الخميس، 30 أكتوبر 2008

الشبح

هذه القصة التي أنقلها إليكم هي لرجل قد تجاوز الخمسين من العمر وفي قصته عبرة لنا سواء كنت شابا أو فتاة فالتعتبر وبطل قصتنا كان شابا وكان رجلا متزوجا وفعل أفعالا هي ستكون عبرة لنا جميعا إن شاء الله وأشترط أن كل من يقرأ هذه القصة أن يعتبر منها والله ولي التوفيق .

يقول الرجل أنا رجل تجاوزت الخمسين من عمري بقليل‏..‏ أعمل في وظيفة مرموقة‏ ، لدي أسرة صغيرة أحمد الله عليها وعلي السعادة التي غمرتنا طوال حياتنا‏..‏ نشأت في بيئة طيبة ،‏ ابن بار لوالدين صالحين وضعهما الاجتماعي مرتفع‏ ،‏ ما أن تخرجت حتي وجدت وظيفة مناسبة‏ ،‏ تليق بمستوي عائلتي‏ ،‏ وظيفة جعلتني أشعر بالتميز والتباهي‏ ،‏ خاصة اني كنت شابا وسيما‏ ،‏ جذابا‏ ،‏ لدي سيارة مميزة‏ ،‏ وأصدقائي من العائلات المرموقة في مصر‏.‏ هذه البدايات جعلتني مطمعا لفتيات عديدات‏ ،‏ فكنت أستغلها فرصة للعبث والتسلية والتباهي أمام الأصدقاء ‏. ‏لم أترك شيئا لم أفعله‏.‏ كم غررت بفتيات باسم الحب‏ ،‏ كم هتكت أعراضا‏ ،‏ وفضحت عائلات‏ ،‏ وجعلت بنات يدفعن أثمانا باهظة لعلاقاتهن بي ‏.‏

يمكن قبول ذلك من شاب لم يتعمق دينيا‏ ،‏ مندفع‏ ،‏ يغره شبابه ومركزه‏ ،‏ وكنت أقول لنفسي دائما‏ ،‏ إني لم أجبر فتاة علي شئ‏ ،‏ وانها مرحلة ستنتهي مع الزواج‏ .‏ ( عذره هذا غير مقبول فهو كلام وسوس به الشيطان له ) .

تزوجت من فتاة مناسبة إجتماعيا‏ ،‏ وأقنعت نفسي بأن الله راض عني‏ ،‏ لأنه رزقني هذه الزوجة الصالحة‏ ، ‏الملتزمة‏ ،‏ خاصة بعد تأكدي من انني أول رجل في حياتها ‏.‏

وسارت حياتنا في سعادة وهناء‏ ،‏ رقيت في وظيفتي‏ ،‏ ورزقني الله ولدا وبنتا‏ ،‏ وعاهدت الله أن أخلص لزوجتي‏ ،‏ وأبتعد عن طريق المعاصي‏.‏ ولكن كيف لمن بدأ حياته بمعاص لم يكفر عنها أن ينتهي ‏.

سكنني الشيطان مرة أخري‏ ،‏ وغرني نجاحي‏ ،‏ فرفعت عيني اللتين كنت قد غضضتهما سنوات‏ ،‏ وبدأت أتلفت حولي‏..‏ إنها البداية دائما لأي معصية‏ ،‏ ارفع عينيك كي ترصد الفريسة‏ ،‏ تعرف نقاط ضعفها‏ ،‏ ترصد مفاتنها‏ ،‏ فتشتهيها‏ ،‏ ثم تنسج خيوطك حولها‏..‏ إنها متعة للقناصين من أمثالي ‏.‏

عدت مرة أخري لأنغرس في وحل الخطيئة‏ ،‏ سيدات متزوجات‏ ،‏ بنات صغيرات‏ ،‏ زميلات عمل‏ ،‏ أتوقف قليلا‏ ،‏ ثم آمن لستر الله فأعود من جديد‏ ،‏ كنت أهنئ نفسي علي ذكائي في عدم معرفة زوجتي أوإحساسها بخيانتي ‏.‏

لم يشفع لي أو يجعلني أراجع نفسي أني تجاوزت الخامسة والأربعين من عمري‏.‏ بل شجعتني التكنولوجيا الجديدة علي أن أكون متصابيا‏ ،‏ فتعرفت علي فتيات عبر النت‏ ،‏ واستخدمت الموبايل في التصوير‏ ،‏ صورت وصورت‏.‏ وكلي ثقة في أن أي بنت أو سيدة لن تفضح نفسها‏ ،‏ ستسألني ألم تكن تخشي أن يقع الموبايل في يد زوجتك أو أبنائك‏ ،‏ أجيبك‏ ،‏ بأني كنت شديد الحرص وكان لي رقم ليس باسمي علي جهازموبايل احتفظ به في سيارتي أو مكتبي‏ ،‏ كما كنت أستخدم اسما مستعارا مع كثير ممن تعرفت عليهن‏ .‏

لا أعرف ــ سيدي ــ كيف كنت أجد الوقت لكل هذا‏..‏ ولا كيف كنت أتحول من أب وزوج وقور وعاقل ومتزن إلي شخص عابث مستهتر مغامر ‏.‏

استمررت هكذا حتي عامين مضيا‏ ،‏ وبالتحديد منذ لامست الخمسين‏ ،‏وأصبحت صحتي لاتساعدني علي السهر أو الانحراف‏ ،‏ ولا أخفيك أصبحت أخجل من ابنتي التي كبرت‏ ،‏ وابني الذي يصادق بنات في مثل عمر من أعرفهن‏ ،‏ كما اكتشفت‏ ،‏ على الرغم من ادعائي بأني قريب منهم وأعرف كل شئ عن أسرتي‏ ،‏ أني بعيد‏ ،‏ وأن الأولاد كبرت وأصبحت لهما حياتهما الخاصة التي لا أعرفها‏.‏ أيضا بدأ الإحساس بالذنب والمعصية يتضخم داخلي‏ ،‏ وأشعر بأن الموت أصبح قريبا مني‏ ،‏ فبدأت أداوم علي الصلاة وعلى الجلوس أكثر مع أسرتي ‏.

إعتقدت ياسيدي‏ ،‏ أني نجوت بما فعلت وأن الله سيغفر لي‏ ،‏ حتي أصدقائي الذين كنت أحكي لهم عن مغامراتي‏ ،‏ وأحيانا كانو ايشاركونني فيها‏ ،‏ قاطعتهم‏ .‏ ولكن الانتقام كان كامنا حولي بدون أن أدري‏ .

ذات مساء وصلتني رسالة علي موبايلي من رقم لا أعرفه‏ ،‏ رسالة تقول لي إن ما فعلته لن أنجو منه‏ ،‏ وأنه يعرف كل خياناتي وسفالاتي‏ ،‏ وأن الانتقام بدأ فعلا‏.‏ كدت أفقد صوابي‏ ،‏ من هذا الوقح الذي أرسل هذه الرسالة‏ ،‏ اتصلت بالرقم عشرات المرات‏ ،‏ لأجده خارج الخدمة‏ ،‏ هرب النوم من عيني‏ ،‏ من هذا ياتري ؟‏ ،‏ هل هو زوج واحدة ممن عرفتهن‏ ،‏ هل والدها‏ ،‏ شقيقها‏ ،‏ ابنها ؟‏..‏ لن تصدقني أحضرت ورقة وقلما أحاول حصر من عرفتهن بقدر ما أسعفتني الذاكرة‏ ،‏ ومن منهن يمكن أن تفعل ذلك أو تخبر أسرتها ؟‏..‏ هل وقعت رسائلي علي الموبايل أو مشاهد فيديو من تلك التي كنت أسمح بها‏ ،‏ في يد أحد ممن انتهكت أعراضهن .

في الصباح اتصلت بصديق له علاقات بإحدي شركات المحمول‏ ،‏ لعله يساعدني في اسم صاحب الرقم‏ ،‏ واكتشفنا أنه رقم غير مسجل‏ ،‏ أي أن صاحبه فعل مثلي إشتري كارتا بغير إسم ‏.‏

وبدأت الرسائل تتوالي‏ ،‏ من أرقام مختلفة‏ ،‏ كلها خارج الخدمة‏ ،‏ رسائل تسبني وتحكي لي عن أسماء وعلاقات وأماكن وتفاصيل لا يعرفها غيري والأطراف الأخري‏.‏ ثم تطور الأمر وبدأ يخبرني بعنوان وهاتف بيتي‏ ،‏ وأرقام هواتف ابني وابنتي وزوجتي ‏.

بدأت أجلس في البيت وقتا طويلا حتي ألاحق التليفونات في البيت قبل أن يرد غيري‏ ،‏ يغلق التليفون في وجهي‏ ،‏ فيما يمتد الحوار للحظات مع زوجتي ثم يغلق الهاتف‏ ،‏ لتقول لي بهدوء يقتلني‏ :‏ مكالمة غلط‏ .‏

إنه الجحيم ياسيدي‏ ،‏ أن تشعر بشبح يطاردك‏ ،‏ يقتلك‏ ،‏ وأنت لاتراه ‏.‏ هرب النوم وهربت معه السعادة‏ ،‏ عرف الشحوب وجه زوجتي بدون أن تنطق بكلمة‏.‏ نظرات عينيها تقتلني‏ ،‏ أحوم حولها كالقاتل الذي يحوم حول ضحيته‏ ،‏ أبوح‏ ،‏ أتحدث عن أخطاء الإنسان‏ ،‏ عن مراجعة النفس‏ ،‏ وهي لا تنطق بكلمة واحدة‏ ،‏ حتي ابني وابنتي كنت أشعر في عيونهما بنظرات غريبة‏ ،‏ نظرات فيها تجاهل وعدم احترام‏..‏ هل هذا كان حقيقيا أم وهما‏.‏ فلم يكن هناك ما يؤكد أن الذي أوالذين يطاردونني يتصلون بهم أو أخبروهم بحقيقتي ‏.‏

عام كامل وأنا في هذه الدائرة اللعينة‏ ،‏ رسائل شبه يومية في أوقات متفرقة‏ ،‏ تم تنقطع أسابيع‏ ،‏ ألتقط أنفاسي‏ ،‏ ثم يعود الشبح مرة أخري ‏.

أسير في الشارع أتلفت حولي‏ ،‏ أنظرلسكرتيرتي بريبة ولزملائي بتوجس‏ ،‏ حتي وصلتني تلك الرسالة اللعينة‏ :‏ ابنتك شربت من نفس الكأس‏.‏ مبروك‏....! .

‏ لك أن تتخيل ما حدث لي‏ ،‏ أصابني الجنون‏ ،‏ لم أنم حتى تسللت ليلا إلي غرفة إبنتي النائمة مثل الملائكة‏ ،‏ فكرت في إيقاظها لسؤالها‏ ،‏ولكن وقعت عيناي علي هاتفها‏ ،‏ فسحبته بسرعة وانسحبت كاللصوص ‏.‏ بدأت أفتش فيها كالمجنون‏.‏ رسائل غرامية‏ ،‏ منها في الـ‏'Sent'‏ فيها استعطاف وذل لإنسان ترجوه أن يتقدم لي من أجل الزواج بها‏ ،‏ تعده بأنها ستصر علي إختياره‏ ،‏ تقول له أن ما فعلته كان بعد وعده بالزواج ‏.‏ لا أستطيع إكمال ما قرأت‏ .‏

الغريب أني لم أغضب من ابنتي‏ ،‏ بكيت بحسرة‏ ،‏ توضأت وصليت الفجر‏ ،‏ ودعوت الله أن يرفع غضبه عني‏ ،‏ أن ينتقم مني كما شاء‏ ،‏ ولا يجعل أسرتي تدفع ثمن خطاياي‏ .‏ أعدت الهاتف إلي حجرة ابنتي‏ ،‏ بعد أن دونت رقم هاتف هذا الشخص ‏.‏ ولم يغمض لي جفن‏.‏ وفي الصباح بادرت بالاتصال به‏ ،‏ وقلت له اسما وهميا‏ ،‏ وطلبت لقاءه في مكان عام لأمر مهم‏ ،‏ وبعد تردد منه وإلحاح مني وافق علي اللقاء‏ .

رجل تجاوز الأربعين بقليل‏ ، ‏أنيق‏ ،‏ تعارفنا‏ ،‏ ودخلت إلي الموضوع مباشرة‏ ،‏ قلت له إني والد تلك الفتاة التى خدعها باسم الحب وغرر بها‏ ،‏ فقال لي بكل هدوء إنه لم يجبرها علي شئ وأنها فعلت كل شئ بإرادتها‏ ،‏ ثم فاجأني باتهامه لي بأني أيضا كان لي علاقاتي‏ ،‏ وأن إبنتي حكت له الكثير عني‏ ،‏ وعن معرفة أمها بخياناتي‏ ،‏ لذا كانت واثقة من أنها ستجبرني على الزواج منه‏ .

رجوته أن يتزوجها‏ ،‏ فأخبرني أنه متزوج ولن يهدم بيته من أجل علاقة عابرة ‏.‏

تمنيت في هذه اللحظة أن أموت‏ ،‏ انسحبت من أمامه وأنا أرجوه ألا يخبر ابنتي بهذا اللقاء ‏.‏

بعد عام كامل توقف الشبح الذي كان يطاردني بدون أن أعرفه‏..‏ لم أفهم ولم أعرف‏ ،‏ لماذا ظهر ولماذا اختفي ومن هو؟‏..‏لم أخبر ابنتي بما عرفت ولم أواجه زوجتي‏.‏ نعيش حياة صامتة مهزومة‏.‏ أصلي لله كثيرا أطلب عفوه ومغفرته‏ ،‏ لا أعرف كيف أكفر عما فعلت أو كيف أستعيد أسرتي‏ .‏

فالماضي قاس‏ ،‏ وندمي يبدو أنه جاء متأخرا‏..‏ ادعوا لي‏ .‏

افعل ما شئت فكما تدين تدان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحفني برأيك