الأربعاء، 11 فبراير 2009

دور الفرد في قضية فلسطين

ما هو دور الأمة كأفراد ؟
 
أول شيء يخطر على الذهن ، وأول شيء يقال هو التبرع بالمال ، والحق إن التبرع بالمال هام جدا وهو يسهم بالقدر الأكبر في مجابهة المؤامرة الاقتصادية والعسكرية وهذا شيء طيب جدا ، ولكن الحق أيضا أن المال على أهميته ليس هو أهم الأشياء التي يحتاجها أهل فلسطين بل يحتاجون أشياء كثيرة غيره وقبله والآن سأقول هذه الأشياء مجملة ثم نفصل فيها تدريجيا إن شاء الله .
 
الأمر الأول : هو تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة وبسرعة ، بمعنى الدفاع ضد المؤامرة الفكرية .
 
الأمر الثاني : الدعاء لأهل فلسطين بالثبات والنصر والدعاء على من ظلمهم بالهلكة والاستئصال ، وطبعا بعض الناس من الممكن أن يتعجبوا لماذا قدمت فهم القضية على الدعاء ؟ ، وذلك لأنه من الممكن أن تدعو بشيء لا يرضى عنه الله سبحانه وتعالى أو أن تدعو بشيء ليس في مصلحة القضية ؟ ، ألم تسمع حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه قال أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [ مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا ، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ] ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرُ ، قَالَ [ اللَّهُ أَكْثَرُ ] رواه الترمذي , فربما ندعو بشيء فيه إثم يخص قضية فلسطين ، فمثلا يذهب رجل ليبيع أرضه لعدوه ، فتدعو له بالتوفيق وطبعا هذا لا يستقيم ، أو رجل يذهب ليقضي على رجل يجاهد في سبيل الله ، فتدعو له بالتوفيق ، وأيضا هذا لا يستقيم .
 
ولقد ذكرني الله بحديث في صحيفة مع راقصة تقول : ( والله أنا قبل كل رقصة ادعو الله أن يوفقني في الرقصة الجديدة !!! ) ، فهي هكذا تدعو ربها ، وطبعا ربنا سبحانه وتعالى لا يستجيب لهذا الإثم وهذه المعصية , وكذلك الذي يأخذ رشوة ويخشى أن يراه أحد فيقول ( ربنا يستر ) ، يعني يدعو الله أن يستر عليه وهو يأخذ الرشوة وهو يرتكب المنكر , فلابد وأن نفهم القضية ثم ندعو بالدعاء المناسب .
 
إذاً ، لنبدأ في إحصاء وسائل المساعدة في القضية إجمالا ثم نفصل :
 
أولا: تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة وبسرعة .
 
ثانيا: الدعاء لأهل فلسطين على اليهود ومن عاونهم .
 
ثالثا: قتل الانهزامية في نفوس المسلمين ، بمعنى أن كثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يعتقدون أنه من المستحيل أن يهزم المسلمون اليهود ، أو يستطيعوا أن يتحركوا قيد أُنملة في القضية ، ففي هذه الآونة يوجد إحباط شديد ويأس عند كثير من المسلمين ودورنا في هذه الفترة أن نقتل هذه الانهزامية ، وأن نُعلي من همة وبأس المسلمين .
 
رابعا: التبرع بالمال ، وسيأتي حديث طويل عنه إن شاء الله .
 
خامسا: المقاطعة الاقتصادية لكل ما هو يهودي أو من دولة تساعد اليهود .
 
سادسا: إصلاح النفس والمجتمع .
 
ولاحظ أن الخمسة أمور الأولى هي لحل القضية في هذا الوقت الراهن ، والأمر السادس - إصلاح النفس والمجتمع - هو إصلاح القضية على المدى البعيد ، وإصلاح الأصل الذي بسببه هُزم المسلمون ، ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في وصيته الجامعة لسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه : ( أما بعد ، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ، وأقوى المكيدة في الحرب ، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ؛ لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ، واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم ، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يُسلط علينا وإن أسأنا ، فرب قوم قد سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل ، لما عملوا بمساخط الله ، كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ) .
 
نعم فالأصل الذي أدى إلى كل هذا الانهيار في مقاومة المسلمين ، وأدى إلى انتصار 5 ملايين من اليهود في فلسطين على مليار وثلث المليار في أرض واسعة وبقاع مترامية الأطراف هو ضعف العلاقة مع الله سبحانه وتعالى ، وبُعد الناس عن الطاعة ، وبعد الناس عن الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، وهذه الوسائل الستة وغيرها قد نفصل منها الواحدة تلو الأخرى في هذه المجموعة من المقالات .
 
أولا: تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة وبسرعة .
هذه الجملة تحتوي على ثلاثة مقاطع تحريك القضية ( المقطع الأول ) , بالمفاهيم الصحيحة ( المقطع الثاني ) , وبسرعة ( المقطع الثالث) , والله سبحانه وتعالى حركها لنا , فهل تذكرون أن قضية فلسطين قد خمدت فترة من الزمان بعد معاهدة أوسلو أي حوالي سبع سنوات كاملة ، لكن الله حركها بزيارة شارون للمسجد الأقصى في 28 سبتمبر سنة 2000 وهو حدث مع عظمه أهون من أحداث سابقة كثيرة , فقد كانت هناك أحداث كثيرة جدا سبقت زيارة شارون ولم يتحرك لها المسلمون هذا التحرك ، فيُقتل المسلمين في هدم وتدمير ، أو في مذبحة مثل مذبحة صبرا وشاتيلا ، ولم يتحرك لها المسلمون مثلما تحركوا لزيارة شارون وهي أهون من قتل المسلمين لما زار شارون المسجد الأقصى ، وهذه الحركة للقضية فعلها سبحانه وتعالى ، ثم بعد ذلك حينما حوصرت غزة ، ثم عندما قصفت لمدة 23 يوما ومات أكثر من ألف شهيد - بإذن الله - وجُرح أكثر من خمسة آلاف وذلك في أواخر سنة 2008 وبداية 2009 .
 
ولا بد أن نشكر الله على هذه النعمة ، وهي نعمة تحريك القضية وشكر النعمة يكون باستمرار تحريك القضية عند كل من تقابله وحدثه عن قضية فلسطين ، فلتتحدث في كل الدوائر المتاحة , فعندك دائرة البيت , وعندك دائرة الأهل والأقارب , وعندك دائرة الأصدقاء , وعندك دائرة العمل , وعندك حتى بعض الدوائر السطحية التي تلتقي بها قدرا دون ترتيب ، فمثلا أنت جالس في عيادة دكتور فلتتكلم مع الناس المنتظرين في هذا الموضوع , ولو كنت راكبا للتاكسي فلتتكلم مع سائق التاكسي في هذا الموضوع , أو في القطار ، أو أي نوع آخر من المواصلات ، أو تكلم مع جارك في المقعد في هذا الموضوع ، وبعض الناس لهم دوائر أوسع من الممكن أن تكتب مقالا في جريدة ، أو حتى خطابا إلى بريد إحدى الصحف , ولتكتب مقالا في مجلة حائط , أو في مدرسة ، أو جامعة , أو تخطب خطبة في مسجد إن كان لك هذا الأمر ميسرا ، أو على الأقل أوعز إلى الخطيب بخطبة عن فلسطين يذكر الناس فيها بالمفاهيم الصحيحة لقضية فلسطين , ومن الممكن أن تنظم ندوة أو صالون ثقافي حتى إن كنت أنت لا تعرف الكلام في القضية فقم بعمل صالون ثقافي في بيتك وهات أحد الناس ليتحدث فيه .
 
ولتتعرف إلى دور أسعد بن زرارة - رضي الله عنه وأرضاه - لما ذهب مصعب بن عمير - رضي الله عنه وأرضاه - إلى المدينة ، فلقد كان مصعب بن عمير هو القاريء الذي يعلم الناس وأسعد بن زرارة - رضي الله عنه - كان يتعلم من مصعب بن عمير ولا يملك القدرة على الخطابة التي يملكها مصعب بن عمير ، ومع ذلك كان أسعد بن زرارة يهييء المجالس لمصعب بن عمير ويدله على الرجال الذين فيهم خير والذين لو سمعوا الدعوة لاطاعوها ، ولقد اتبع الدعوة بإيمانهم أفراد كُثُر ، وهكذا كان لأسعد بن زرارة دور كبير مع أنه لم يكن يتكلم هو بذاته مثلما يتكلم مصعب بن عمير - رضي الله عنهم أجمعين .
 
وهناك وسائل أخرى لتحريك القضية حتى المظاهرات السلمية تعتبر وسيلة من وسائل التحريك , وطبعا المظاهرات لابد أن يكون لها سمت مختلف عن سمت البلاد الغربية المفسدة التي ليست لها ملة ، وليست لها ضوابط من الشرع , بمعنى أنه لا يصح أن تتظاهر فتُكسر في المحلات ، أو تُفسد في الأرض ، أو تسب سُباب لا يليق بمسلم ، فلقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ ] رواه الترمذي ، ولكن هناك طرق متعددة في إطار الأخلاق الإسلامية الشريفة لتحريك قضية فلسطين .
 
أما المقطع الثاني والذي هو المفاهيم الصحيحة ، فسأتحدث فيه مؤخرا لأنه سيطول بنا وأما المقطع الثالث ( وبسرعة ) ، فأقول لماذا بسرعة ؟ .
 
ذلك لأن هناك أناس على لسانهم كلمة أعدها نوع من الهروب وهي ( الزمن جزء من العلاج !! ) ، بمعنى أنه مع مرور الوقت ستُحل القضية ، وهذا يا إخوة والله مخالف تماما للواقع , فالوقت ليس في صالحنا ولا في صالح القضية الفلسطينية ، وليس في صالحنا كأفراد في الكيان الاسلامي الواسع المترامي الأطراف وليس في صالح القضية الفلسطينية ..... ولكن لماذا ؟ .
 
ذلك لأنه مع مرور الوقت يزداد الألم الفلسطيني ، وتزداد القوة اليهودية ، ويزداد التبجح اليهودي ، ومع مرور الوقت يزيد عدد الشهداء وهذا في حد ذاته ليس خسارة حقيقية كما سيأتي الحديث بالتفصيل إن شاء الله لأنهم فازوا بالشهادة ، ولكن الخسارة الحقيقية هو استمرار الظلم واستمرار قتل الأبرياء دون رادع ، ومع مرور الوقت تُهدم المنازل الواحد تلو الآخر ، وتجرف الأراضي ويتزايد عدد من لا مأوى لهم ، وبذلك تزيد أوراق الضغط اليهودية , ومع مرور الوقت يزداد تعذيب الأفراد ، بل والأطفال والله يا إخوة ، واقرأوا مقال في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 19/7/2001 عن التقرير الذي أعدته المحامية السويدية برجيتا الفستروم عن حجم الإرهاب الفظيع الذي تمارسه المحاكم الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين ، وعن الأعمال الوحشية التي لا تصدق في السجون الإسرائيلية وبحكم القانون للضغط على أهالي الطفل ، وذلك يشمل السجن لفترات طويلة والجلد والصعق بالكهرباء والتقييد للأطفال وما خفي كان أعظم .
 
ومع مرور الوقت تزداد المستوطنات ، وتزداد الهجرة اليهودية للأراضي الفلسطينية ، ويزداد الإحلال اليهودي بالشعب الفلسطيني , ومع مرور الوقت يتناقص الكساء والغذاء والدواء ؛ وذلك لغلق كل المعابر وكل الحدود ، وبذلك يموت الشعب جوعا ومرضا ومع مرور الوقت يزداد عدد المشردين واللاجئين والفاقدين للمأوى , ومع مرور الوقت يزداد التجرؤ اليهودي على المسلمين ، فنسمع عن أشياء جديدة ما كنا نسمع عنها من قبل ، فنسمع عن حركات اغتيال متكررة لقادة بعينهم , ونسمع عن اختطاف أفراد بعينهم من عقر دارهم , ونسمع عن ضرب للبيوت بالمروحيات ، بل نسمع حديثا على الملأ يناقش هل نقتل زعماء السلطة أم نتركهم ، بل ونرى بأعيننا قتل المسلمين في غزة وقتل الأطفال والنساء وبتر أطرافهم وحصارهم وهكذا ، فذلك التبجح اليهودي الصارخ ، وتلك الرعاية الأمريكية العالمية لهذا الإجرام جعلت نائب الرئيس الأمريكي تشيني يصرح بوقاحة صارخة أنه لا بأس من عمليات الاغتيال مادام هؤلاء الأفراد قنابل بشرية موقوتة ، وجعلت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس توقف قرارا لمجلس الأمن يدين العمليات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وهكذا الحال دائما .
 
ومع مرور الوقت يحدث شيء خطير أسميه إِلفُ المأساة ، بمعنى أن يتعود المسلمون على منظر دماء الشهداء ومنظر الجرحى بالمئات والآلاف ، ومنظر الأمهات الثكالى ، ومنظر الأطفال الباكية المشردة ، ويتعودون على مناظر الهدم والتجريف والظلم والإبادة ، فلا تتحرك القلوب كما كانت تتحرك ولا تذرف الدموع كما كانت تذرف ولا تتأثر المشاعر كما كانت تتأثر , وإلف المأساة يعني أن الناس لا تشعر بقيمة الشمس لأنها ألفت أن تراها كل يوم , والناس لا تشعر بجريمة ترك الصلاة لأنها ألفت أن تراها كل يوم وهكذا ، فنحن نريد للقضية أن تحل قبل أن تحدث كل هذه الأمور .
 
كما أن مرور الوقت ليس في صالحنا كأفراد ، فالموت يا إخوة يأتي بغتة ومن مات قامت قيامته ، وسيأتي يوم عسير نُسأل فيه جميعا ماذا فعلنا لفلسطين ؟ ، يوم تقترب فيه الشمس من الرؤوس ويشتد فيه الزحام وتُذل فيه الأقدام ولا ينفعنا إلا العمل الصالح , وسنُسأل ماذا فعلتم للذين يقتلون صباح مساء على بعد أميال منك ؟ ، وماذا فعلتم لأرض تغتصب ودماء تراق وحرمات تنتهك ؟ ، وماذا فعلتم لتلك المساجد الطاهرة التي تشكونا إلى ربنا ؟ ، يا ترى ماذا سنفعل لو متنا الآن وسُئلنا عن هذه المسألة أليس من الأفضل أن نعد للسؤال إجابة من الآن وبسرعة ؟ .
 
يا ترى لو علمت أن عصابة تخطط لسرقة وقتل جارك ألا تفعل شيئا ؟ ألا تتحرك ؟ ألا تأخذك حمية ؟ ، فما بالك لو كان تدبيرا لقتل أمة وسرقة شعب فيا ترى وأنت تمشي في الشارع معك ابنك 8 سنوات أو 10 سنوات ، وجاء يهوديا فاطلق رصاصة استقرت في قلبه أو رأسه فسقط بين يديك ، وسالت دماؤه وأنت لا تملك له علاجا حتى مات بين يديك ، فترفع رأسك فتجد أكثر من مليار مسلم يشاهدون ولا يتحركون ، ألن ترفع يدك للسماء تدعو على من شاهد ولم يتحرك ؟ وتدعو على من سمع ولم يعقل وتدعو على من قرأ فلم يفقه ؟ .
 
يا ترى لو وضعت أموالك كلها في بيت أسسته بتعب وكد وعرق وجهد ثم جاءت دبابة فأضاعت شقاء السنين وهدمت أحلام المستقبل فخرجت تحمل من بقي من أولادك مهرولا هاربا من حطام بيتك وقد اشتعلت به النيران ، فإذا بك تعلم أن أكثر من مليار مسلم يشاهدون ولا يتحركون , ألا ترفع يدك إلى السماء تشكو إلى خالقك ظلم القريب والبعيد ؟ وتشكو ظلم العدو والصديق ؟ .
 
يا أخي ضع نفسك في مكانهم أليس هؤلاء من المسلمين المشتركين معك في عقيدة واحدة ؟ ، أليسوا من البشر الذين لهم أحلام كأحلامك ، وآمال كآمالك ، وآلام كآلامك ؟ فهل معنى أننا ننام في بيوتنا آمنين مطمئنين وأولادنا معنا أن الدنيا أصبحت بخير ... ! .
 
انا أريد يا إخوة في هذه المقالات أن أرسخ في الذهن مفهوم الأمة الإسلامية ، فالأمة الإسلامية ليست مجموعة من الدول تربطهم علاقات سياسية وثقافية واقتصادية طيبة , بل الأمة الإسلامية شيء مختلف فهي عبارة عن كيان واحد جسد واحد وروح واحدة ، فلقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ] متفق عليه ، فانظر إليه صلى الله عليه و سلم يقول [ ترى المؤمنين في توادهم ] ، فهو يقول المؤمنين ولم يقل المصريين ولا السوريين ولا الباكستانيين أبدا , فالرابطة التي تجمعنا جميعا هي الإسلام وليست محل الميلاد ، فهذا هو الرباط الحقيقي والاختياري ، فالمرء يختار عقيدته ، ويختار دينه ، ولكنه لا يختار محل ميلاده , فالأفغاني المسلم الملتزم بدينه وقواعد الإسلام والذي يعيش على بعد آلاف الأميال مني أقرب إلي من الجار الذي في نفس العمارة إذا كان على غير منهج الإسلام الصحيح .
 
أتُرانا لو ربطنا علاقاتنا على كوننا فقط ولدنا على أرض واحدة ، أيكون هذا رباطاً صحيحا ؟ ، فلمجرد أن شخصا ولد على أرض مجاورة فيصبح أخ لي سواء أكان تقيا أو عربيا ، مؤمنا كان أو فاسقا ، مسلما كان أو يهوديا ؟ ، فالمسلمون يا إخوة جسد واحد , جسد يده في السودان ومصر والجزائر والمغرب ، ورجله في سوريا ونيجيريا وباكستان والعراق ، وكبده في السنغال ومالي واليمن وقطر وعينه في الشيشان وكشمير والأدرن وإندونيسيا ، وأذنه في البوسنة وتركيا والكويت والنيجر وقلبه في مكة والمدينة والقدس ، فهو جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ، وليس من المعقول أن يكون القلب مريض والعين مشغولة برؤية الأفلام والمسلسلات والمسرحيات وفي لهو كامل عن القلب ، وليس من المعقول أن يكون الكبد متهالك وتكون الأذن مشغولة بسماع النكات والألحان والمباريات والمشاكل التافهة ، وليس من المعقول أن تكون الرجلين مقطوعة واليدين مشغولة في عد الأموال وكنز الذهب , فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا .
 
إن أعداء المسلمين يريدون أن يرسخوا في أذهاننا حدودا ليست بين الأراضي فقط ، ولكن بين القلوب والعقول أيضا , وهي سياسة استعمارية مشهورة جدا ( فرق تسد ) ، وهذه هي المؤامرة التفريقية التي تكلمنا عنها في أول المقالات ، فلقد ادخلوا في أنفس المسلمين أن تعتز كل بلد بقوميتها حتى يعتز الجزائري بنفسه ، ويعتبر نفسه غريبا عن المصري ، ويعتز الأردني بنفسه ويعتبر نفسه غريبا عن التركي وهكذا ، فلقد ادخلوا الفرقة في قلوب المسلمين حتى أصبح المسلم إذا ساعد مسلما في بلد آخر يعتبر ذلك تفضلا منه ومنّة على الآخرين ، ولكن أبدا يا إخوة هذه والله حقوق وليست فضائل ، فهي تماما كالذي يدفع زكاته للفقير لا يجب أن يمن على الفقير بزكاته ، فالزكاة حق مكتسب وشرعي للفقير ، والله قسَّم الأرزاق فجعل الناس بين غني يعطي وبين فقير يأخذ ، وكذلك قسم الله الابتلاءات على بلاد المسلمين ، فهذا بلد ابتلي باليهود فعليه أن يقاوم ، وهذا بلد ابتلي بالأمن والمال والرخاء فعليه أن يساعد البلاد الأخرى وهذا ليس تفضلا منه بل واجب عليه وامتحان له ، وبهذا المفهوم - مفهوم الجسد الواحد - تستطيع أن تفهم قول الله تعالى { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ( 8 ) } سورة الأنفال ، فنحن ليس لنا حجة حيث أننا نرى ضرب اليهود للمسلمين في فلسطين بالرصاص والصواريخ والقنابل على شاشات التليفزيون والانترنت والصحف ونراه حال وقوعه ، فلا عذر لنا .
 
الوقت يا أخي ليس في صالحنا فالموت يأتي بغتة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِن مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) } سورة المنافقون .
 
 ثم يا أخي أنت لا تنصر إخوانك في فلسطين بدافع المسؤولية فقط ، فإنه والله أجر عظيم وثواب جزيل ، ولا أقول جنة بل جنان فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ، إذاً على المسلمين كل المسلمين عربا كانوا أو غير عرب ، قريبين من فلسطين أو بعيدين عنها في بلد إسلامي أو في غيره من بلاد العالم الغير مسلمة ، عليهم جميعا أن يحركوا قضية فلسطين وبسرعة ولكن عليهم أن يحرصوا أن يحركوها بالمفاهيم الصحيحة على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
 
ترى ما هي المفاهيم الصحيحة التي نريد أن تترسخ في أذهان المسلمين ؟ .
 
هذا حديث قد يطول للقاء القادم إن شاء الله .
 
هذه المقالة تكاد تكون منقولة بالنص من درس للدكتور راغب السرجاني
 
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك تعليقان (2):

  1. انا عندى يقين ان قضية فلسطين

    هتسير وهتنتهى زى ما ورد فى القرآن الكريم

    يعنى النصر جاى جاى بس بأوان

    ردحذف
  2. أختي " محاسن صابر " ، أحسنت والله بأن يكون عندك هذا اليقين ، ولكن النصر لن يأتي إلا بعمل منا ومجهود عظيم وتضحيات أليس كذلك ؟ .
    يمكنك تربية ابنك عبد الرحمن على تقوى الله في السر والعلن ، وكذلك أن يفهم قضية فلسطين فهما صحيحا ، وبهذا تكوني قد ساعدتي في الوصول للنصر .
    وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه ، والسلام عليكم .

    ردحذف

إتحفني برأيك