبد الرحمن الداخل وفي آخر عهد الإمارة الأموية قام عبد الرحمن الناصر وهكذا في كل عهد تجد من يجدد لهذه الأمة أمر دينها وتجد يوسف بن تشفين ويعقوب المنصور الموحدي والماريني .

قد يسأل البعض الإسلام قد انتهى من بلاد الأندلس فأي قيام هذا الذي يأتي بعد ذلك ؟ .

لقد حدث أمرا قبل سقوط الأندلس التام بأربعين سنة فقد فتحت القسطنطينية في سنة 875 هـ وعندما تغرب شمس الإسلام على أوروبا من ناحية المغرب تشرق عليها من ناحية المشرق فلقد استبدل الله هؤلاء الذين باعوا والذين خانوا من ملوك غرناطة في الأندلس بغيرهم من العثمانيين المسلمين المجاهدين الفاتحين الأبرار الذين فتحوا القسطنطينية وما بعدها وبدأ الإسلام ينتشر في شرق أوروبا انتشارا أسرع من انتشاره في بلاد الأندلس وفرنسا وهذه آية من آيات الله عز وجل تبعث الأمل في المسلمين في كل وقت وهذه أمة لا تموت أبدا .

ولنا عبرة أخرى أيضا في هذا التاريخ الطويل وهو سؤال لماذا انتهى الإسلام بالكلية من بلاد الأندلس وهي الآن من أقل بلاد العالم تعدادا في عدد المسلمين حيث يبلغ 100 ألف مسلم فقط والغريب أن الإسلام لم ينتهي من الجزائر مع أنها احتلت أكثر من 130 سنة من قبل صليبيين وكذلك مصر وفلسطين احتلت 200 سنة أيام صلاح الدين ومع ذلك لم يتغير المسلمون في البلاد فلماذا هذا الأمر ؟ .

الإجابة هي ما كان يفعله الاستعمار الأسباني في بلاد الأندلس فقد كان الاستعمار الأسباني استعمارا استيطانيا إحلاليا فهم لا يدخلون بلدا إلا قتلوا من فيه من المسلمين جميعا فقد كانت حروب إبادة جماعية أو كانوا يطردوهم خارج البلد التي يدخلونها ويهجروا إلى البلاد التي يحتلوها من النصارى الذي كانوا في فرنسا أو في بعض بلاد الأندلس ولكي يعيشوا في البلاد التي احتلوها بدلا من المسلمين ولذلك لم يبق في بلاد الأندلس مسلمون .

أما الاحتلال في البلاد الإسلامية الأخرى كمصر والجزائر وليبيا وغيرها كان بالجيوش لا بالشعوب واحتلال الجيوش مصيره إلى الخروج وهذا يذكرنا بشيء في غاية الأهمية وهو أن الاحتلال الاستيطاني هذا الذي حدث في الأندلس لم يتكرر في بلاد الأندلس إلا في مكان واحد الآن وأيضا يخص المسلمين أتعرفون ما هو ؟ إنها فلسطين .

فلسطين ما هي إلا أندلس جديدة وما يفعله اليهود الآن في تهجير اليهود إلى أرض فلسطين وإبادة الشعب الفلسطيني وطرد وتشريد الأهل وإصرار على عدم عودة اللاجئين والإكثار من المستعمرات فما هو إلا خطوة لإحلال الشعب اليهودي مكان الفلسطينيين حتى يضمن البقاء بعد ذلك لفترات طويلة ومتلاحقة والشعب الفلسطيني مشرد ومصيره إلى النسيان وقد ينسى هو القضية نعم قد ينسى الفلسطينيون القضية كما نسيها أهل الأندلس الذين هاجروا إلى بلاد المغرب والجزائر وتونس بعد عام أو عامين والآن مر 500 عام على الأندلس فمن يفكر في تحريرها ؟ وهكذا يفكر اليهود بتهجير اليهود إلى فلسطين لإحلال اليهود مكان الفلسطينيين وقضية فلسطين شديدة الشبه بالأندلس ولابد أن يعتبر المسلمون .

فكروا معي يا أيها المسلمون لماذا عقد اتفاق السلام الأخير بين اليهود والفلسطينيين في مدريد تحديدا ؟ .

ذلك لأن المفاوضات قامت سنة 1992 ميلادية في ذكرى سقوط الأندلس فقد كان يمر على سقوط الأندلس 500 عام وتمتلئ شوارع مدريد بالاحتفالات والمهرجانات لهزيمة المسلمين وانتصار الصليبيين في هذه الموقعة القديمة منذ 500 عام وكأنهم يقولون لهم ها هو التاريخ يتكرر وها هي أحداث الأندلس تكرر من جديد في فلسطين وها هي الانتفاضة التي تحدث في فلسطين تقتل كما قتلت انتفاضة موسى بن أبي غسان في غرناطة وها هو التاريخ يتكرر لكن لا داعي للحروب ولا داعي للجدال فإن مصيركم كما حدث في الأندلس من قبل ونحن لا نذكر تاريخ الأندلس لنبكي على اللبن المسكوب أو لنعيش في صفحات الماضي كما يقال ولكن نذكره لنأخذ منه العبرة واذكروا ما ذكرناه في المقالة الأولى حيث ذكرنا قول الله عز وجل { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (176) سورة الأعراف وقول الله عز وجل { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ } (111) سورة يوسف .

فنحن من هذا التاريخ نريد أن نعتبر ونتعلم ونفهم هذا الدين ونفهم التاريخ ونقف وقفة من تاريخ الأندلس ونفهم منه ما يحدث في الشيشان الآن وما يحدث في فلسطين وكوسوفا والبوسنة والهرسك .

ونختم بقول الله عز وجل { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (55) سورة النــور .

هذا تلخيص لأحد دروس الشيخ راغب السرجاني عن الأندلس

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحفني برأيك