قبل أن نكمل ما قد بدأناه من حديثنا عن قضية فلسطين ، يجب أن نجيب على سؤال قد ورد بخصوص مفهوم الأمة الإسلامية التي يجب أن تكون كالجسد الواحد ، والذي لا يصح أن يكون القلب متألما والعين مشغولة بمشاهدة الأفلام والمسلسلات والمبارايات التافهة ، وكأنّ السؤال هو هل تريد منا أن نعيش في كآبة مستمرة لما يحدث للمسلمين في أرض فلسطين ؟ .
في الواقع أنا لا أطلب منك تمثيل الحزن أو الابتعاد عن أماكن الفرح إمعانا منك في الكآبة ، ولكن ما ذكرته أن هذا أمر ذاتي لا يحتاج منا مجهودا ، فشعور الجسد الواحد لا يحتاج لذلك ، فيا أخي لو أصيب قلبك – عافاك الله – فهل ستدعي عينك الألم ؟ أم أنها تشعر بالألم دون ادعاء ؟ ، ولو مات إنسان عزيز عليك فهل تبتعد عن أماكن اللهو مرغما أم أن هذا شعور ذاتي منك نتيجة الحزن الحقيقي ؟ .
ما أريده هو أن تشعر بالقضية بإحساس طبيعي وساعتها ستشعر بالحزن بلا تكلف منك ، بل سيترتب على الحزن العمل وسيكون عملا إيجابيا يبغي التغيير والإصلاح ، وسأضرب لك مثالا يوضح الصورة ، وهو موقف لصلاح الدين الأيوبي – رحمه الله – فقد رُوي أمامه حديثا وفي هذا الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحك ، ولكن صلاح الدين لم يضحك ، فلما سألوه قال وكيف أضحك والمسجد الأقصى أسير في يد الصليبيين ؟ ، فهو لا يستطيع فعلا أن يضحك لأنه بطريقة عفوية يشعر بالحزن ولا يدعي الحزن تضامنا مع القضية ، فهو يعاني لمعاناة إخوته ويتألم كما يتألمون ، لذا تجده يحزن لأحزان إخوته ويفرح لأفراحهم دون تكلف ولا افتعال ، والذي أطلبه منك أن تفهم قضية فلسطين فهما صحيحا وستشعر بالحزن من أجل إخوتك بدون افتعال .
تحدثنا في المقالة السابقة عن تحريك القضية الفلسطينية وبالمفاهيم الصحيحة وبسرعة ، وفي هذه المقالة سنتحدث عن بعض هذه المفاهيم الهامة ، والحق أن سوء الفهم لهذه المفاهيم قد يأخذنا بعيدا عن الطريق الصحيح ويعني إنسياقا وراء المؤامرة الفكرية ، والمفهوم الأول الذي أريد طرحه هو :
تحديد الهدف :
هل يستقيم يا أخي أن تكون مسافرا وتعد العدة للسفر ثم تأتي يوم السفر لتكتشف أنك لا تدري أين ستسافر ؟ ، وطبعا هذا لا يستقيم فكل مكان يتطلب إعدادا خاصا ، ولهذا سأسألك سؤالا يتعلق بالهدف وهو لماذا نحرر فلسطين ؟ وما هي الدوافع وراء الحركة وبذل الجهد والعرق والمال ؟ .
من المهم جدا أن نجيب ونستفيض في إجابة هذا السؤال ؛ لأن المؤامرة الفكرية أول ما ستضرب فإنها ستضرب الأهداف والدوافع وهذا قد يُحبط العمل ، وسأعرض إجابات قد تخطر في بال الكثيرين منكم ولكن هناك إجابة واحدة هي الإجابة الصحيحة وعليك أن تختار ما تراه صحيحا :
الإجابة الأولى : لأنها عربية ونحن عرب .
الإجابة الثانية : لأن بها القدس تلك المدينة المباركة .
الإجابة الثالثة : لأن بها المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثالث الحرمين .
الإجابة الرابعة : لحل مشكلة الفلسطينيين اللاجئين في بقاع الأرض المختلفة .
الإجابة الخامسة : لوقف نزيف الدماء للفلسطينيين .
الإجابة السادسة : لأنها فُتحت بالإسلام وحكمت بالإسلام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
في رأيك أنت ما هي أصح الإجابات على السؤال الذي قد سألتك إياه ؟ .
أظن أن الناس ستختلف فيما بينها في كل إجابة من هذه الإجابات ، لأن الإعلام يشرح لنا في كل مرة هدفا من أهداف تحرير فلسطين أو لنقل حل هذه القضية ، فمرة يتحدثون عن كونها عربية ، ومرة يقولون القدس ، ومرة من أجل الأقصى ، وبهذا اختلف الهدف الذي نحرر من أجله فلسطين ، والحقيقة فإني سأختار الإجابة السادسة وهي لأنها فتحت بالإسلام وحكمت به في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد بدأ الفتح في سنة 13 من الهجرة وانتهى في 18 من الهجرة ومنذ ذلك الحين أصبحت فلسطين قطرا إسلاميا .
إذا نحن نحرر فلسطين لأنها إسلامية في المقام الأول ، ولأننا قد اختلفنا في تحديد الهدف الذي من أجله سنحرر فلسطين ، فدعونا نرجع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ] رواه الترمذي وغيره ، فلنحتكم إذا إلى شرع الله ، ولكن ما هو موقف الشرع الإسلامي من هذه القضية؟.
في الحقيقة يوجد في الفقه الإسلامي باب كبير جدا اسمه باب الأرض المغنومة ، وهي الأرض التي دخلها المسلمون بالفتح الإسلامي ، كأرض فلسطين أو غيرها من الأراضي التي دخلها المسلمون فتحا أو صلحا ، وهذه الأرض أصبحت ملكا للمسلمين وهذا الملك هو ملك أبدي إلى يوم القيامة ، وهذه الأراضي هي وقف إسلامي وعلى هذا اجتمع فقهاء المسلمين ، ولكن اختلفوا اختلافا يسيرا في كيفية تصرف الحاكم المسلم في هذه الأرض المغنومة ، فأبو حنيفة وابن حنبل والشافعي اتفقوا على أنه يجوز للحاكم أن يفعل في الأرض المغنومة أحد أمرين : إما أن يوزع أربعة أخماسها على الفاتحين ويضم خمسها الباقي لخزينة الدولة كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أراضي خيبر ، والرأي الثاني هو أن يضمها كلها إلى بيت مال المسلمين ولا يوزع منها شيئا على الفاتحين ، وذلك ليستفيد منها المسلمون إلى يوم القيامة ولا تبقى حكرا على مجموعة الفاتحين الأوائل ، ومرجعهم في هذا الأمر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فلقد روى البخاري عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه قال ( أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا ) ، والإمام مالك لا يرى إلا الرأي الثاني بأن الأرض تكون لبيت مال المسلمين ولا تقسم على الفاتحين .
إذا فالأرض التي فتحت بالإسلام أصبحت ملكا لهم ، وهذا حكم ثابت في الشرع لا تبديل فيه ولا تغيير ، وهذه الحقيقة الفقهية سيترتب عليها أشياء كثيرة هامة وهي هل فتح المسلمون أرض فلسطين كلها أم فتحوا جزءا منها ؟ .... طبعا فتحت كلها ، وبالتالي أصبحت أرض فلسطين كلها أرضا إسلامية من البحر إلى النهر كما يقولون ومن لبنان في الشمال وحتى رفع وخليج العقبة في الجنوب ، وقد ترى أن هذا الكلام كلام عجيب ، وهو كالأحلام أو كالأوهام بالنسبة لك ، ولكنه شرع الله وشرع الله أبدا لم يكن أحلاما ولا أوهاما.
ويزداد العجب بعلمك لهذا الأمر حين تبحث عن البلاد التي فتحت بالإسلام ، فإصبحت بحكم الشرع الإسلامي بلدا إسلامية ، وعلى سبيل المثال بلاد الأندلس – أسبانيا والبرتغال – وهذه البلاد قد حكمت بالإسلام ثم دارت الدورة وجاءت الدولة لغير المسلمين واحتلت من النصارى ، وضاع حكم المسلمين فيها ، ومع ذلك فهذه البلاد تبقى في الشرع أرضا إسلامية ، فمن شرع الله أنه إذا دخل الإسلام بلدا لا يخرج منها أبدا ، بل يجب أن يسعى للدخول في غيرها من البلاد ، فهذه هي الرسالة الخاتمة والمسلمون هم جند الله الناشرون لها والمدافعون عنها والمضحون من أجلها ، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، فعلى المسلمين أن ينشروا هذا الدين في شتى بقاع الأرض .
وقد يقول قائل وما شأننا نحن بالناس الذين لا يعبدون الله ؟ فلندع الناس تعبد ما تشاء ، ويسجدون لمن شاءوا ، وهذه يا إخوة سلبية شديدة لا تصلح لقيادة الناس ، فأهل الفساد لا يتركون العالم بدون إفساد سواء في بلادهم أو خارجها ، فلماذا يترك أهل الخير العالم بدون إصلاح ؟ ، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفطر قلبه على كفر الكافرين حتى أنزل الله سبحانه قوله { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) } سورة الشعراء ، لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الصحابة ثم التابعين حريصين على نشر هذا الدين ، وعلى تعليم الناس أصول الشرع الذي أراده الله للعالمين ، فانظر إلى البلاد التي كانت إسلامية وتحولت للنصرانية أو الهندوسية أو أي ملة أخرى من الملل نتيجة تهاون المسلمين وكسلهم ، فمعظم شرق أوروبا كانت إسلامية ، فاليونان وبلغاريا ورومانيا والمجر ويغوسلافيا بكاملها بما فيها الصرب والبوسنة والهرسك وكوسوفا والجبل الأسود ومقدونيا وأجزاء من النمسا وقبرص ومالطا ، فكل هذه البلاد دخلها الإسلام وبه حكمت في زمن الخلافة العثمانية ، والهند حكمت بالإسلام فترة طويلة من الزمان ، وأزربيجان وأرمينية وغرب الصين ويعرف بولاية التركمنستان الشرقية فقد حكمت بالإسلام ثم احتلت من قبل الصينيين بعد ذلك ، وأيضا 60% من أرض فرنسا كانت أرضا إسلامية وحكمت بالإسلام 50 سنة متصلة ، ولكن ما الفرق بينك وبين أجدادك ؟ .
الفرق أنهم كانوا يطبقون شرع الله على أنفسهم ومجتمعاتهم فاستحقوا نصر الله عز وجل ، أما البعد عن شرع الله والتذاكي عليه والظن أن في خلافه خير أدى ذلك إلى حدوث ما نحن فيه الآن .
إذا فالشرع الإسلامي يعتبر أن الأرض التي فتحها المسلمون وحكموها لفترة ولو كانت وجيزة من الزمان هي أرض إسلامية إلى قيام الساعة ، وليس معنى هذا أن النصارى لا يعيشون في أرض المسلمين ، بالطبع يمكنهم العيش ولهم حقوق كثيرة جدا في أرضنا ، ولكن الحكم والشرع لله في هذه الأرض .
تُرى لو احتل جزء من أرض المسلمين فكيف يكون الحال ؟ .
اجتمع علماء المسلمين على أنه يتعين الجهاد في سبيل الله لتحرير أي جزء محتل من بلاد المسلمين ولو كان شبرا واحدا ، أي أن الجهاد يصبح فرض عين كالصلاة والصيام في رمضان ، وفرض العين يعني أنه يجب على الفرد المسلم أن يقوم به وبنفسه ولا يسقط بإقامة البعض له وذلك مثل الصلاة المفروضة فلا يصح أن يصلي أحد بدلا عن أحد ، أما فرض الكفاية فهو مثل صلاة الجنازة لو قام بها بعض المسلمين بالقدر الكافي سقطت عن البقية ولو لم يفعلها البعض أثم الكل .
بالنسبة للجهاد في سبيل الله فهو فرض على الكفاية ، إن قام به بعض المسلمين على القدر الكافي سقط عن البقية ، وذلك للحديث الذي رواه أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي لَحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ [ لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا ، وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا ] رواه مسلم وغيره ، فالجهاد في الأصل فرض كفاية ، ولكن متى يتعين الجهاد ويصبح فرض عين كالصلاة والصيام والزكاة ؟ .
أولا : أن يحضر المُكلف صف القتال لقول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) } سورة الأنفال .
ثانيا : إذا استنفر الحاكم أحدا من المكلفين للجهاد توجب عليه ذلك ، فمثلا لو أن هناك خلافة إسلامية وكان هناك جهاد في الشام وطلب الحاكم من جماعة في اليمن الجهاد في الشام ، فيتعين على هذه الجماعة الجهاد ، وذلك لما رواه البخاري عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ] .
ثالثا : إذا احتل العدو جزءا من أرض المسلمين فيتعين على أهل هذه البلد المحتلة أن يخرجوا جميعا للجهاد إن كان دفع العدو لا يتحقق إلا بخروجهم جميعا ، فإن لم يكفوا ولم يستطيعوا دفعهم ، عاونهم في ذلك الأقرب فالأقرب من المسلمين ولو أتى ذلك على مسلمي الأرض جميعا ، فانظر في فقه أبي حنيفة إذ يقول ( فإن هجم العدو - على بلد من بلاد الإسلام ، أو ناحية من نواحيها - ففرض عين ، فتخرج المرأة ، والعبد بلا إذن الزوج ، والمولى ) ، وكذا يخرج الولد بغير إذن والديه ، والغريم بغير إذن دائنه ، والمرأة بغير إذن الزوج ، وفي الفقه أيضا أنه إن سبيت امرأة في المشرق وجب على أهل المغرب تخليصها ، وهذا الفقه يتكرر عند المالكية والحنابلة والشافعية ، فالإجماع قائم على أنه إذا احتل أي جزء من أرض المسلمين تعين عليهم تحريره .
بالطبع هناك أولويات ، فمثلا فلسطين والشيشان وكشمير والبوسنة والهرسك ، هي بلاد تحتاج إلى توجيه الطاقات فلا يعقل مثلا أن نسترد أسبانيا ونترك إخواننا في البلاد الإسلامية المحتلة الآن .
قد يسأل سائل ويقول سبق وأن قلت أنك تخاطب أفراد الأمة من مهندسين وأطباء وعمال ، وهؤلاء لا يملكون القدرة على تحريك الجيوش ، فأين الحلول العملية التي تطرحها ؟ .
في الواقع قبل أن نحرك الجيوش علينا أولا أن نصحح المفاهيم المتعلقة بهذه القضية حتى تستطيع أن تقاتل من أجلها ، وهذه المقالات سيطّلع عليها رجلين ، إما رجل في فلسطين ، وإما رجل في خارجها ، فلو كان السامع من داخل فلسطين ولديه الفرصة للجهاد فلابد أن يعلم أنه قد تعين عليه الجهاد ، ولابد أن يعلم حدود حقوقه التي لا يجب أبدا التنازل عنها ، ولو كان السامع لهذه المقالات خارج بلاد فلسطين فعليه أن يُعين على الجهاد ، ولقد روى البخاري ومسلم عن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا ] .
ثم إن المسلمين سيعرفون من ينادي بالشرع ومن يبيع الدين والأرض والعرض من المسلمين ، ولعل الله أن يفتح في يوم من الأيام باباً للجهاد فتعرف ما لك وما عليك ، وهذا ليس ببعيد ، ففي سنة 1967 كان الناس في مصر يعيشون حياة عادية وفي حالهم ، ثم دخل اليهود عليهم ، وكذلك الحال في الجولان ، وفي لبنان من سنة 1982 دخل اليهود عليهم حتى وصلوا إلى بيروت ، وهكذا لا يعلم أحد متى يكون الجهاد ولابد أن تعرف حقك وتنادي به .
وهناك تسائل آخر قد يُطرح وهو أن ما أتحدث عنه يعتبر مخالفا للشرعية الدولية ، فلكل بلد حدود يجب أن تلتزم بها ولا تخرج عنها ، وللرد على هذا أقول أن هناك في العالم شريعتين : شريعة الحق وشريعة الباطل ، واصطلح المبطلون في هذا العصر على تسمية شريعة الباطل بالشرعية الدولية ، والشرعية الدولية تلك هي شريعة الغاب ، فالقوي فيها يأكل الضعيف ، ولا فرق في الشرعية الدولية بين صاحب الحق وبين مغتصب الحق والمهم من الأقوى ، ولا فرق في الشرعية الدولية بين الظلم والعدل فالمهم من الأقوى ، ولا فرق في الشرعية الدولية بين الرحمة والقسوة والمهم من الأقوى ، فالشرعية الدولية منعت دخول التطعيمات ولبن الأطفال للعراق إلى أن مات عشرات الألوف منهم ، والشرعية الدولية أجازت ضرب المدنيين في العراق والبنية التحتية غير العسكرية مثل محطات الكهرباء والمصانع والمدارس والمستشفيات ، وهي التي أجازت ضرب مصنع الأدوية الوحيد في السودان لأنها أعلنت تطبيق شرع الله ولو جزئيا في بعض الولايات ، وهي التي أعطت كشمير للهند مع علمهم بغالبيتها المسلمة ، وهي التي تركت الصين تأكل أرض المسلمين في التركمنستان الشرقية ، ولعلكم سمعتم أن عشرات المسلمين قد أعدموا بعد أن أجبروا على شرب الخمرة في وجبتهم الأخيرة وداروا بهم في كل بلاد التركمنستان حتى يكونوا عبرة لغيرهم ؛ لأنهم يدعون للإسلام في تلك البلاد ، والشرعية الدولية وقفت متفرجة على ما يحدث ، بل وقفت تنظر للمسلمين الذين كانوا يقتلون من الصرب في البوسنة والهرسك وكوسوفا ولم تحرك ساكنا ، وبعد تسع سنين يحاكمون رئيس الصرب على ما فعل وكأنه انتصار كبير للعدالة الدولية .
الشرعية الدولية هي اصطلاح اجتمع عليه مجرموا الحرب في العالم لتنفيذ رغبات الدول القوية ، وقل لي لماذا الشكل المتباين بين موقف أمريكا من الكويت عند احتلال العراق لها ، وبين موقفها من اليهود في فلسطين ، فالذين ضربوا في الكويت كانوا مسلمين والذين يقتلون في الكويت كانوا أيضا مسلمين ، وهذا احتلال وهذا احتلال ، ولماذا لم يستطع بوش الأب أن ينام حزنا على مصائب المسلمين في الكويت ؟ ، إلا عندما جمع أهل الأرض جميعا بما فيهم المسلمين لتحرير الكويت ، وهنا تحرك غالب المسلمين لتحريرها ، وأخرج العلماء المصاحف وقرؤوا { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) } الحجرات .
فلماذا ينام بوش الأب وكلنتون وبوش الابن حين يرون ما يحدث في فلسطين وهو أبشع مائة مرة مما حدث في الكويت ، ثم أين شهامة المسلمين الذين تحركوا لتحرير الكويت وأين جيوشهم ، ولماذا لم يخرج المصحف ولماذا سكت العلماء الذين تحركوا لنجدة الكويت ، أليس في المصحف آيات تحض على تحرير فلسطين وقتال اليهود ؟ ، فلماذا فرضت الشرعية الدولية نصف مليون جندي وآلة عسكرية ضخمة جدا من أجل الكويت ، وفرضت في فلسطين طاولة مفاوضات وأربع أو خمس كراس حولها ؟ ، ولماذا أرادت محاكمة رئيس السودان عمر البشير بزعم أنه تسبب في قتل بعض المدنيين السودانيين بطريقة غير مباشرة ولم نر أي دلائل تدل على ذلك ، في حين أن الشرعية الدولية تقف متفرجة وصامتة على ما فعله اليهود من قتل ما يزيد من ألف فلسطيني مسلم وجرح أكثر من خمسة آلاف كان معظمهم أطفالا ونساء وذلك في غزة بداية سنة 2009 ميلادية ؟ ، فأين محاكمة مجرمي الحرب اليهود وكل من شارك في هذه المذبحة وما سبقها من المذابح ؟ ، فالشرعية الدولية لا تعرف حقا أو باطلا فهي لا تعترف إلا بالقوة .
أما شريعة الحق ، أو الشريعة الإسلامية ، أو شريعة الله فهي أمر مختلف تماما ، فهي شرعية تقوم في الأساس على احترام خالق هذا الكون ، وهي تعرف الحق كما عرفه مالك الملك ذو الجلال والإكرام ، وهي تعرف الباطل أيضا كما عرفه مالك الملك ذو الجلال والإكرام ، وهي شرعية تقوم على أساس نشر العدل المطلق والرحمة المطلقة بين الخلق ، فهي شرعية تريد الخير والرحمة للعالمين ، قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) } الأنبياء .
الصراع بين الشرعية الدولية لأهل الباطل والشرعية الإسلامية لأهل الحق هو صراع قديم ، فلقد اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يعبدوا أصناما من دون الله ، فهل في هذا الاجتماع صورة للحق ؟ ، واصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يعذبوا المسلمين ويصادروا أموالهم وديارهم ، وهي عملية تجميد أموال كما نسمع عنها تماما الآن فهل هذا حق ؟ ، واصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يحاصروا المسلمين في شعب أبي طالب ثلاث سنوات فهل كان هذا الحصار حقا ؟ ، واصطلحوا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجروا فهل هذا القتل حقا وقد أخذ الشرعية الدولية ؟ ، واصطلحوا على حصار المسلمين في المدينة وقتالهم في بدر وأحد والأحزاب فهل هذه الأمور حقا شرعيا أم افتراء على الله والمؤمنين ؟ .
المسلمون جابهوا الشرعية الدولية لأنها كانت ظالمة ، وكذلك جابهوها في دول العالم المختلفة والمتمثلة في فارس والروم لأنها أيضا كانت ظالمة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حق خالص ، ودينه حق خالص ، ورأيه حق خالص ، والقرآن حق خالص ، ومع اعتراف أهل مكة في داخلهم بهذا الحق ، إلا أنهم حاربوه ، ثم دارت الأيام وآمن أهل مكة لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ، ولكنه كان مؤيدا بقوة أي مؤيدا بعشرة آلاف من المؤمنين المجاهدين ، فلقد كان مؤيدا بسيوف ورماح ودروع وهنا آمنوا ، فكثيرا منهم لم يؤمنوا إلا خوفا من هذه السهام والسيوف ، ثم دارات الأيام وحسُن إسلامهم ونصروا الدين بحق وثبتوا على الدين وهكذا ، فلابد للحق من قوة تحميه حتى وإن كان هذا الحق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه من سنن الله في خلقه ، لذا لا يجب على المسلمين أن يظنوا أن الشرعية الدولية ستسمح للمسلمين بحقوقهم حتى ببعض حقوقهم ماداموا لا يملكون قوة .
المهم الآن أن يعلم المسلمون أن فلسطين وبكاملها أرض إسلامية ، وتعين على المسلمين تحريرها بكاملها ولن تحرر البلاد إلا بسواعد المسلمين ، ولن يفيدنا استجداء السلام من أمريكا ولا من الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا الصين ، وسبحان الله يمدون أيدهم إلى كل المتواطئين عليهم ولا يرفعون أيدهم إلى ربهم رازقهم ، وإن هذا لشيء عجيب .
وهذا الكلام ليس كلامي أنا فقط بل إن الأزهر قد أصدر فتوى بعدم جواز الصلح مع اليهود ماداموا يملكون أرضا إسلامية وأنه يحرم التفريط في شبر واحد من فلسطين وكانت هذه الفتوى بتاريخ 8 يناير 1956 م ، ولو أنك ذهبت الآن إلى الأزهر فإنك لن تجد رجلا واحدا يفتي بأن يافا أو حيفا مثلا بلد غير إسلامية ، وللعلم فإن الحي الشمالي من يافا اسمه تل أبيب ، فهذه الأرض هي أرض إسلامية وقد عاش فيها الإسلام قرونا متتابعة .
سبق وأن سألتكم لماذا نحرر فلسطين ووضعت لكم اختيارات شتى وقلت لكم أن الاختيار الصحيح هو لأنها أرض إسلامية ، ولكن ما هي عيوب الإجابات الأخرى ؟ .
أترك توضيح عيوب هذه الإجابات في المقالة القادمة إن شاء الله .
هذه المقالة تكاد تكون منقولة بالنص من درس للدكتور راغب السرجاني
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم انصر الاسلام واعز المسلمين فى كل مكان
ردحذفعلى فكرة المقالة طوييلة جدا
ولكنى احييك على امانة النقل
اليأس .. ثم العار .. احنا بقينا قليلين قوى قدام نفسنا
ردحذفالقضية الفلسطينية هى مرآة نرى فيها قبحنا
السلام عليكم
ردحذفيا أستاذ أحمد بعد إذنك أنا أضفت مدونتك لقائمة المدونات الالكترونية في مدونتي
بارك الله فيكم
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ردحذفأختي " موناليزا " ، أعلم أن المقالة طويلة وإن شاء الله لن أكرر ذلك العيب ، وجزاك الله خيرا .
أختي " آسر " ، نعم هي قضية نرى فيها قبحنا وضعفنا ، ولكن يجب أن نصلح أحوالنا والله المستعان .
أخي " مسلم " ، جزاك الله خيرا ودمت بكل خير .
شكرا اخ
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف